رام الله- في الوقت الذي تشير فيه الأرقام إلى تراجع عمليات المقاومة الفلسطينية في الشهور الأخيرة، سواء مسلحة أو شعبية، فإن “نوعية” أخرى منها بدأت تتزايد، لتأخذ المقاومة منحى جديدا بفعالية أكبر، وفق خبراء.
وظلت الأنظار في العامين الأخيرين متجهة إلى مخيمات شمالي الضفة الغربية، حيث الكتائب المسلحة التي تظهر علنا في جنين ونابلس وطولكرم، وقابلها الاحتلال بعمليات اقتحام وتدمير وتخريب.
ما جرى شمالي الضفة من تدمير وقتل دفع مجددا لنوع من المقاومة طالما شكّل مصدر أرق للاحتلال هو “الذئاب المنفردة”، حيث لا يستطيع الاحتلال تقدير شخوص ومكان وزمان وهدف تلك العمليات.
#عاجل | كتائب القسام الضفة الغربية: مجاهدونا نفذوا عمليات إطلاق نار استهدفت حشودا للعدو ومواقع مستحدثة شمال ووسط الضفة#حرب_غزة pic.twitter.com/wxWOodJdHB
— قناة الجزيرة (@AJArabic) March 22, 2024
بالأرقام
وفق إحصائيات مركز المعلومات الفلسطيني “معطى”، شهد عام 2023 نحو 3260 عملا مقاوما “نوعيا” في الضفة والقدس، منها عمليات تفجير وإطلاق نار واشتباكات أدت في مجملها إلى مقتل 43 إسرائيليا وإصابة أكثر من 507 آخرين.
لكن توثيق المركز يشير إلى تراجع ملحوظ لأعمال المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية منذ مطع العام، وإن كانت مستمرة بتفاوت بين المحافظات.
ووفق توثيق “معطى” -جهة غير حكومية- فإن شهر يناير/كانون الثاني الماضي شهد 226 عملا مقاوما “نوعيا”، بما في ذلك 60 عملية إطلاق نار ضد أهداف إسرائيلية و60 اشتباكا مسلحا، إضافة إلى 312 فعالية ومظاهرة شعبية.
هذه الأرقام تراجعت خلال فبراير/شباط الماضي، إذ سجل 137 عملا مقاوما “نوعيا” بما يشمل 43 عملية إطلاق نار و34 اشتباكا مسلحا، و275 مظاهرة وفعالية شعبية.
وبينما لا تتوفر معطيات عن شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، تشير معطيات شهر نوفمبر/تشرين الثاني إلى تسجيل 275 عملية إطلاق نار، و135 عملية إلقاء عبوات ناسفة.
في قراءتهم لتلك الأرقام، تحدث خبراء للجزيرة نت عن أسباب تراجع العمليات الفدائية بالتزامن مع غياب المقاومة الشعبية، التي يتبناها المستوى الرسمي الفلسطيني، وحركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” التي تقود السلطة بالضفة.
الشيخ ” محمود نوفل ” إِمام مسجد القاسم في الخليل وحافظ لكتاب الله .. أقبل صائمًا مشتبكًا مجاهدًا مُقبلا غير مُدبر
هؤلاء مشايخنا وتيجان رؤوسنا .. هذا هو مقصد القرآن وغاية العلم ومنتهى التصوف مجتمعين في مشهد واحد .. مش شوية العمم على رمم والرؤوس على تيوس اللي ربنا ابتلانا بيهم… pic.twitter.com/013fcID3Hn
— إسماعيل عرفة (@ismailarafa9) March 16, 2024
بدائل مؤثرة
يقول اللواء المتقاعد يوسف الشرقاوي “إن التنظيم الرئيسي الذي يستطيع القيام بفعاليات في الضفة هو حركة “فتح”، لكنها تلتزم الصمت المطبق، وحتى قادتها يمتنعون عن الظهور الإعلامي، وقد يكون ذلك بقرار قيادي”.
وأضاف “حتى وقفة قصيرة أو اعتصام سلمي في مركز المدن أو في ساحة عامة لاستنكار مجازر الاحتلال لا يوجد”.
وعن تأثير تصعيد الاحتلال عملياته بالضفة منذ 7 أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، التي أدت إلى استشهاد 450 فلسطينيا وإصابة نحو 750 واعتقال قرابة 7800، قال الشرقاوي إن عمليات الاحتلال ستؤدي إلى نتائج لا يرغبها.
وأضاف “المداهمات الليلة للمخيمات ستعيد حضور الذئاب المنفردة، وهو ما يخشاه الاحتلال أكثر من التشكيلات المنظمة، لأن هذا النوع من العمليات يقوم به فرد في الوقت والمكان والشكل الذي يريده دون أن تكون له ارتباطات تنظيمية”.
وتابع أن إسرائيل تستوعب العمل “الاستعراضي” إلى حد ما، وتعالجه باقتحامات وغارات وعمليات ليلية في المخيمات وتخريب الطرق والبنية التحتية، لكنها تحسب الحساب أكثر للذئاب المنفردة التي انتشرت في فترة ما قبل طوفان الأقصى.
اللواء فايز الدويري: ستنفلت الذئاب المنفردة من عقالها، وقد تفضي إلى انتفاضة ثالثة في الضفة قد تكون الانتفاضة الثانية ليست بمستواها#حرب_غزة #غزة_ماذا_بعد؟ pic.twitter.com/GL7EE6MmFC
— قناة الجزيرة (@AJArabic) February 23, 2024
آخر الذئاب المنفردة
إشارة إلى ما تحدث به الشرقاوي، فإن الأسبوع الأخير شهد 3 عمليات نوعية ضمن ما يُطلق عليه “الذئاب المنفردة”، أبرزها عملية الشهيد مجاهد بركات منصور غربي رام الله يوم الجمعة، والتي أدت إلى إصابة 7 جنود إسرائيليين، قُتل أحدهم لاحقا.
وقبل ذلك في 20 مارس/آذار الماضي وقعت عملية عتصيون بين الخليل وبيت لحم للشهيد زياد فرحان حمران من جنين، والتي أطلق فيها النار على ضابطي مخابرات إسرائيليين.
وسبقهما في 16 مارس/آذار عملية إطلاق النار في الخليل، نفذها الشيخ الشهيد محمود نوفل -إمام مسجد- مستهدفا بؤرة استيطانية وسط المدينة، دون أن يعلن الاحتلال عن إصابات.
وسبقهم جميعا في 16 فبراير/شباط الشهيد فادي جمجوم (40 عاما) من القدس، الذي أطلق النار تجاه موقف للحافلات في مستوطنة كريات “ملاخي” ليوقع قتيلين و4 جرحى.
وفي المجمل فإن عمليات هؤلاء كانت فردية ودون وجود إشارة على هياكل أو ارتباطات تنظيمية وراء تنفيذ عملياتهم.
بين العسكري والشعبي
من جهته، يقول النشاط ضد الاستيطان عيسى عمرو إن حالة الصمت التي تعيشها معظم محافظات الضفة الغربية بشكل عام إزاء ما يجري في غزة من مجازر “غير طبيعية”، مشيرا إلى “حالة إجهاض لمعظم العمل المقاوم والشعبي”.
ولا يرى عمرو أن العمل العسكري المقاوِم وإن كان في تراجع، هو الذي أدى إلى تراجع العمل الشعبي.
وتابع أن العمل الشعبي لا يقتصر على المواجهات “إنما لا يوجد تعزيز لصمود العائلات، لا دور للمؤسسات الفلسطينية ومؤسسات منظمة التحرير، ولا الغرف التجارية أو البلديات والقوى الوطنية والإسلامية”.
وأرجع عمرو غياب الفعل المقاوم بكل أشكاله إلى “دور الأجهزة الأمنية في إجهاض العمل الشعبي، والاعتقالات الإدارية الواسعة التي يشنها الاحتلال ضد النشطاء”.
وأضاف أن إغلاق الجامعات والمدارس ومنع التجمعات من قِبل السلطة الفلسطينية، وسياسة القتل الإسرائيلية للمتظاهرين، كل ذلك أدى إلى الصمت الذي يخيم على الضفة وغياب الاحتجاج على ما يجري في غزة.
ورأى أن غياب القيادة التي تمثل الشارع، وفساد القادة المتنفذين وغياب أي أفق للقضاء على الفساد في الحكومة القادمة، لا يؤشر على تغيّر في الوضع القائم بالضفة.
أين المقاومة الشعبية؟
في إجابته على هذا السؤال، يقول القيادي في حزب الشعب والناشط البارز في الفعاليات الشعبية خالد منصور إن المقاومة الشعبية موجودة لكنها في تراجع، وتتركز حاليا في فعاليات دعم الأسرى “وللأسف الشديد أعداد المشاركين قليلة”.
ويفسر تراجع الفعاليات الشعبية في نقاط الاحتكاك والمسيرات والمقاومة العسكرية بأن “البعض يظن أن المقاومة إما شعبية أو مسلحة، ولا يؤمن بالجمع بينهما، وهذا خطأ لأن لكل شكل جمهوره، ولا يجب أن يحل شكل مكان الآخر”.
من الأسباب الأخرى، يضيف منصور “الإرهاب والعنف الإسرائيلي والاقتحامات الليلية والاغتيالات وعنف المستوطنين، والاعتقالات التي طالت قرابة 8 آلاف من الناشطين والمؤثرين”.
وأشار أيضا إلى “تقطيع أوصال المناطق، ووضع بوابات وحواجز إسرائيلية بينها، إضافة إلى موقف المنتظر من التنظيمات السياسية بدل أن يتعزز دورها أكثر”.