هل تمضي مفاوضات غزة نحو التأزم أم الحل؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 12 دقيقة للقراءة

قد يكون من الصعب الجزم بالنتيجة الدقيقة لمفاوضات وقف النار في غزة، والتي لم تتوقف حتى ساعة كتابة هذا التحليل، وربما لا تسفر عن أي حل خلال أيام أو أسابيع قادمة، طالما أن غريزة الانتقام التي تسيطر على الكيان لم يتم إشباعها حتى الآن على الرغم من عشرات آلاف الضحايا الفلسطينيين.

وطالما أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يقدم طموحه السياسي على أي اعتبار آخر، في مقابل مقاومة وضعت أولويتها لمحاولة تأمين الجانب الإغاثي للشعب الفلسطيني أمام حملة تجويع غير مسبوقة في الصراع.

بيد أن ذلك لا يمنع من محاولة تلمس مسار ومآل المفاوضات، التي انطلقت في باريس، وانخرطت فيها الولايات المتحدة بالإضافة لقطر ومصر، مع تحديد معالم الخلاف في المفاوضات، والعوامل التي تؤثر على مسارها.

فشل الاحتلال

مع دخول عدوان جيش الاحتلال شهره السادس، فإنه لا يزال يفتقد صورة النصر التي حددها بالقضاء على حركة حماس وتحرير الأسرى، وأكدت تقديرات خبراء عسكريين إسرائيليين أن آلاف المقاومين من كتائب القسام لا يزالون يقاتلون في الشمال والوسط، كما تحتفظ حماس بأربع كتائب في رفح لم تدخل الحرب بعد.

وأشارت تقديرات استخبارية أميركية إلى أن إسرائيل لم تنجح إلا في تدمير نحو ثلث أنفاق حماس، وهذا يعني أن إسرائيل ما زالت بعيدة عن تحقيق هدفها الأول، في حين فشلت بتحرير أي أسير لديها بالقوة.

ولا يبدو أنها في طريق النجاح لتحقيق ما أطلق عليه نتنياهو الانتصار الكامل. وهذا ما يفسر إصراره على اجتياح رفح آخر معاقل المقاومة في قطاع غزة.

وربما يعول على إحراز صورة نصر يسهل عليه تحقيق إنجاز في مفاوضات الأسرى، وإن كان يستخدم ذلك حتى الآن في الضغط على قيادة حماس لإنجاز اتفاق تبادل أقرب إلى المطالب الإسرائيلية.

ولذلك لا تبدو حكومة الاحتلال في موقف المتفوق في مفاوضات وقف النار والأسرى، ولكن نتنياهو المتعطش للسلطة يستمر في تعطيل المفاوضات، لأن التوصل لأي هدنة سيمهد الأجواء للمطالبة بانتخابات لا يريدها، لأنها تعني خسارته في ضوء استطلاعات الرأي، وبالتالي ذهابه لمحاكمات الفساد والفشل في 7 أكتوبر.

ومع استطالة الحرب، تحولت صورة إسرائيل من حالة الدفاع إلى صورة كيان يمارس أبشع أنواع التطهير والإبادة الجماعية، مما أحدث خلخلة في الدعم الغربي للحرب باتجاه الدعوة لوقف إطلاق النار.

وهذا الأمر أحرج إدارة الرئيس جو بايدن، وأضعف مكانة الرئيس أمام منافسه الجمهوري دونالد ترامب، ولتصبح قضية غزة موضوعا مهما في الانتخابات الأميركية.

ومن هذه الخلفية، وفي إطار الرغبة في إنقاذ سمعتها، بل إنقاذ الكيان الذي فشل في تحقيق أهدافه، ركزت الإدارة الأميركية جهودها لإنجاز هدن إنسانية، ولكن في إطار دعمها الثابت والمستمر لمواصلة الحرب حتى إضعاف حماس، وإفشالها لكل المشاريع المقدمة في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار.

مفاوضات باريس

جاءت مفاوضات باريس تعبيرا عن الحاجة لإيجاد حل سياسي، يمهد للدخول لخطة اليوم التالي للحرب التي تتضمن الاعتراف بدولة فلسطينية، وهو الأمر الذي لا يزال موضع خلاف مع حكومة نتنياهو.

وتسعى إدارة بايدن للوصول لهذه الخطة، وتحقيق اختراق فيها يساعد الرئيس الأميركي على تحسين موقفه في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الأول هذا العام.

وأدمجت مفاوضات باريس التي نسقتها واشنطن مصر وقطر كوسطاء مع مشاركة مخابرات الاحتلال والمخابرات الأميركية، وأسفرت عن وثيقة مبادئ قسمت الاتفاق إلى 3 مراحل، تريد واشنطن في نهايتها إنهاء الحرب، بما يضمن لها الحفاظ على مكانتها في المنطقة، بالإضافة للحيلولة دون تطور الصراع إلى حرب إقليمية، فضلا عن دفع الاحتلال للقبول بهدنة تتطور لاحقا لوقف الحرب بشكلها الحالي، وهي حرب لا يبدو أن الاحتلال ذاهب فيها إلى إنجاز كبير مع استمرار صمود المقاومة.

وتسعى واشنطن للتفاهم مع الاحتلال على حرب من نوع آخر تركز على استهداف المقاومة، جنبا إلى جنب مع خطة اليوم التالي مع سلطة فلسطينية متفق عليها، ستتولى مهمة محاصرة حماس ومحاولة إضعافها كما يجري الآن في الضفة الغربية، أو حتى محاولة إدماجها بالحل السياسي بعد نزع سلاحها.

وللتمهيد لذلك، فلا بد من التخفيف من قضية استهداف المدنيين، التي أدت حتى الآن إلى خلخلة مكانة الاحتلال، بما يؤدي لتضرر النفوذ الأميركي في المنطقة وخسارة حلفائه من الغرب بل وحتى من بعض الأنظمة العربية.

اجتياح رفح

ومن هذا المنطلق تعارض واشنطن مهاجمة الاحتلال لرفح من دون تأمين المدنيين الذين يبلغ عددهم نحو 1.4 مليون نسمة لما قد يسببه ذلك من مذابح ستكون لها تداعيات خطيرة على مسار الحرب.

وتكمن أحد الحلول في إعادتهم إلى الشمال، وهو المطلب الذي قدمته حماس في التعديل على وثيقة باريس-2، ولا تعارضه واشنطن، فيما ترفضه إسرائيل، وترى فيه اعترافا بفشلها.

وتبحث إسرائيل عن حلول أخرى، منها ما نقلته صحيفة “وول ستريت جورنال” في 13 فبراير/شباط 2023 أن إسرائيل تفكر بإخلاء الفلسطينيين هناك إلى 15 مخيما في الجزء الجنوبي الغربي من المنطقة الساحلية المغلقة (المواصي)، بحيث يضم كل منها حوالي 25 ألف خيمة!

وقسمت وثيقة باريس في نسختها الأولى نهاية يناير/كانون الثاني الماضي الحل إلى 3 مراحل تؤدي الأولى منها التي تستمر 30 يوما إلى إفراج حماس عن 40 من النساء والأطفال وكبار السن والمرضى من دون تحديد العدد المقابل منهم من الفلسطينيين من نفس الفئة، على أن تؤدي المرحلة الثانية إلى الإفراج عن كل الأسرى من الجنود الإسرائيليين من دون تحديد نسبة للتبادل، على أن تفضي الثالثة منها إلى اتفاق يؤدي لانسحاب قوات الاحتلال.

وجاءت هذه الوثيقة في خضم حرب التجويع التي شنتها قوات الاحتلال على غزة، والتي شكلت عاملا ضاغطا على الحاضنة الشعبية للمقاومة، ولذلك ردت هذه الأخيرة بوثيقة ركزت على المطالب الإنسانية والإغاثية في المرحلة الأولى التي حدد لها 45 يوما مع المطالبة بالإفراج عن 1500 معتقل بينهم 500 من أصحاب الأحكام العالية تحددها حماس، وسحب قوات الاحتلال إلى المناطق العازلة. على أن تشمل المرحلة الثانية بالمدة نفسها تبادل الأسرى بشكل كامل بين الطرفين مع تعهد إسرائيل بالوقف الكامل للحرب والانسحاب من قطاع غزة في المرحلة الثالثة التي تشمل تسليم جثث الإسرائيليين.

بيد أن رد نتنياهو كان سلبيا معتبرا مطالب حماس غير واقعية، أي أنه يقول إن ميزان الميدان لا يسمح لحماس بأن تفرض شروطا عالية، وهو ما أطلق مفاوضات باريس-2، توصلت بنهاية فبراير/شباط الماضي لاقتراح جديد حاول تخفيض مطالب حماس، وإن التزم بإطارها خاصة في المرحلة الأولى، ولكنه لم يوافق على الالتزام بالانسحاب الإسرائيلي حسب مطلب حماس لا جزئيا في المرحلة الأولى ولا كليا في المرحلة الثالثة.

ومن هنا قدمت حماس ردا ثانيا قبل أيام في إطار ما قالت إنها مرونة عالية للسماح بالتوصل لاتفاق يؤدي إلى “وقف إطلاق النار والانسحاب، مثل انسحاب الاحتلال من الأماكن المكتظة والانسحاب من شارعي الرشيد وصلاح الدين لعودة النازحين بدون شروط ومرور المساعدات”، وذلك حسبما نقلته الجزيرة نت عن مصدر في حماس في 21 مارس/آذار الجاري.

الإغاثة أولا

ولكن يلاحظ أن حماس عادت وقدمت تنازلات أخرى في معادلة التبادل، وأجلت مطلب وقف النار للمرحلة الثانية، وقدمت ذلك للوسطاء قطر ومصر في نفس توقيت وُجود وفد إسرائيلي في الدوحة. حيث نقلت الجزيرة نت أيضا عن مصدر قيادي أن حماس “طرحت نسبة 1 إلى 50 بالنسبة للمجندات (عددهن 4-5) بينهم عدد من الأسرى ذوي الأحكام العالية، وهو ما رفضته إسرائيل، رغم أن حماس قدمت تنازلا في هذا البند عندما كانت تصر على الإفراج عن 1500 أسير فلسطيني بينهم 500 من الأحكام العالية”.

وتشير التنازلات التي قدمتها حماس إلى رغبتها بتخفيف معاناة الفلسطينيين، وقطع الطريق على الاحتلال لاستغلال حرب التجويع للضغط على المقاومة ودفعها للاستسلام. ولذلك خفضت حماس معادلة التبادل لصالح التشديد على المطالب الإغاثية.

ولكن الرد الأولي لحكومة نتنياهو كان الاستمرار برفض الانسحاب من محوري الرشيد وصلاح الدين في المرحلة الأولى، ورفض الانسحاب من غزة ضمن اتفاق المرحلة الثانية، وعدم الموافقة على معادلة التبادل الجديدة.

عقبة نتنياهو

وعلى الرغم من ذلك، فمن المفترض أن تشهد الدوحة جولة ثانية من المفاوضات غير المباشرة، في حين تؤكد المصادر وجود خلاف بين رئيس الشاباك رونين بار مع نتنياهو ومطالبته بتوسيع صلاحيات الوفد المفاوض، وهو الموقف الذي يشاركه فيه رئيس الموساد ديفيد برنيع.

ولكن يبدو أن نتنياهو لا يزال يمسك بخطوط اللعبة ويتعامل مع المفاوضات بلعبة كسب الوقت والمماطلة لممارسة المزيد من الضغط على المقاومة، ودفعها لرفض المقترحات الإسرائيلية ليستخدمها مبررا أمام أهالي الأسرى الذين صعدوا من احتجاجاتهم، في عدد من المدن الإسرائيلية.

ولا تزال حماس تملك نقطة الأسرى، وحتى مع محاولات نتنياهو تقليصهم من خلال الاستهداف المركز للأنفاق -حيث يوجد الأسرى- فإن مجرد إمساك المقاومة بعشرات منهم تكفي لممارسة الضغط على حكومة الاحتلال لإنجاز معادلة تبادل ووقف النار، خصوصا إذا ما ترافق ذلك مع صمود ميداني، وتكبيد الاحتلال خسائر يومية ترفع كلفة استمرار الحرب عليه.

ويظل نتنياهو عقبة أساسية أمام التوصل لاتفاق سريع لوقف النار، أمام عدم رغبة الرئيس الأميركي في ممارسة ضغوط حقيقية عليه، بل شعور نتنياهو أنه قادر على الصمود مع احتمال خسارة بايدن وصعود ترامب الذي لن يكون تعامله أفضل مع حكومة الاحتلال!

وإن كان من الصعوبة التكهن بمسار ونتائج المفاوضات، فإنها ستستمر بشكل أو بآخر وبزخم يعتمد على مجريات الحرب على الأرض، وإن كانت وتيرتها مستقرة بين الطرفين بدون الهجوم على رفح الذي يواجه معارضة إدارة بايدن، فيما تحتاج قوات الاحتلال لأسابيع للاستعداد لذلك، مع ترتيب تهجير الفلسطينيين لمنطقة ثانية.

وتظل إدارة بايدن غير راغبة بممارسة الضغوط على نتنياهو، وإن كانت تسعى بالتعاون مع بعض أجزاء اللوبي اليهودي للضغط لتغيير حكومته، والتعامل مع حكومة غير مرتهنة للمتشددين.

قبل وبعد رفح

ولكن التوصل لاتفاق قريب لوقف النار ولو بمرحلته الأولى سيكون في مصلحة الفلسطينيين، خصوصا أن تعويلهم على ورقة رمضان أو نجاح الفلسطينيين في الضفة والقدس في إسنادهم وكسر قيود السلطة والاحتلال قد تراجع إلى حد كبير، فيما يستمر حلفاء إيران في لبنان والعراق وسوريا بمشاغلة الاحتلال بوتيرة متدنية لا تؤثر على توحش الاحتلال في غزة، كما تتعامل أميركا مع تهديدات الحوثي والحيلولة دون تمكنهم من إلحاق ضرر إستراتيجي بالكيان.

وإذا لم يتم ترتيب اتفاق وقف النار قريبا، فعلى الأغلب أن يشن الاحتلال عدوانا على رفح بعد رمضان، ولكن هناك شكا كبيرا في أن يحقق إنجازا ضد المقاومة لم ينجح في تحقيقه بمناطق ثانية.

وربما يهيئ فشل الاحتلال في المرحلة الأخيرة من العدوان لبيئة جديدة لدى الكيان تجعله أكثر واقعية للقبول بمطالب المقاومة، خصوصا أنه سيكون أكثر استعدادا لقبول المطالب الأميركية، هذا إن لم تحدث تطورات قبل أو بعد رفح تطيح بحكومة نتنياهو، وتفرز حكومة أكثر تجاوبا مع إدارة بايدن بما يسهل وقف إطلاق النار.

ولذلك، فليس هناك خيار للمقاومة إلا الاستمرار بمراكمة النقاط ضد الاحتلال، ورفع ثمن عدوانه، وتعزيز التناقضات الداخلية فيه.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *