تُشير النتائج الأولية لانتخابات الرئاسة الروسية التي انتهت، الأحد، أن الرئيس فلاديمير بوتين حصد 87 في المئة من الأصوات، ما يعني أنه سيبقى في السلطة ستة أعوام أخرى.
وقالت صحيفة “وول ستريت جورنال” تعليقا على ذلك إن هذه النتيجة تضع بوتين “على السكة لمضاهاة ستالين باعتباره الزعيم الأطول خدمة في روسيا”.
وبذلت حكومة بوتين كل ما في وسعها لضمان الفوز، إذ تم سجن المنتقدين لسياساته، وكممت الصحافة، وأصدرت قوانين جديدة للقضاء على أي شيء يمكن اعتباره انتقادا لحربه في أوكرانيا.
بالإضافة إلى ذلك، رحل أليكسي نافالني، المعارض الأبرز والأكثر فعالية لبوتين، حيث عُثر عليه ميتاً في معسكر اعتقال في القطب الشمالي الشهر الماضي، حيث كان يقضي أحكاماً بالسجن يبلغ مجموعها 30 عاماً في ظروف غامضة لم يتم توضيحها بشكل كامل.
وذكرت وكالة الأنباء الروسية “تاس”، نقلاً عن لجنة الانتخابات المركزية في البلاد، أن بوتين حصل على ما يقرب من 88% من الأصوات، بناءً على النتائج الأولية من 30% من دوائر التصويت، ما يضعه على مسار تحقيق فوز مريح.
وقد بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية السابقة، في عام 2018، 67.5%، مع ذهاب ما يقرب من 77% من الأصوات لبوتين، وفقًا للبيانات الحكومية.
وأوضح الكرملين أنه يريد أرقاما أعلى هذه المرة لمنح الزعيم الروسي الحرية في تحقيق أهدافه، في أعقاب “تقليد منح تفويض مطلق لبوتين بعد الانتخابات”، كما قال بوريس فيشنفسكي، نائب رئيس حزب المعارضة يابلوكو، على قناته على التلغرام.
وذكرت “تاس” أن نسبة المشاركة الإجمالية في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك التصويت عن بعد، وصلت إلى حوالي 74% بحلول الساعة 6 مساءً بتوقيت موسكو، نقلاً عن لجنة الانتخابات، أعلى من نسبة 67.5% المسجلة في المرة السابقة.
وأدان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والعديد من المسؤولين الغربيين “انتصار” بوتين المحتوم ووصفوه بأنه مجرد خدعة.
وقال زيلينسكي في رسالة نُشرت على موقع أكس “يدرك الجميع في العالم أن هذا الشخص.. أصبح مريضًا بالسلطة ولن يوقفه شيء ليحكم إلى الأبد”.
These days, the Russian dictator imitates another “elections.” Everyone in the world understands that this person, like many others throughout history, has become sick with power and will stop at nothing to rule forever.
There is no evil he would not do to maintain his personal… pic.twitter.com/zu1see37kl
— Volodymyr Zelenskyy / Володимир Зеленський (@ZelenskyyUa) March 17, 2024
وأضاف “هذا التقليد (الانتخابات) ليس له شرعية ولا يمكن أن يكون له أي شرعية، يجب أن ينتهي الأمر بهذا الشخص في محكمة لاهاي.
يذكر أن بوتين أشار إلى بعض خططه لمرحلة ما بعد الانتخابات في خطاباته ومقابلاته، وأهمها إصراره على مواصلة الحرب في أوكرانيا.
مزيد من الاعتقالات والتضييق على الحريات الجنسية
يتوقع المراقبون أن يطلق الزعيم الروسي قريبا موجة أخرى من الاعتقالات والاحتجازات في الداخل، وقوانين جديدة لخنق المعارضة وزيادة الضرائب على الأغنياء.
وقال محللون إنه قد تكون هناك أيضًا موجة جديدة من التعبئة لتعزيز رؤية تفوق روسيا في ساحة المعركة في أوكرانيا.
وقال أندريه سولداتوف، للصحيفة، وهو زميل بارز في مركز الدراسات الأوروبية ومقره واشنطن “ما شهدناه مؤخرًا هو زيادة في نشاط أجهزة المخابرات والأمن الروسية، التي تتسم بالعدوانية الشديدة”.
قبضة حديدية لا تسامح.. كيف يتعامل بوتين مع معارضيه؟
في مشهد السياسة الروسية، المصير المحفوف بالمخاطر ينتظر الذين يجرؤون على معارضة الرئيس، فلاديمير بوتين، وهذا هو سر قدرته على الفوز السهل في الانتخابات الرئاسية التي بدأ الاقتراع فيها، الجمعة، ويستمر ثلاثة أيام.
ثم تابع “هذا يعكس جنون العظمة الذي كان يعاني منه النظام قبل الانتخابات.. ونظراً لزعم أن الاستقرار السياسي على المحك، فإن كل شيء له ما يبرره، بما في ذلك قتل المعارضين السياسيين والهجمات في الخارج”.
وتوقع سولداتوف أن تستمر الحملة ضد الانتقادات التي ظهرت في الفترة التي سبقت الانتخابات بمجرد الانتهاء من التصويت، في أعقاب النمط المألوف في روسيا.
وقال “إنهم يستخدمون الانتخابات كذريعة، ثم يجعلون هذه الأساليب والأنشطة جزءًا من قواعد اللعبة الخاصة بهم.. أكبر ما يقلقني هو أنهم سيستخدمون هذا لأشهر وأشهر قادمة”.
يذكر أن روسيا، حظرت العام الماضي “حركة” LGBTQ + الافتراضية بإعلانها “متطرفة”، فيما قال المسؤولون إنه صراع من أجل القيم التقليدية مثل تلك التي تتبناها الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في مواجهة النفوذ الغربي. كما حظرت المحاكم التحول بين الجنسين.
تعليقا على هذا، قال بن نوبل، الأستاذ المشارك في السياسة الروسية في جامعة كوليدج لندن، لوكالة أسوشيتد برس إنه يعتقد أن مجتمع الميم عين قد يواجه مزيدا من القمع في ولاية بوتين الجديدة.
توازنات اقتصادية صعبة..
سيواجه بوتين صعوبة في إحداث توازن في الاقتصاد الروسي، بينما كان أداؤها جيداً نسبياً على الرغم من العقوبات الغربية، حيث ساعدت التجارة مع الصين وأسعار النفط المزدهرة في عزل النخبة السياسية والتجارية في البلاد عن أي مصاعب حقيقية.
وقال محللون إن بوتين سيركز على الأرجح على التأكد من أن الروس سيواصلون عيش حياتهم كالمعتاد، بينما يعلن أيضًا عن خطط لإنفاق مليارات الدولارات لمعالجة الفقر وإعادة بناء جزء كبير من البنية التحتية القديمة في البلاد مع دخول مزيد من الاقتصاد في حالة حرب.
ولدفع تكاليف ذلك، اقترح بوتين نظاما ضريبيا أكثر تصاعدية، والذي أشار بعض المحللين إلى أنه يهدف إلى استرضاء الروس الفقراء الذين يقدمون مزيدا من التضحيات، سواء من الناحية المالية أو من حيث أفراد الأسرة الذين يتم تجنيدهم للقتال في الحرب.
وكان بوتين قال خلال مؤتمر صحفي “في الواقع، يجب أن يكون توزيع العبء الضريبي عادلاً، بمعنى أن الشركات والكيانات القانونية والأفراد الذين يكسبون أكثر يجب أن يساهموا بشكل أكبر في الخزانة الوطنية، في معالجة المشاكل على مستوى البلاد، وفي المقام الأول نحو مكافحة الفقر”.
تشتت التعبئة للجبهة الأوكرانية
تحدث بوتين أيضا عن إنشاء نخبة جديدة تتألف من قدامى المحاربين وأولئك الذين خدموا في حرب أوكرانيا، ودعا إلى منحهم مزيد من الدعم، بما في ذلك الفرص الأكاديمية والتدريب.
وقال “النخبة الحقيقية هي كل من يخدم روسيا، من العمال والمحاربين، الموثوقين والمثبتين، الذين أثبتوا إخلاصهم لروسيا، والأشخاص المستحقين”.
لكن محللين وصفوا خطاب بوتين بأنه “وعود فارغة قبل الانتخابات”. وقالوا إن ما يبدو أكثر واقعية هو أن بوتين يمكن أن يأمر في نهاية المطاف بتعبئة ثانية، وصفتها وكالة أسوشيتد برس بـ”الأقل شعبية” وهي ضرورية للحصول على ميزة في ساحة المعركة في نفس الوقت الذي تواجه فيه أوكرانيا بعض المماطلة من الدول الغربية التي تدعم حملتها العسكرية.
وأدى تجنيد بوتين الأول لنحو 300 ألف رجل في سبتمبر 2022 إلى فرار مئات الآلاف عبر الحدود، من بينهم أعداد كبيرة من المهنيين الشباب.
وقال بعض المحللين إن الزعيم الروسي سيحتاج إلى إيجاد طريقة لمنع تكرار هذا النزوح الجماعي، مثل إغلاق الحدود.
وبموجب القانون الروسي، ليس من المفترض أن يتم نشر المجندين للقتال في أوكرانيا، بل فقط جنود الاحتياط الذين أكملوا خدمتهم العسكرية وتدريبهم.
لكن في الصيف الماضي، رفعت روسيا الحد الأقصى لسن التجنيد ثلاث سنوات إلى 30 عاما، وأقرت أن المجندين سيكونون قادرين على إبرام عقود للخدمة العسكرية لمدة عام واحد خلال ظروف معينة، بما في ذلك خلال فترة التعبئة، وفي زمن الحرب وعندما تكون القوات المسلحة الروسية يقاتلون خارج البلاد.
أشعل حروبا ودعم دكتاتوريات.. رحلة صعود بوتين من الاستخبارات إلى الكرملين
بدأ الاقتراع في الانتخابات الرئاسية الروسية، في عملية تمتد 3 أيام، لكن النتيجة معروفة سلفا، الرئيس، فلاديمير بوتين، سيحسم الأمر لصالحه، في بلد لا مكان فيه للمعارضة، أو الانتخابات الحرة النزيهة.
قال بريان مايكل جينكينز، أحد كبار المستشارين في مؤسسة راند البحثية، لوكالة أسوشيتد برس “يتحدث القادة الروس الآن عن توحيد المجتمع الروسي بأكمله حول احتياجاته الدفاعية”.
وأضاف: “المعنى الدقيق لهذه العبارة ليس واضحا تماما، لكنه يشير إلى أن القيادة الروسية تدرك أن الحرب ستستمر لفترة طويلة، وبالتالي يجب تعبئة الموارد.. وبعبارة أخرى، يجب أن يكون المجتمع الروسي منظمًا للحرب الدائمة”.
لكن تاتيانا ستانوفايا، وهي زميلة بارزة في مركز كارنيغي روسيا أوراسيا، تقول إن بوتين لا يحتاج إلى التعبئة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن العديد من الروس من المناطق الفقيرة قد اشتركوا في القتال من أجل الحصول على أجور أعلى مما يمكنهم كسبه في فرصهم المحدودة في العمل.