ظهرت في الموسم الدرامي الحالي أزمة عنيفة تتمثل في نقص “المنطق” و”انعدام المعقولية” في بناء شخصيات وأحداث وحوارات مسلسلات رمضان التي تقفز فيها الأحداث من النقيض إلى النقيض، ويمارس شخوصها سلوكيات لا يمكن أن تصدر من الشخص نفسه في الوقت نفسه، حتى وإن فقد عقله.
وإن وجد مبرر لكل هذه الخطايا في حق المنطق والعقل، فإنه من الصعب التجاوز عن الانفعال غير المبرر بعد هدوء تام، ثم الانفعال مرة ثانية بعد هدوء مميت وممل في المشهد الواحد، ودون أسباب، وهو الأمر الذي بدا أن الممثلين كانوا مضطرين إليه بتعليمات المخرج وخاصة في أعمال مثل “حق عرب” لأحمد العوضي و”المعلم” لمصطفى شعبان، و”بيت الرفاعي” لأمير كرارة.
الحائط الرابع
انفرد مسلسل “بيت الرفاعي” بسمة أخرى، وهي محاولة “كسر الحائط الرابع” وهي النظرية الشهيرة لبرتولد بريخت، وتتلخص في الخطاب المباشر مع الجمهور، لكن ما قصده بريخت هو جمهور المسرح، وليس التلفزيون، واشترط بريخت أيضا أن يكون سياق كسر الحائط الرابع دقيقا جدا، ويحمل إضافة حقيقية، لكن الممثلة ميرنا جميل كسرت الحاجز الرابع فقط من أجل التسويق لوسامة بطل العمل أمير كرارة، والغريب أنها كانت تمارس ذلك بعد انتهاء وقت الحدث والحوار في المشهد، ومن ثم تتوجه للكاميرا مباشرة لتمدح وسامة ورجولة “باشا مصر”.
ميرنا جميل القادمة من برنامج “إس إن إل بالعربي”، وهو الفريق الذي اعتاد مخاطبة الجمهور وكسر الحائط الرابع في عروضه الكوميدية والخفيفة والجريئة في الوقت ذاته، لكن ميرنا لم تكن تؤدي المشهد وحدها، فثمة مخرج هو أحمد نادر جلال هو المسؤول عما يعنيه المشهد المقصود، وتكراره في سياق مسلسل ميلودرامي، وبدت فيه ميرنا تغرد خارج السياق.
الآثار والعائلة
يدور المسلسل حول توريث السلطة من كبير العائلة، تاجر الآثار، إلى كبير جديد، ويختاره من خارج أسرته وهو ابن أخيه، الذي كان مساعده الموثوق في عمله الإجرامي، أما أبناء تاجر الآثار فأكبرهم طبيب بشري “أمير كرارة”، والثاني ضابط، بالإضافة إلى فتاتين.
يقتل كبير العائلة أثناء جدله مع ابنه الأكبر حول توريث السلطة والثروة والتخلي عن العمل في تهريب وتجارة الآثار، ويرث ابن الأخ السلطة والأموال والعقارات بعد أن باعه إياها العم قبل قتله بيوم واحد، ويطرد زوجة وأبناء وبنات عمه، ويطارد الابن الأكبر لعمه لاعتقاد أنه القاتل.
يخوض “الدكتور ياسين” رحلة الهروب من الشرطة ومن ابن عمه في الإسكندرية، وقد استعار المخرج أحمد نادر جلال، من خلال الاسكندرية، طريقة استخدام المخرج الأميركي “وودي آلان” للكاميرا في فيلمه “منتصف الليل في باريس” الذي أعاد اكتشاف جمال وشاعرية عالم الليل وأضواءه في باريس.
يصطحب الجندي مشاهد المسلسل في جولة على ما يعتقد أنها أجمل الأماكن في المدينة التاريخية الجميلة، ورغم كونها محاولة تحمل الكثير من حسن النية، فإن جلال استهلك الكثير من الوقت، ضاربا بالإيقاع عرض الحائط، كما استهلك الكثير من الجهد لينقل المناظر “السكندرية” التي نقلت في عشرات الأعمال ولم يجتهد في اكتشاف زوايا أو لقطات مختلفة، كما فعل المخرج داود عبد السيد في فيلمه “رسائل البحر”.
بطل بالنيابة
يعيد العمل الفني ضبط صورته في ذهن المشاهد إذا لم يكن نجمه على المستوى المتوقع، وهو ما حدث في “بيت الرفاعي”، حيث قدم أحمد رزق أداء جيدا بالمقارنة بالبطل المطلق أمير كرارة، وقدم الممثل سيد رجب دوره بهدوء معتاد رغم كونه الأكثر إجراما في العمل.
جسد الفنان أحمد رزق دور فاروق الرفاعي، ابن العم الذي ورث كل شي من السلطة إلى الثروة، لكنه أراد ميراث الدم أيضا، وتملكه مستوى عالٍ جدا من الغضب على ابن عمه المتهم بقتل أبيه، ولتبرير تلك الكمية من الغضب (غير المنطقي)، كانت المزايدة من فاروق الرفاعي على أبناء وبنات العم وعلى الزوجة أيضا.
الغريب أن الزوجة التي قامت بدروها الممثلة صفاء الطوخي والابنتين جمالات (رحاب الجمل) ورقية (ملك قورة)، بالإضافة إلى الابن الثاني الذي يعمل ضابط شرطة يحيى (تامر نبيل)، جميعهم لم يعرفوا بتجارة الأب وعمله الإجرامي، وصدموا جميعا، ورغم محاولة صناع العمل تبرير الإخفاء بكون الرجل يعمل في بيع الأنتيكات الأثرية للسياح، لكن الأمر لا يبرر الأموال الطائلة في كل الأحوال.
باشا مصر الهارب دائما
يحتاج الممثل المصري أمير كرارة، أو “باشا مصر” كما يلقب بين جمهوره وأصدقائه، ، لتأمل تجربته المهنية كممثل، فمع تحوله إلى واحد من نجوم الصف الأول الذين ينتظر الجمهور أعمالهم، ويبحث المنتجون عن فرص للتعاون معهم في الأعوام الماضية، إلا إن تجربة مسلسل “بيت الرفاعي” تشير إلى ممثل في حالة خصام مع الأداء المقنع، وإلى شعوره الواضح بالملل أثناء التمثيل، ومن ثم ينتقل ذلك الشعور إلى المشاهد.
بدا أمير كرارة وكأنه يشعر ويمثل من خلف جدار زجاجي، أو كأنه يقول أنا أمثل الدور فقط، لكننى أمير كرارة، وكان التسطيح وانخفاض مستوى الانفعال والتوتر لدى كرارة، متناسبا طرديا مع الارتفاع الزائد لمستوى الغضب والتوتر الظاهرين في ملامح أحمد رزق.
قدم كرارة في السنوات السابقة أدوارا لا تختبر قدرات الممثل، لأسباب تتعلق بطبيعة الدور أحيانا، الذي لا يحتاج قدرات تمثيلية عالية، أو تتعلق بهوية الدور، مثل دور “ضابط الشرطة” في “كلبش” أو “العقيد منسي” في “الاختيار”، والذي كان من الصعب توجيه الانتقاد إليه في ظل الظروف الدرامية التي اغتيل خلالها الضابط المصري بسيناء.
وانضم “باشا مصر” إلى جيل من الممثلين المحبوبين إجمالا، ليقدم مع بعضهم أعمالا سينمائية، أشهرها فيلم “اللعب بالنار” مع أحمد فهمي ومحمد لطفي، وحققت إيرادات جيدة، لكن مستواها الفني يظل متواضعا.
بين “العار” و “كلبش”
قصة مسلسل “بيت الرفاعي” من بنات أفكار المخرج والفنان الشامل بيتر ميمي، الذي بدا منشغلا بمواجهة ينبغي أن تحدث بين “شكري” أو الممثل حسين فهمي بطل فيلم “العار” ووالده “الحاج عرفان” الذي جسد شخصيته الفنان الراحل عبد البديع العربي، يواجه خلالها الابن الذي يعمل بالقضاء والده الذي اكتشف لتوه أنه تاجر مخدرات، كما انشغل برحلة هروب الضابط “سليم الأنصاري” في مسلسل “كلبش”.
حقق بيتر ميمي ما أراده، وانطلق في قصته من الابن “الدكتور ياسين” في مسلسل “بيت الرفاعي”، الذي يلح على والده للتوقف عن تجارة الآثار، وهذا التغيير في نوع التجارة يبدو مرتبطا بظاهرة تجارة الآثار التي تكررت في مسلسل “حق عرب” بطولة أحمد العوضي.
لم يرهق ميمي نفسه بعد ذلك إذ استكمل الرواية، بجريمة قتل في مشهد المواجهة بين الابن وأبيه، ومن ثم هروب الابن في رحلة، استعارها من مسلسل “كلبش”، ليحاول إثبات براءته من التهمة، بينما يطارده البوليس وابن العم الذي سيطر على ميراث العائلة، والملفت للنظر ألا يجد “الدكتور ياسين” من يقف بجانبه ويسانده في رحلة البحث عن البراءة سوى “فتاة ليل” أو سامية التي تقوم بدورها الممثلة ميرنا جميل، وترافقه وتقع في حبه وتحل محل الصديق والأخ والأم.
ورغم الملاحظات الجوهرية على السيناريو الذي كتبه كل من عمرو أبو زيد وهند عبد الله، فإن أزمة العمل تبقى في تكرار رحلة “الضابط سليم الأنصاري”، فلا شيء تغير في الأمر سوى الاسم و المهنة.