هناك أعمال فنية يقرر صناعها اكتشاف مساحات فنية جديدة، سواء في السيناريو أو التصوير أو الإخراج أو أداء النجوم، وهناك أعمال أخرى يختارون الطريق المضمون للوصول إلى الجمهور دون مجازفات تذكر، وهو الاختيار الذي اختاره صناع مسلسل “العتاولة” حيث اعتمدوا على خلطة النجاح المضمونة التي عرفت في الثمانينيات والتسعينيات بسينما المقاولات، والتي تعتمد على غرائز الجمهور ليس أكثر.
وقد اختار المخرج أحمد خالد موسى في “العتاولة” ما يمكن تسميته “الدراما الشعبية” التي تدور في الحارات والأماكن الشعبية، وتمتد إلى صراعات رجال الأعمال الفاسدين وتجارة الآثار والمخدرات والعلاقات غير الشرعية، وكل ما هو مضمون الجماهيرية.
أحداث متوقعة والكثير من التطويل
منذ الحلقة الأولى، يمكن للمشاهد توقع الأحداث القادمة في كل حلقة تالية، ومع ظهور أحمد السقا وزينة والمقابلة التي وقعت بينهما، تذكر الجمهور فيلم “المشبوه” والحب الذي جمع بين عادل إمام وسعاد حسني، ولم يباركه الأخ الذي لعب دوره سعيد صالح في هذا الفيلم، وقام بدوره في “العتاولة” طارق لطفي.
ولم يذكر صناع العمل الارتكاز على فيلم “المشبوه” أو الاقتباس منه، ربما لإبعاد شبح المنافسة مع العمل الأصلي، ظنا منهم أن الجمهور لن يربط بين العملين.
وجاءت أحداث المسلسل بها الكثير من التطويل لتناسب الحلقات الثلاثين، ولكن ليس التطويل والأحداث المتوقعة فقط هي سبب تحول مسلسل الحركة والإثارة إلى عمل فني متوقع، ولكن اختيار الأبطال أيضا لعب دورا كبيرا.
البطولة لمن؟
ظهر أحمد السقا في دور نصار، رجل العصابات، الذي يتوب ويتخلى عن التحالف مع شقيقه خضر “طارق لطفي” من أجل حبه حنة “زينة”. ولم يقدم السقا جديدا في الدور يختلف عن أدواره السابقة، كأنه وجه واحد يرتديه في كل الأدوار ودرجة صوت لا تتغير يقدم بها كل الشخصيات، دون مراعاة للخلفيات المختلفة للشخصيات التي يقدمها.
وظهرت شخصية نصار بصورة سطحية وغير مقنعة مقارنة بأداء طارق لطفي لشخصية خضر الذي جاء مقنعا وواقعيا قادرا على خطف أنظار المشاهدين في كل مشهد يقدمه، خاصة مشهد تذكره لطفولته وتفريق الأب بينه وبين شقيقه، الذي قدمه بصدق كبير حتى أنه توارى تماما في ذلك المشهد ولم يبق سوى خضر الطفل الذي يحمل ذكريات طفولة معذبة.
ولا يمكن تجاهل باسم سمرة الذي قدم شخصية عيسى الوزان بطريقة الشرير الضاحك، مع إضافة جملة متكررة “باي باي من غير سلام” ليتذكر الجمهور شخصيته بهذه الجملة كما اعتاد أن يفعل منذ ظهوره في مسلسل “ذات” في شخصية “عبد المجيد أوف كورس”.
الأدوار النسائية ودراما المقاولات
تنوعت الأدوار النسائية في المسلسل بين شخصيات وأعمار متباينة، قدمت فريدة سيف النصر شخصية سترة، الأم القوية، المتسلطة التي تشبه رئيسة عصابة مكونة من ولديها وأداء وماكياج وملابس مبالغ فيهم، لكن الأداء جاء مقنعا ومناسبا للأجواء الشعبية والخلفية الاجتماعية للشخصية.
زينة التي تعتبر البطلة الأولى للمسلسل، جاء أداؤها ثابتا ونمطيا بالمقارنة بالشخصيات النسائية الأخرى في المسلسل مثل زينب العبد في دور “قطة” التي قدمت دور الفتاة الشعبية بطريقة بسيطة وتلقائية بعيدة عن الافتعال، وهدى الإتربي التي جسدت دور الفتاة الشعبية التي تسعى لتغيير واقعها عن طريق ارتباطها بأي رجل ميسور ماليا يلبي لها طموحها المادي الكبير.
الدور النسائي الذي أكد على فكرة دراما المقاولات وأكمل الخلطة الشعبية التي يفضلها الجمهور، هو دور نهى عابدين “ديحة” الذي قدم خلطة تذكرنا بأفلام المقاولات أكدتها زوايا التصوير القريبة ومشاهد الرقص، ليلبي المسلسل في النهاية رغبات المتفرج الذي يبحث عن خلطة شعبية بها مشاهد “أكشن” ورومانسية وكوميديا ليضمن النجاح دون مجهود أو تجديد.