الـ25 من مارس/آذار يوم ليس كسائر الأيام بالنسبة للرئيس السنغالي الخامس باسيرو نديوماي فاي، فهو يوم ولد فيه عام 1980، وفيه انتُخب رئيسا عام 2024.
أما شهر أبريل/نيسان فسيكون شهر المفارقات في حياة الرئيس الجديد، ففيه دخل السجن عام 2023، وفيه سيدخل القصر الرئاسي عام 2024.
ورغم أن طريق فاي للقصر لم يكن معبدا حيث خرج من السجن قبل 10 أيام فقط من انتخابه، فإن الأقدار وجو الاحتقان الذي خلقه خلفه ماكي سال من أبرز ما مكّن باسيرو من سحق خصومه في الجولة الأولى من النزال السياسي.
وجعلت خطاباته الصريحة المتعلقة بالفساد ومحاربته، وبرامجه الجريئة حول استحضار المصالح الوطنية في العلاقات الدولية، الأنظار تتجه نحو مستقبل شراكات السنغال مع العالم الخارجي في العهد الجديد.
سياسي مختلف
ويختلف باسيرو عن غيره من السياسيين السنغاليين، فقد تلقى تكوينه الأكاديمي كله في السنغال، ولم يدرس في فرنسا ولا في جامعات الغرب الأخرى، وإنما تخرج من جامعة الشيخ أنتا جوب والمدرسة الوطنية للإدارة في دكار عام 2007. كما أنه لم يتقلد مناصب عليا في الجهاز الحكومي.
ورغم أنه لا يعتنق أيديولوجيا معينة، فإنه كان ينشد الاستقلال والابتعاد عن الهيمنة الفرنسية، وينادي بالحريات الفردية والجماعية. وخلال دراسته في الجامعة، كان مقربا من الحركات الطلابية ذات النزعة الإسلامية والمقربة من جماعة عباد الرحمن، واشترك معها في النضال والاحتجاجات.
وعندما أصبح مفتشا للضرائب، تعرف عن قرب على رفيق دربه وملهمه عثمان سونكو عام 2014، وجمعت بينهما قواسم مشتركة عديدة مثل: مهنة العمل، والالتزام الديني، وفكرة تحرير السنغال من التبعية لفرنسا، والاهتمام بمحاربة الفساد.
وتميز الرئيس الجديد بتركيز خطاباته على مشاكل الطبقات الهشة والمهمشة، فلامس آلام المجتمع، وأعاد له الآمال.
وأسس الشابان حزب الوطنيين الأفارقة في السنغال للعمل والأخلاق (باستيف) عام 2014، وانطلقا في مسار سياسي اتسم بالتصعيد والتحدي والمواجهة في الميدان وداخل أروقة المحاكم حتى أوصلهما لباب القصر.
في العقيدة السياسية لباستيف الذي يشغل فاي منصب أمينه العام، فإن فرنسا ما زالت تعتبر السنغال جزءا من مستعمراتها، كما أنها الناهب الأول للثروات الأفريقية، ولا بد من مراجعة العلاقات معها والدخول في شراكات ندية ومربحة للجميع.
سقوط فرنسا
وكما قال الزعيم سونكو في حملته 2019 إنه لا يتبنى موقفا عدائيا ضد فرنسا لكنه يطالب بعلاقات تحترم الخصوصية الأفريقية، جاءت تصريحات فاي وتعهداته في الحملة الانتخابية معترفة بعمق العلاقات التاريخية مع باريس والاتحاد الأوروبي، لكنه اعتبر أن هذه العلاقات لا ينبغي أن تكون على حساب السنغال.
وقال إنه ينوي تنويع الشراكات العسكرية والأمنية لبلاده، في إشارة إلى احتمال التقارب مع موسكو، إن اقتضت المصلحة ذلك.
ووفق قراءة لمركز الصحراء للدراسات والاستشارات، فإن الراجح أن فاي سيغير زاوية المقاربة في السياسة الخارجية عما كانت عليه في السابق، لكنه لن يكون جزءا من الحلف الموالي لموسكو.
ويعتقد الكاتب والباحث البوركينابي محمد الأمين سوادغو أن تنظيم الانتخابات ونجاح باسيرو يمثل سقوطا لفرنسا في المنطقة، وجزءا من تلاشي قبضتها. وقال على منصة إكس إن باريس خسرت دولة السنغال لأن من سيقودها يتبنى فكرا مناهضا للإمبريالية الغربية.
ومن أكثر النقاط والوعود الانتخابية في برنامج باسيرو فاي التي تفاعل معها السنغاليون هي محاربة الهيمنة الثقافية الفرنسية، حيث التزم بمراجعة السياسات الثقافية المرتهنة للغة موليير، ووعد بانفتاح أكبر على اللغة الإنجليزية.
ورغم أن السنغال بها 39 لغة محلية، فإن الفرنسية هي اللغة الرسمية للبلاد، كما عرفت السنوات الأخيرة اعتبارا للعربية وإفساح الطريق أمام الناطقين بها للدخول في الدوائر الحكومية، وأصبحت معرفتها قيمة مضافة للمسؤولين.
ومن ضمن أولويات الرئيس الجديد الاقتصادية الخروج من العملة الفرنسية الموحدة التي يعتبرها سببا في تدهور الاقتصاد السنغالي، وتمثل وجها من أوجه الاحتلال الفرنسي لاقتصاد دول منطقة غرب أفريقيا، وتعهد بأنه إذا لم تفلح إيكواس في سك عملة غرب أفريقية جديدة فإن السنغال ستضرب عملة خاصة بها.
العلاقات الإقليمية
وفي برنامجه الانتخابي، التزم باسيرو فاي بتعزيز التعاون مع ساحل المحيط الأطلسي (موريتانيا وغامبيا وغينيا بيساو)، كما أنه يطمح لإيجاد آلية للعمل المشترك بين هذه الدول للقيام بمهام المراقبة والاستخبارات.
وبشأن العلاقة مع دولة مالي، يرى أن بلاده معنية بالتحولات الجارية فيها، وكل اضطراب أمني سينعكس على السنغال بالضرورة.
أما الجارة الشمالية موريتانيا، فإن رفيقه ورئيس حزبه عثمان سونكو تحدث أكثر من مرة في السنوات الخمس الماضية بشأنها، واعتبر أن الرؤساء الذين سبقوه لم يراعوا مصالح السنغال في علاقاتهم مع نواكشوط.
وتوجد في موريتانيا جالية سنغالية كبيرة، أغلب أبنائها من الصيادين والعمال اليدويين، وتم تسجيل 27 ألف ناخب سنغالي في نواكشوط عام 2024 صوت منهم قرابة 10 آلاف شخص، حصد منها باسيرو فاي نسبة 55%.
ومن المعروف أن البلدين اندلعت بينهما حرب بسبب ترسيم الحدود عام 1989، راح ضحيتها مئات القتلى والجرحى، وتقتضي المصالح المشتركة بينهما التعامل بمنطق الحذر والنظر في مآلات الأمور.
وتشير ورقة أعدها مركز الصحراء للدراسات إلى أن الرئيس باسيرو فاي سيترك سيناريو التصعيد وينتهج خيار التهدئة، وتغليب منطق حسن الجوار، واستحضار قوة المصالح المشتركة.
وفور الإعلان عن النتائج، هنأ الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني نظيره الجديد، وأعرب له عن استعداده للعمل معه من أجل التعاون الثنائي بين بلديهما، وتقوية أواصر الصداقة والأخوة التاريخية التي تجمع بين الشعبين.
طمأنة الشركاء
ورغم ما نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية عن باسيرو بأنه “امتداد للإخوان المسلمين، وسيشكل قطيعة مع ما درج عليه النظام السياسي في السنغال”، فإنه، وفي أول ظهور له أمام أنصاره بعد فوزه، قال إن بلاده ستظل شريكا موثوقا لأي طرف يتعاون معها في إطار النزاهة والاحترام المتبادل.
وتعهد في خطاب النجاح بأن بلاده ستظل مستعدة للتعاون مع “الإخوة الأفارقة” بهدف التكامل الإقليمي. وحمل الخطاب الجديد طمأنة للشركاء الخارجيين.
ومن الصعاب التي تواجه الرئيس الجديد أنه لم يسبق أن خبر التعاطي مع الملفات الخارجية وليست لديه أبسط معرفة بالشركاء الدوليين، لكن التحالف الذي دعمه يضم شخصيات مرموقة ولها خبرة وعلاقات خارجية واسعة.
ومن أبرز الحلفاء الذين دعموه ولهم حضور في العالمين العربي والإسلامي، رئيس الحزب الديمقراطي السنغالي (بي دي إس) كريم واد نجل الرئيس الأسبق عبد الله واد.
ويمتلك كريم واد علاقات جيدة، وقد مكنه العمل مع والده مستشارا مكلفا بتنفيذ المشاريع الكبرى من معرفة الأوضاع الاقتصادية للبلاد، كما أن تكليفه بالإشراف المباشر على تنظيم القمة الـ11 لمنظمة المؤتمر الإسلامي في السنغال أتاح له الفرصة للتعرف على أمراء العالم الإسلامي وقادته، ونسج معهم علاقات بعيدة المدى.
كما يمتلك كريم واد علاقات خاصة في الدوحة، ونفوذا قويا في باريس التي كان يحمل جنسيتها، وسبق له وأن أدار بها شركات. وقد وجه أنصاره لدعم تحالف المعارضة، كما قام واد الأب بزيارة ميدانية لباسيرو فاي أثناء الحملة الانتخابية زادت كثيرا من شعبيته. ويتوقع أن يستعين الرئيس الجديد بخبرتهما.
المصالحة
يشكل النمو السكاني السريع في السنغال تحديا كبيرا للحكومة، حيث إن 20% من الشباب عاطلون عن العمل، ويشكل الفقر نسبة 36.6%.
ورغم أن البلاد تمتلك أراضي زراعية كبيرة، فإنها تستورد 70% من حاجياتها الغذائية، وما تزال الزراعة تعتمد على الوسائل البدائية. ووفق الأمم المتحدة، فإن السنغال تصنف بوصفها واحدة من أقل الدول نموا، رغم الخطوات التي قامت بها لتحقيق التنمية الاقتصادية.
وعام 2020، بلغ حجم الدين الخارجي 13.5 مليار دولار، وأصبحت 36% من صادرات البلاد تذهب لسداد الديون.
وكدولة تعتمد على القروض والمنح، فإنها ستبقى رهينة لضغوط قوية من الشركاء الخارجيين، وقد تجد صعوبات في تطبيق السياسات الداخلية التي تحقق المصالح الوطنية.
ويتوقع أن يواجه الرئيس الجديد صعوبات قوية تتمثل في تجذر الفساد في الجيل الذي يسير البلاد منذ عقود عديدة، وخاصة أن فاي أظهر أن من أولوياته القضاء على المفسدين، وظهر في مهرجانات سياسية حاملا مكنسة تقليدية ترمز إلى سعيه لتنظيف الإدارة من المفسدين.
ورغم ما عرفته دكار من توترات في الأعوام الثلاثة الأخيرة وإبعاد الرئيس الجديد وطاقمه من ساحة التأثير السياسي، فإن فاي أعلن في أول خروج له بعد نجاحه أنه سيوجه جهوده نحو المصالحة الوطنية وإعادة بناء المؤسسات. والتزم بأنه مقبل على مشاورات شاملة للتوصل لسياسة عامة يمكنها أن تساهم في إنجاح تطلعات السنغال نحو الأفضل.
وفي خطاب الفوز، أبدى باسيرو فاي رغبته في تجاوز الماضي وطي صفحة الأحداث السياسية التي عرفتها البلاد وراح ضحيتها عدد من القتلى والجرحى، وتسببت في سجنه سنة كاملة، معتبرا أنه يسعى لإعادة تصالح القلوب، وكأنه يريد تطبيق مبدأ “لا تثريب عليكم” والسنغال تسع الجميع.