واشنطن- دفع استمرار اندلاع المظاهرات المناوئة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد في محافظة السويداء خلال الأسابيع الأخيرة إلى التدقيق في سياسة إدارة الرئيس جو بايدن تجاه سوريا.
ويشارك الآلاف من أهالي محافظة السويداء -التي ينتمي أغلب سكانها للطائفة الدرزية منذ منتصف أغسطس/آب الماضي- في مظاهرات احتجاج على الأوضاع الاقتصادية المتردية، وسط مطالب بدولة وطنية ديمقراطية.
وكان بايدن نائبا للرئيس باراك أوباما عندما أعلن أول مرة عام 2011 أن “الأسد يجب أن يرحل” ولم يعد يقول مسؤولو الإدارة الحاليون ذلك، لأنه في بعض الأحيان يبدو أن نظام الأسد متماسك.
ومنذ بداية الانتفاضة الديمقراطية في سوريا عام 2011 -والتي تحولت إلى حرب أهلية شرسة- دعمت واشنطن المعارضة، وفرضت عقوبات على نظام بشار الأسد وشركائه.
وبعد تراجع الحراك الشعبي والمقاومة المسلحة وسيطرة النظام على أغلب الأراضي السورية ربطت واشنطن استعادة العلاقات مع دمشق بإحراز تقدم نحو حل سياسي للصراع المستمر منذ 12 عاما.
وفي الوقت ذاته، لم تتراجع واشنطن بعد في سياساتها الهادفة إلى معاقبة نظام الأسد وعزله دوليا.
وحتى الآن، لم تعلق إدارة جو بايدن بوضوح على أنباء هذه المظاهرات المتزايدة، وأشار إيثان غولدريتش نائب مساعد وزير الخارجية لملف سوريا وبلاد الشام إليها سريعا خلال اجتماع مع نشطاء المعارضة السورية بتركيا في الرابع من سبتمبر/أيلول الجاري.
وفي الكونغرس، صرح جو ويلسون النائب الجمهوري من ولاية كارولينا الجنوبية بأن الاحتجاجات “ألهمت العالم وأظهرت أن سوريا ليس لها مستقبل، ولن تستقر أبدا في ظل الأسد”.
عقوبات الكبتاغون وتجاهل التطبيع العربي
أقر الكونغرس في أواخر العام الماضي تفويضا للحكومة الأميركية لاستهداف تهريب الكبتاغون في الشرق الأوسط، ووقعه الرئيس جو بايدن ليصبح قانونا.
وفي مارس/آذار الماضي فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على عدد من المسؤولين السوريين بسبب دورهم في “إنتاج أو تصدير الكبتاغون”.
وفي يونيو/تموز الماضي قدمت وزارة الخارجية إستراتيجية بناء على تفويض من الكونغرس لمكافحة تجارة المخدرات السورية.
وفي الوقت ذاته، تواصل إدارة بايدن تأييدها الضمني لإعادة تأهيل نظام بشار الأسد عربيا ما دامت الحكومات العربية “تحصل على شيء في المقابل”، طبقا لما ذكرته مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف.
وبدأت الدول العربية خلال الأشهر الماضية خطوات عملية لاستعادة العلاقات مع حكومة الأسد بحجة أن أفضل طريقة لمعالجة تدفق اللاجئين والمخدرات من سوريا هي إعادة دمج سوريا في أنشطة جامعة الدول العربية.
ورغم رفض واشنطن المنطق العربي فإن إدارة بايدن غضت الطرف عن فرض أي عقوبات أو توجيه توبيخ رسمي للدول العربية المطبعة مع النظام السوري.
ويرى إريك يافورسكي الباحث في الشأن السوري في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أن المتاعب الاقتصادية في سوريا تمنح واشنطن وشركاءها الإقليميين نافذة لاستخدام النفوذ الاقتصادي وسلاح العقوبات للحصول على تنازلات من الأسد على طاولة المفاوضات، لكن رفض النظام السوري تقديم تنازلات دفع إلى زيادة دعم الحزبين الأميركيين لتجديد عقوبات “قانون قيصر”، والتي من شأنها أن تحد من مقدار ما يمكن أن تستثمره دول الخليج الغنية في الاقتصاد السوري.
من جانبها، أعربت إدارة بايدن عن دعمها اتفاقا إقليميا لتصدير الغاز الطبيعي والكهرباء من مصر والأردن إلى لبنان عبر سوريا، واصفة إياه بأنه جهد إنساني سيتم تمويله من قبل البنك الدولي، وبالتالي لا يتطلب إعفاء من العقوبات.
أهداف واضحة ووجود عسكري مستقر
وأشارت دراسة حديثة أصدرتها خدمة أبحاث الكونغرس -وهي الجهة البحثية التي توفر دراسات موثقة لأعضاء الكونغرس- إلى وجود 4 أهداف لواشنطن في ما يتعلق بالشأن السوري في إطار سعيها المتمثل في التوصل إلى تسوية سياسية للصراع طبقا لقرار مجلس الأمن رقم 2254، وذلك على النحو التالي:
- الحفاظ على حملة الولايات المتحدة العسكرية ضد الدولة الإسلامية.
- دعم وقف إطلاق النار المحلي.
- توسيع نطاق وصول المساعدات الإنسانية.
- الضغط من أجل مساءلة وحساب النظام السوري بفرض عقوبات محددة الهدف.
ومن هذا المنطلق تركز القوات الأميركية داخل سوريا منذ عام 2015 على مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، ووفقا لتقرير المفتش العالم بوزارة الدفاع فإن “تقديم المشورة والمساعدة وتمكين القوات الشريكة حتى تستطيع هزيمة داعش بشكل مستقل في مناطق معينة من العراق وسوريا” هو هدف الوجود العسكري داخل الأراضي السورية.
ويتمركز نحو 900 جندي أميركي في سوريا، وتنتشر معظم تلك القوات في المناطق الشرقية الشمالية لدعم القوات الكردية (قسد)، كما يوجد نحو 100 جندي أميركي في منطقة التنف على طول طريق العبور بين العراق وسوريا، حيث يدعمون الجيش السوري الحر.
ومنذ عام 2015 تشن القوات الأميركية ضربات عسكرية دورية في سوريا على أهداف مرتبطة بتنظيم القاعدة، والحكومة السورية، والمليشيات المدعومة من إيران.
ويسعى برنامج تدريب وتجهيز قوات سوريا الديمقراطية -والذي خصصت له الميزانية الفدرالية مبلغ 475 مليون دولار في ميزانية عام 2023- إلى تمويل وتدريب “القوات الشريكة في سوريا لتستطيع هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية”.
لا تطبيع دون تقدم
بدوره، أوضح متحدث باسم مجلس الأمن القومي موقف بلاده من سوريا قائلا “لن نطبّع العلاقات مع نظام الأسد دون إحراز تقدم حقيقي نحو حل سياسي للصراع، ونحن متحالفون مع شركائنا العرب بشأن الأهداف النهائية”.
وفي النهاية، تأمل واشنطن أن تدفع أعمال المعارضة المتزايدة في مناطق الأقليات المهمة تاريخيا للنظام في السويداء على دفع نظام الأسد لتقديم تنازلات كبيرة، خاصة في ما يتعلق بإطلاق سراح السجناء، وإجراء مفاوضات بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لإنهاء الحرب الأهلية، والانخراط مع المعارضة السورية بشأن إدخال تعديلات على الدستور.