برلين- ضجة كبيرة في ألمانيا سببتها اتهامات للاعب أنطونيو روديغر بالارتباط بـ”منظمات إرهابية” لمجرد ظهوره في صورة على موقع إنستغرام يلبس رداء أبيض على سجادة الصلاة رافعاً أصبع السبابة، بحكم أن الاتهام جاء من جوليان رايشيلت رئيس التحرير السابق بصحيفة “بيلد” ثم قرار اللاعب واتحاد كرة القدم رفع دعوى ضد الصحفي لتهم منها خطاب الكراهية والقذف والتحريض.
ولم يرِد في الصورة غير عبارة “رمضان مبارك لجميع المسلمين. تقبل الله صيامنا وقيامنا” ونشرت بداية الشهر الفضيل. إلا أن انتقادات رايشيلت لم ترد سوى هذا الأسبوع، إذ ربط بين رفع روديغر للسبابة وبين تنظيم “داعش” (الدولة الإسلامية) زاعما أن هيئة حماية الدستور (الاستخبارات الألمانية الداخلية) تصنف هذه الحركة بأنها “أصبع تنظيم الدولة”.
ورفض الصحفي ذاته الاعتذار عن ربطه بين روديغر وبين الإرهاب، وكتب مصرا على كلامه أن حركة روديغر “أصبحت بدون منازع تحية داعش والقتلة الإسلامويين في كل أنحاء العالم” مضيفا أنها ليست بريئة، وأن من يقوم بها يطبع مع “أيديولوجية فظيعة استحوذت بالفعل على مساحة كبيرة جدًا في هذا البلد”.
اتهامات متكررة
ومعروف عن رايشيلت مواقفه الداعمة لإسرائيل، حيث ينشر بشكل يومي تغريدات على موقع إكس تردد الرواية الرسمية الإسرائيلية، ويعمل حاليا بموقع “نيوز” الألماني، وهي صحيفة يمينية شعبوية، تتبنى خطا قريبا جزئياً من “بيلد” التي أقيل رايشيلت من رئاسة تحريرها، لأسباب تخص سوء استغلال النفوذ، خصوصا إقامة علاقات مع سيدات يعملن تحت إمرته.
ويقول عبد الصمد اليزيدي، الأمين العام للمجلس الأعلى للمسلمين بألمانيا للجزيرة نت “هذا التحوير ليس بريئا، ليس مبنيا على معلومات مغلوطة (فقط) بل وسيلة من وسائل التحريض ضد المسلمين في ألمانيا” مضيفاً “من أطلقوا هذا التشهير يعرفون بشكل يقيني أن رفع السبابة لا علاقة لها بداعش، بل هو رمز للتوحيد، ولكنهم يحاولون اصطناع الأزمات من أجل التحريض ضد المسلمين”.
وليست هذه أول مرة يتم فيها الهجوم على لاعب بمنتخب “المانشافت” بسبب إسلامه، إذ هاجم قياديون بحزب “بديل من أجل ألمانيا” اللاعب مسعود أوزيل، بسبب صورته وهو يؤدي مناسك العمرة، زاعمين أن هذه ليست حياته الحقيقية بالغرب، وزادت الحملة ضده بعد صورته مع الرئيس التركي طيب أردوغان، مما أدى إلى اتخاذه قرار اعتزال اللعب الدولي.
مسعود أوزيل .. اللاعب الذي لم يأخذ ربع ما يستحقه من إطراء .. ربما مواقفه الدينية المشرفة جعلت هنالك من يحاربه .. لكنه بنظري أحد أبرع من لعب في مركز صناعة اللعب على مر العصور .
مقطع قصير للاعب الكبير pic.twitter.com/8ZyQbkL7N8— سعد السعود (@sa3dals3ud) March 24, 2024
كما تهجم الإعلام اليميني على المغاربة في مونديال قطر بالأسلوب ذاته، إذ ادعت قناة “فيلت” (تابعة بدورها لمجموعة أكسيل شبيرنغر التي تنتمي لها بيلد) أن رفع المغاربة أصبع السبابة باحتفالاتهم داخل غرفة تغيير الملابس هو تقليد لتنظيم “داعش” واعتذرت القناة لاحقا بعد موجة انتقادات كبيرة.
وكانت بياتريكس فون ستورخ، عن حزب “بديل من أجل ألمانيا” قد طالبت بطرد روديغر من المنتخب عام 2020، وقالت في تصريحات صحفية إنه “لا يمثل قيم المنتخب” وذلك عندما عادت مواقع إلى نقره على زر الإعجاب بمنشور يظهر علامة حذاء على وجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهو ما اعتذر عنه روديغر.
أصوات ضد روديغر
لم يكن رأي رايشيلت نشازا في ألمانيا، فقد خرجت أصوات أخرى تدعم الصحفي في هجومه على روديغر، ونشر موقعه تقريراً مطولاً حول من يرفعون السبابة، ووضع بالصورة أسامة بن لادن، وذكر كذلك أن أنيس العامري، الذي نفذ الهجوم الدموي في برلين عام 2016، رفع أصبع السبابة قبل قيامه بالهجوم الذي خلّف مقتل 13 شخصا وجرح العشرات، وتبناه تنظيم الدولة.
وذكّر المقال بتغريدة لوزيرة الداخلية نانسي فايزر، عام 2022، عندما نددت برفع تلميذ للسبابة، في صورة جماعية بمقرّ وزارتها، وقالت إنه سلوك “غير مقبول” وذكرت حينها أن وزارتها ستتواصل مع أصحاب المشروع (الذي نسق زيارة التلاميذ).
وجاء الاستشهاد بالوزيرة، نظراً لخروج وزارتها للدفاع عن روديغر، إذ صرح متحدث باسمها في بيان رسمي بأن حركة روديغر “تعبير عن الإيمان” ولا تمثل مشكلة على الأمن العام “بغض النظر عن سوء استخدام هذه الحركة من طرف الجماعات الإسلاموية”.
أحمد منصور الذي يقدم نفسه للإعلام الألماني خبيراً بالحركات الإسلامية، وهو من فلسطينيي 48 الداعمين بقوة لإسرائيل، قال في مقال له إنه من الخاطئ اتهام روديغر بالتطرف، لكن يجب على الاتحاد الألماني أن “ينشئ مدونة سلوك تقدم للاعبين إرشادات حول استخدام منصتهم بشكل مسؤول”.
وزعم أن الشباب المسلمين يفسرون صورة روديغر بطريقة بعيدة عن نوايا اللاعبين، قائلا إن هذه الصورة يمكن أن تمثل تأكيدًا لهوية دينية خاصة “ترفض في أجزاء منها القيم الديمقراطية الأساسية”.
كما ذكرت سيران أطيش، التي أنشأت ما يسمى “أول مسجد ليبرالي بألمانيا” أن حركة روديغر “ليست دينية بل سياسية” وذكرت لصحيفة “بيرلينه تسايتونغ” أن “الجمع بين السجادة والملابس والإيماءات انطلاقة لرسالة مثيرة للقلق”.
وادعت أطيش التي تدعم صلاة النساء دون حجاب وكذلك الصلاة المختلطة مع الرجال أن حركة روديغر “ليست جزءا من الصلاة ” وأن كل من يدعي أنها لفتة دينية غير ضارة فهو “ينشر الأكاذيب”.
دعم روديغر
خرج روديغر عن صمته وصرح لصحيفة بيلد، وذكر أن الأمر يخصّ “أصبع التوحيد” وهو ما يعني في الإسلام “وحدانية الله” وتابع كـ”مسلم ملتزم، أمارس معتقدي لكن أبتعد بحزم عن كل أشكال التطرف” معترفاً بأنه “بسبب عدم الاهتمام الكافي، منح أطرافاً ثالثة الفرصة” لإساءة تفسير منشوراته عمدًا “من أجل الانقسام والاستقطاب” مؤكدا أنه لن يسمح بإهانته واحتقاره ووصفه كإسلاموي، ولذلك قرر تقديم الشكوى.
وقد ترعرع روديغر في حي نيوكولن بالعاصمة برلين، حيث تقطن جالية مسلمة مهمة. ووالدته فرّت من سيراليون، ذات الغالبية المسلمة، بسبب الحرب الأهلية، وتولت تربيته لوحدها مع 5 إخوة آخرين، بينهم أخ غير شقيق احترف كرة القدم. وتعوّد روديغر على إظهار التزامه بالدين الإسلامي على وسائل التواصل.
ووقفت عدة شخصيات مع اللاعب، ومنهم النائبة عن حزب الخضر، لمياء قدور، التي كتبت على موقع إكس إن دعم الاتحاد الألماني للكرة للاعب “إشارة مهمة وواضحة ضد العنصرية والتمييز ضد المسلمين” وإن رفع الشكوى بشكل مشترك، ومواصلة الوقوف بثبات خلف لاعبهم “كان القرار الصحيح ومواصلة الوقوف بثبات خلف لاعبهم”.
وقال هيلمر كران، من الحزب الديمقراطي الحر “يكفي. الشعبويون اليمينيون يحرضون ضد لاعبنا الوطني روديغر. حركة معروفة في الإسلام لا تتحول إلى إسلاموية إذا أساء الإسلاميون استخدامها” معطيا المثال بالعلم الألماني الذي لا يتحول إلى رمز للتطرف اليميني إذا ما رفعه المتطرفون.
ويشير اليزيدي إلى أن الأطراف التي تشارك بالحملة لها حقد على الآخر وكل الديانات الأخرى التي يرونها أجنبية، وليس فقط المسلم، ولكنهم لا يتجرؤون على بقية الأديان كما يفعلون مع الإسلام، لأن الإسلاموفوبيا بات يسمح بها حتى داخل البرلمان، والاعتداء على الإسلام يحدث في وضح النهار دون أن يكون هناك أيّ رد فعل، متابعا أن استمرار الأمر على ما هو عليه يشكل خطراً على تعددية المجتمع الألماني.