رحبت دولة عدة بتبني مجلس الأمن الدولي، الاثنين، قرارا يطالب بوقف فوري لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس في غزة، لكن خبراء شككوا في إمكانية تنفيذه على أرض الواقع “رغم الروح الإيجابية التي ينطوي عليها”.
ويطالب القرار الذي تمّ تبنّيه بغالبية 14 صوتا مؤيّدا وامتناع عضو واحد (الولايات المتحدة) عن التصويت، بـ”وقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان” الذي بدأ قبل أسبوعين، على أنّ “يؤدي إلى وقف إطلاق نار دائم”. ويدعو أيضا إلى “الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن”.
وحظي القرار الذي تقدم به أعضاء المجلس العشرة المنتخبون، بدعم روسيا والصين والمجموعة العربية التي تضم 22 دولة في الأمم المتحدة.
ومع اقتراب شبح المجاعة في غزة، وتزايد الضغوط الدولية لفرض هدنة في الحرب التي أسفرت عن مقتل أكثر من 32 ألف فلسطيني، بحسب تقديرات السلطات الصحية الفلسطينية، أصبح وقف إطلاق النار في غزة ولو مؤقتا من بين أولويات المجتمع الدولي، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذا القرار ملزم؟
يقول الخبير القانوني، صباح المختار، إنه ما من شك في أن القرارات التي يتبناها مجلس الأمن الدولي إلزامية “لكن ذلك مرتبط بعدة عوامل”، وفق تعبيره.
وفي حديث لموقع “الحرة” لفت المختار، الذي يرأس “جمعية المحامين العرب في لندن” إلى أن تنفيذ القرار يتوقف أولا على الدولة المعنية به “هل هي تحترم القرارات الدولية أم لا”، مشيرا أيضا إلى أن التنفيذ الفعلي إنما يستجيب لرغبة الدول القوية بالعالم على إلزام تطبيقه.
وبموجب ميثاق الأمم المتحدة، تعتبر قرارات مجلس الأمن ملزمة للدول الأعضاء البالغ عددها 193 دولة، على الرغم من انتهاكها في كثير من الأحيان، وفقا لوكالة أسوشيتدبرس.
ولفت المختار إلى أن هناك قرارات كان اتخذها مجلس الأمن الدولي تخص إسرائيل، ولم تطبقها. وتابع: “لا أظن أن إسرائيل سيهمها أن تنفذ هذا القرار أو حتى أن يصدر”.
في المقابل، يرى المحلل السياسي، توفيق بوقعدة، أن هناك نواحي إيجابية في تبني القرار بحد ذاته، بعد نحو ستة شهر عن بدء الحرب بين حماس وإسرائيل.
وبدأت الحرب الجديدة بين إسرائيل وحماس، بعد هجوم الأخيرة على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، ما أسفر عن مقتل 1160 شخصا، كما خُطف حينها نحو 250 شخصا ما زال 130 منهم رهائن في غزة، ويُعتقد أن 33 منهم لقوا حتفهم.
في المقابل، أسفر الهجوم الإسرائيلي (جوا وبرا) على غزة عن مقتل 32333 شخصا، وفق أحدث حصيلة أعلنتها وزارة الصحة في القطاع.
ما ذا يعني القرار بالنسبة لإسرائيل؟
لم يتمكّن مجلس الأمن الدولي الذي يشهد انقساماً منذ سنوات بشأن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، من تبنّي إلّا قرارين من أصل تسعة قرارات تمّ طرحها منذ السابع من أكتوبر، وهما قراران إنسانيان في الأساس.
توفيق بوقعدة قال بالخصوص في اتصال مع موقع “الحرة” إن قرار مجلس الأمن الجديد قد يخدم مساعي إيقاف الحرب من حيث كونه يترجم فعليا موقف الدول من الحرب الجارية، وأثرها على المدنيين.
وقال إنه ورغم شكه في أن إسرائيل “ستذعن للقرار خصوصا وأنها لم تنفذ القرارات السابقة المتعلقة بالمساعدات”، يرى أنه “بالإمكان البناء على هذا القرار للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار”.
ولفت إلى أن التخوف من عدم تنفيذ القرار، الذي أبداه الأمين العام الأممي، أنطونيو غوتيرس، والذي عبر عنه في منشور، الاثنين، على منصة أكس، “دليلٌ على أن ثمة شكوكا حقيقية في إمكانية إلزام إسرائيل بتنفيذه”.
وكتب غوتيريش “ينبغي تنفيذ هذا القرار.. إن الفشل سيكون أمراً لا يغتفر”.
The Security Council just approved a long-awaited resolution on Gaza, demanding an immediate ceasefire, and the immediate and unconditional release of all hostages.
This resolution must be implemented. Failure would be unforgivable.
— António Guterres (@antonioguterres) March 25, 2024
من جهة أخرى، أشار بوقعدة إلى إمكانية أن يشكل هذا القرار طريقا جديدة نحو فرض إدخال المساعدات للمدنيين، ولفت إلى أن الشيء الإيجابي في قرار اليوم هو أن مجلس الأمن ” اشترط عدم وجود أي عراقيل من إسرائيل أمام المساعدات القادمة لغزة”.
من جانبه، يؤكد المحلل الأميركي، باولو فان شيراك في حديث مع موقع “الحرة”، أن إسرائيل لن تنفذ القرار، وخص بالذكر رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، الذي أبدى امتعاضة من عدم استخدام واشنطن لحق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن.
وقال بوقعدة إن “نتانياهو لم يعط إشارة على أنه سينفذ القرار، بالتالي لا أرى أنه سيكون ملزما بالنسبة له”.
لكنه عاد ليؤكد أن ثمة مناحي إيجابية لهذا القرار رغم أنها “آنية”، إذ قد تفضي لإطار تفاهم حول هدنة قد نشهد خلالها إطلاق حماس لرهائن لديها “ربما ضمن صفقة تبادل بسجناء لدى إسرائيل، مثل ما حدث في السابق.. ليس أكثر”.
وزير في حكومة الطوارئ الإسرائيلية يعلن استقالته
قال الوزير الإسرائيلي جدعون ساعر، الاثنين، إنه استقال من حكومة الطوارئ التي شكلها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وذلك لعدم ضمه إلى مجلس وزراء الحرب.
الخبير القانوني، صباح المختار، شدد هو الآخر على ضرورة إلزام إسرائيل بتنفيذ القرار قائلا “المشكلة ليست في صدور القرارات الدولية وإنما توجه الدول الكبرى في إلزام التطبيق”.
وأوضح أن قرارات مجلس الأمن التي من المفروض أن تكون ملزمة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لا تحظى دائما بنفس القدر من الرغبة في التطبيق.
مختار أكد أن وجهة نظره مبنية على تجارب سابقة مع قرارات مجلس الأمن الموجهة إلى إسرائيل، قائلا “هناك ما يزيد عن 70 قرارا يتعلق بالضفة الغربية والجدار العازل لم تطبقها إسرائيل”.
في المقابل أشار الخبير القانوني إلى أن قرارات سابقة صدرت من مجلس الأمن “صادفت رغبة تطبيق لدى الدول العظمى، وشهدت تنفيذا صارما” مشيرا إلى أمثلة بينها العراق.
مختار استبعد، في السياق، أن تكون هناك أية تبعات مباشرة على إسرائيل إذا هي لم تنفذ القرار “في غياب إرادة حقيقة لردعها”.
ماذا يقول ميثاق الأمم المتحدة؟
رغم أن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ينص على إمكانية أن يتخذ المجتمع الدولي خطوات عسكرية ضد الدولة التي تهدد الأمن والسلم العالميين، إلا أن هذا الفصل، وفق مختار “لا يتحدث عن مؤسسة تنفيذية بل صلاحية يمنحها ميثاق الأمم المتحدة للدول لتقوم بإعادة السلم بالقوة ضد دولة مارقة” مشيرا مرة أخرى إلى أن تنفيذ أي قرار لمجلس الأمن، مرتبط برغبة الدول في التنفيذ، سواء تعلق الأمر بالدول المعنية بالنزاع مباشرة، أم الدول المشكّلة للمجلس.
وتقول المادة 39 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة إن مجلس الأمن يقرر ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عمل من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.
المادة 41 تؤكد أن لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء “الأمم المتحدة” تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئياً أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية.
أما المادة 42 فتؤكد على أنه “إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه”.
وفي الكثير من الأحيان، تُقابَل قرارات مجلس الأمن الملزمة بالتجاهُل من قبل الدول المعنية، لذلك، قال السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة نيكولا دو ريفيير “لم تنتهِ هذه الأزمة، سيتعيّن على مجلسنا أن يواصل تحرّكاته والعودة فوراً إلى العمل، بعد رمضان الذي ينتهي خلال أسبوعين، سيتعيّن عليه ترسيخ وقف دائم لإطلاق النار”.
من جانبها، شدّدت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفلد على ارتباط وقف إطلاق النار بالإفراج عن الرهائن.
وقالت “قد يبدأ وقف إطلاق النار فور تحرير أوّل رهينة.. فهذه هي الوسيلة الوحيدة لضمان وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن”.
وحماس؟
يدين القرار الذي تمّ تبنّيه الاثنين “جميع الأعمال الإرهابية” لكن من دون الإشارة إلى هجمات حماس في السابع من أكتوبر، والتي أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 1160 شخصاً، معظمهم من المدنيين، وفقاً لبيانات إسرائيلية رسمية.
ولم يُدن أي قرار اعتمده المجلس أو الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ 7 أكتوبر حماس على وجه التحديد، وهو أمر واجه انتقادات من إسرائيل، التي ردت على هجوم حماس بحرب أسفرت حتى عن مقتل أكثر 32 ألف فلسطيني في غزة، وفقا لوزارة الصحة في القطاع.
بالخصوص، يقول الخبير القانوني صباح مختار إن مجلس الأمن لا يتوجه لحركة حماس لأنها ليست دولة ولا مؤسسة.
وتصنف العديد من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة حماس كـ”حركة إرهابية”.
موقف السلطة الفلسطينية وإسرائيل
بُعيد تبنّي القرار أعلن نتانياهو أنّه لن يرسل وفداً إلى واشنطن، كما كان مقرّراً بناءً على طلب الرئيس الأميركي جو بايدن.
وأكد بيان صادر عن مكتبه أنّ امتناع واشنطن عن استخدام الفيتو لإحباط القرار “يضرّ بالمجهود الحربي وجهود إطلاق سراح الرهائن”، مشيراً إلى أنّه “في ضوء تغيّر الموقف الأميركي، قرّر رئيس الوزراء أنّ الوفد لن يغادر” إسرائيل.
ترامب: هجوم حماس في 7 أكتوبر كان مروعا ولكن
قال دونالد ترامب المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية إنه كان سيرد بنفس طريقة إسرائيل على هجوم حماس في السابع من أكتوبر تشرين الأول، لكنه أكد أن إسرائيل تفقد الدعم الدولي وعليها إنهاء حربها على الحركة الإسلامية في غزة.
وأشاد السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور في تصريحات طغى عليها التأثّر بـ”نقطة تحوّل” في إنهاء الحرب في غزة.
وقال منصور والدموع في عينيه إن “هذا اليوم التاريخي” ينبغي أن “يكون ذلك نقطة تحوّل.. ينبغي أن يكون مؤشّراً إلى ضرورة إنهاء هذا العدوان، هذه الفظائع التي تطال شعبنا”.
وأردف “أستميح عذراً من هؤلاء الذين خذلهم العالم، من هؤلاء الذين كان من الممكن إنقاذهم لكنّهم لم يُنقذوا”.