القدس المحتلة- يواجه مئات العمال الغزيين ممن بقوا داخل الخط الأخضر منذ بدء معركة “طوفان الأقصى” مصيرا مجهولا، في حين استشهد العشرات منهم خلال ملاحقتهم والتنكيل بهم من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، واحتجازهم بمراكز عسكرية خاصة أقيمت في النقب والقدس والضفة الغربية المحتلة.
وحتى تاريخ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي كان هناك ما يقارب 18 ألفا و500 فلسطينيي من قطاع غزة للعمل في الجانب الإسرائيلي بتصاريح من قبل الإدارة المدنية التابعة للجيش، لكن أغلبيتهم العظمى تم ترحيلهم إلى القطاع بعد إخضاعهم للحجز والتحقيقات.
وتقدر الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن هناك ما بين 600 إلى ألف عامل من غزة ما زالوا داخل إسرائيل والضفة الغربية، وتزعم أنهم يشكلون خطرا أمنيا، وقد يخططون للقيام بعمليات مسلحة ضد أهداف إسرائيلية ثأرا لعائلاتهم التي استشهدت في القطاع.
وكشف تقرير حقوقي مرفق بالإفادات والشهادات أعدته نقابة العمال العرب في مدينة الناصرة بالجليل عن استشهاد 44 عاملا فلسطينيا من غزة خلال فترة اعتقالهم في المراكز الإسرائيلية منذ تاريخ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى منتصف فبراير/شباط 2024.
محاولات كشف التكتكم
بعثت نقابة العمال العرب -التي تتابع ملفات وقضايا العمال الغزيين منذ عام 2008- رسالة إلى مفوضية السجون الاسرائيلية وإلى المفتش العام للشرطة كوبي شبتاي طالبت فيها بالكشف عن ملابسات وظروف وفاة العمال الغزيين في المعتقلات الإسرائيلية، بهدف إلزام السلطات الإسرائيلية بالرد والتعامل مع قضايا العمال الغزيين التي ما زالت مبهمة ومجهولة، وذلك من أجل متابعة الملف قانونيا أمام المحكمة العليا الإسرائيلية.
كما شرعت النقابة في تنظيم حملة أمام النقابات العمالية الدولية لفضح الجرائم التي ترتكب بحق العمال الفلسطينيين “باعتبارها جزءا لا يتجزأ من جرائم الحرب والإبادة بحق الشعب الفلسطيني”، بحسب النقابة.
وتتكتم سلطات الاحتلال على ظروف وملابسات استشهاد عشرات العمال الغزيين داخل مراكز الاعتقال ممن دخلوا إلى الجانب الإسرائيلي للعمل بموجب تصاريح عمل رسمية قبل الحرب، وتمتنع كذلك عن الإفصاح عن أماكن وجود الجثامين، حيث يرجح أن بعضها أعيدت إلى غزة، في حين لا يزال مصير قسم منها مبهما.
بدوره، سرد مدير عام نقابة العمال العرب في الناصرة وهبة بدارنة للجزيرة نت تفاصيل الملف الذي أعدته النقابة، ولفت إلى أن 44 عاملا فلسطينيا من غزة كانوا في إسرائيل بموجب تصاريح استشهدوا خلال احتجازهم والتنكيل بهم، وتعرضوا للقمع والتعذيب الجسدي والنفسي في مراكز الاعتقال الإسرائيلية التي أقيمت خصيصا لتجميع العمال الغزيين.
وبحسب بدارنة، فقد اعتمدت النقابة في تقريرها الحقوقي على إفادات وشهادات تم جمعها من 77 عاملا فلسطينيا، بالإضافة إلى إفادات من عائلات العمال في مناطق مختلفة بالقطاع تؤكد أن أولادها لم يعودوا من إسرائيل.
وأوضح الحقوقي الفلسطيني أنه “منذ طوفان الأقصى كانت هناك فوضى بالمعلومات المتعلقة بالعمال الغزيين على وجه التحديد، حيث سحبت منهم التصاريح بشكل جماعي من قبل مكتب المنسق الإسرائيلي، وبالتالي أضحوا بدون مكانة قانونية، وأغلبيتهم العظمى هربوا من إسرائيل التي كانت تلاحقهم إلى الضفة، حيث وجدوا صعوبة في البقاء داخل الخط الأخضر، بالإضافة إلى عدم القدرة على العودة للقطاع”.
ظروف ملاحقة مروعة
ونتيجة لحالة الطوارئ التي أعلنت عنها إسرائيل فإن آلافا من العمال الغزيين كانوا في ظروف قاسية شكلت خطرا على حياتهم، حيث اضطروا للهرب خوفا من الملاحقة والتنكيل والتعذيب من قبل قوات الشرطة الإسرائيلية “وتمت استضافتهم في الضفة من قبل جمعيات العمل الأهلي والمؤسسات الخيرية والسلطة الفلسطينية”، بحسب بدارنة.
واعتمادا على الإفادات التي تم جمعها وتوثيقها من قبل عشرات العمال، يقول بدارنة “تعرض العمال الغزيون في محطات الملاحقة والمطاردة وعبور الحواجز العسكرية للتنكيل والضرب والتعذيب النفسي والجسدي بأسلوب سادي، وتمت تعريتهم من ملابسهم، بالإضافة إلى سرقة المبالغ المالية النقدية الكبيرة التي كانت بحوزتهم”.
وأوضح بدارنة أن مؤسسات حقوقية قدمت التماسا إلى المحكمة العليا الإسرائيلية، وطالبتها بإلزام وزارة الأمن والحكومة الإسرائيلية بالإفراج عن عمال غزة المحتجزين في المعتقلات الإسرائيلية، والسماح لهم بالعودة إلى القطاع عبر معبر بيت حانون (إيريز).
ولفت إلى أن السلطات الإسرائيلية وبعد مطالبتها بتقديم قائمة شاملة بجميع العمال اعترفت بأنها تحتجز 10 آلاف عامل سحبت منهم التصاريح في مراكز عسكرية خاصة في الضفة وقرب القدس والنقب، علما أن سحب التصاريح يشكل وفقا للقانون الدولي عملا انتقاميا محظورا يعرّض العمال بصفتهم مدنيين محميين بشكل أكبر للضرر والخطر.
وعلى الرغم من هذا الإقرار الإسرائيلي فإن الشهادات والمعلومات التي وردت إلى المؤسسات الحقوقية -ومن ضمنها نقابة العمال العرب- تؤكد أن عمليات الملاحقة والمطاردة من قبل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية للعمال الغزيين ما زالت متواصلة، كما أن مصير الكثير من العمال ما زال مجهولا وعائلاتهم لا تعرف عنهم شيئا.
الانتقام من المحتجزين
وبحسب المعلومات والإفادات التي جمعها أعضاء نقابة العمال العرب في غزة والضفة من عائلات العمال المفقودين ومن مؤسسات تعنى بحقوق الإنسان، فإن الإفادات أجمعت على أن العمال الـ44 استشهدوا في مركز الاعتقال الإسرائيلية بعد أن تعرضوا للتنكيل والضرب المبرح وكذلك للتجويع والشبح والحرمان من النوم.
ووفقا للبحث الذي أجرته نقابة العمال العرب، يقول بدارنة إن “22 من العمال من أصل 44 تم التأكد من استشهادهم بالمعتقلات الإسرائيلية في الفترة بين 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى 20 فبراير/شباط الماضي، حيث قامت السلطات الإسرائيلية بإرسال جثامين العمال إلى غزة عبر حاجز بيت حانون”.
ولفت بدارنة إلى أن المعلومات البحثية تؤكد أيضا أن “هناك 22 عاملا من غزة تم اعتقالهم في يناير/كانون الثاني الماضي بالضفة، دون أن يتم ترحيلهم إلى القطاع، حيث تعتبر عائلات هؤلاء العمال أنهم في عداد المفقودين والموتى، لعدم حصولها على أي معلومات عنهم”.
ويعتقد النقابي الفلسطيني أن حالات الوفاة والاختفاء هذه تعكس مئات حالات العمال الغزيين الذين ما زال مصيرهم مجهولا، حيث يدعي الجيش الإسرائيلي أن هناك 600 عامل لم تتم إعادتهم إلى غزة بدعوى أنهم يشكلون خطرا أمنيا، وقد ينتقمون للشهداء في غزة بعمليات مسلحة داخل الخط الأخضر، بحسب المزاعم الإسرائيلية.