بين التنديد والاتهام، تصاعدت حدة التصريحات والبيانات، بين حركتي فتح وحماس، على خلفية الإعلان عن اسم رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد، بينما يكشف مختصون لموقع “الحرة” ما وراء الهجوم المتبادل، وتداعيات ذلك على الحرب في غزة والقضية الفلسطينية.
ومساء الجمعة، نددت حركة حماس المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى، ومعها “فصائل فلسطينية أخرى”، بتعيين الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الخبير الاقتصادي المقرب منه محمد مصطفى، رئيسا للوزراء.
وردت حركة فتح على تنديد حماس، باتهام غريمتها بـ”التسبب في إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة” عبر “مغامرة” هجومها على إسرائيل في السابع أكتوبر.
تداعيات “عدم التوافق”؟
في حديثه لموقع “الحرة”، يشير وزير شؤون الأسرى الفلسطينيين السابق، أشرف العجرمي، إلى أن تبادل الاتهامات بين فتح وحماس، جاء بسبب “عدم توافق الفصائل على الحكومة الفلسطينية الجديدة”.
وبعد تعيين رئيس السلطة الفلسطينية، محمد مصطفى رئيسا جديدا للوزراء، اعتبرت حماس ذلك “تجاهل كامل لها”، ما خلق أزمة بينها وبين فتح، وتبع ذلك إصدار بيانات تحمل “اتهامات متبادلة” بين الجانبين، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
ومن جانبه، يربط المحلل السياسي الفلسطيني، أشرف العكة، التصعيد بمحاولة حركة فتح تشكيل حكومة “تكنوقراط” دون التوافق الجدي مع “كل الفصائل الفلسطينية وليس حركة حماس وحدها”.
وهناك مجموعة من “العوامل الضاغطة على القيادة الفلسطينية”، لتشكيل الحكومة دون “التنسيق مع باقي الفصائل”، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
وقالت حماس في بيان إن “تعيين حكومة بدون توافق وطني هو خطوة فارغة بالتأكيد من المضمون وتعمق الانقسام” بين الفلسطينيين”، ووقعت البيان أيضا حركة “الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، وهما منظمتان تصنّفهما إسرائيل ودول أخرى “إرهابيتين”.
لكن على جانب آخر، يشير المحلل السياسي الفلسطيني، جهاد الحرازين، إلى أن “حماس وحلفائها”، قد خرجوا ببيان “أسود” لإرسال رسالة للعالم بأن الدماء الفلسطينية لا تعنيهم لكن ما يهمهم فقط “الحكم”.
وهناك دمار وخراب في غزة ومناطق بالضفة الغربية، وتكلفة إعادة إعمار ذلك تصل إلى 90 مليار دولار، والحكومة الجديدة ستعنى في الأساس بـ”التعاطي مع المجتمع الدولي”، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
ويتساءل في استنكار:” إذا شكلت حماس وبعض الفصائل التي تصنفها دول غربية كحركات إرهابية، فمن سيدفع تكلفة إعادة الإعمار؟!”.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يشير المحلل السياسي الفلسطيني، عادل الغول، إلى أن “التفرد” بتعيين رئيس الوزراء وعدم مشاورة الفصائل الفلسطينية “خلق الأزمة”.
لكن الأزمة بين فتح وحماس، سوف تنتهي إذا حدث وقف لإطلاق النار في قطاع غزة الذي يشهد حاليا حالة من الفوضى والتجويع، وفق الغول.
ما وراء “الاتهامات المتبادلة”؟
القيادة الفلسطينية منقسمة منذ المواجهات المسلحة التي دارت بين حركتي “فتح وحماس” في قطاع غزة في يونيو 2007 والتي أطاحت بنتيجتها حماس بسلطة عباس من القطاع.
وتعمق الانقسام بين سلطة الفلسطينية برئاسة عباس محدودة الصلاحيات في الضفة الغربية، وحماس التي تمسك بالسلطة في قطاع غزة.
ويسود الغموض حول الدور الذي يمكن أن تؤديه السلطة الفلسطينية بعد انتهاء الحرب، نظراً لمحدودية نفوذها ورفض رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، أي تصور لدولة فلسطينية مستقبلية.
ويرى العكة أن هناك أبعاد أخرى للتصعيد والاتهامات المتبادلة بين فتح وحماس، ويتعلق ذلك بتعامل “الجانب الفلسطيني” مع اليوم التالي ومستقبل الحكم في قطاع غزة.
وهناك أنباء عن “إطلاع قوى أمنية فلسطينية بترتيبات اليوم التالي والتنسيق مع العشائر في قطاع غزة”، ما أثار حفيظة حماس، وفق العكة.
ويشير المحلل السياسي الفلسطيني إلى أن حركة فتح “لا تهتم” بمخرجات اتفاق موسكو، وتحاول “استباق” نتائج الحرب في غزة والتعامل كأن حماس “أضعفت” بالفعل.
وتحاول “فتح” استثمار إضعاف حماس “سياسيا واستراتيجيا ووطنيا”، وهذا ما يعقد المشهد الداخلي الفلسطيني، ويزيد حالة الانقسام، وفق العكة.
لكن على جانب آخر، يؤكد الحرازين أن “القيادة الفلسطينية تريد إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أوضاع الشعب الفلسطيني”.
وهناك من يسعون لتحقيق “مصالحهم فقط”، بعدما أخذو الشعب الفلسطيني في “مغامرة ومقامرة” لم يستشيرو أحد قبل القيام بها، ما جلب الدمار والكوارث على الفلسطينيين، وفق الحرازين.
وحسب المحلل السياسي الفلسطيني فهؤلاء يريدون الآن أن يكون لديهم الدور الأكبر في تشكيل الحكومة، بحثا عن “مصالحهم الشخصية والخاصة”.
والبعض منهم لو طرح اسمه كرئيس وزراء أو وزير سيوافق على الحكومة لأن المصالح “الشخصية الخاصة” هي التي تسيطر على “تعاطيهم مع الأمور”، وفق الحرازين.
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني أن “حماس وحلفائها”، أصحاب مصالح خاصة وأهداف شخصية ومرتهنين بأجندات خارجية، فدمروا قطاع غزة والقضية الفلسطينية.
أما الغول، فيؤكد أن نتانياهو يرفض وجود حماس وفتح في قطاع غزة، لكن هناك قناعات إسرائيلية أخرى بإمكانية وجود “سلطة فلسطينية أخرى قريبة من التيار الإصلاحي الذي يقوده، محمد دحلان”.
لكن حماس”تهرب دائما للأمام ولا تتراجع”، ورغم حالة الجوع والأزمة الإنسانية والغضب الشعبي العارم في قطاع غزة، لكن الحركة “لا تشغلها تلك الأمور وتعتبرها ثانوية، وضريبة لابد منها”، حسبما يوضح المحلل السياسي الفلسطيني.
ولذلك تطالب حماس “الناس بالتحمل حتى تنتهي الحرب”، لأن الحركة ترى أن الأمور سوف تتغير لصالحها، وسوف يكون لديها دورا في تشكيل مستقبل فلسطين ما بعد الحرب، وإدارة الشأن الفلسطيني بشكل عام، حسبما يشير الغول.
مستقبل “القضية الفلسطينية”
منذ الاقتتال الدامي بين عناصر حركتي فتح وحماس في صيف 2007، تتفرد حركة حماس بالسيطرة على قطاع غزة الذي يسكنه مليونان وثلاثمئة ألف فلسطيني. بينما ينحصر وجود السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة من إسرائيل.
ومنذ سيطرة حماس على غزة عام 2007، فشلت الجهود العربية والدولية حتى الآن في التوفيق بينها وبين حركة فتح التي تشكل العمود الفقري للسلطة الفلسطينية.
ويريد الفلسطينيون أن تكون المنطقتان أساسا لقيام دولتهم المستقلة في المستقبل، وقالت حماس إن أي محاولة لاستبعادها من المشهد السياسي بعد الحرب هي “وهم”.
ويرى العجرمي أن ما يحدث يسئ للقضية الفلسطينية، وهناك حاجة لـ”توافقات وطنية حول كافة القضايا”، الموضوع لا يتعلق فقط بـ”الحكومة”.
الموضوع يتعلق بمستقبل “القضية الفلسطينية” برمتها، وهناك حاجة ماسة لـ”وحدة وطنية شاملة”، وإذا بقت الأمور على ما هي عليه والخلافات قائمة، فلن يتم توحيد “قطاع غزة والضفة الغربية”، وفق العجرمي.
ويؤكد وزير شؤون الأسرى الفلسطينيين السابق، أن ذلك الانقسام يعني “ضياع فرصة إقامة دولة فلسطينية مستقلة”، رغم أن هذا الخيار أصبح أكثر واقعية بعد حرب غزة.
وإذا لم يلتئم الفلسطينيون في إطار محدد، ويتخطون “الانقسامات”، فالشعب الفلسطيني أمام “مأزق حقيقي”، وفق العجرمي.
ومن جانبه، يشير العكة إلى أن زيادة حالة الانقسام الفلسطيني تضغط على “التصورات الكلية للآفق السياسي وحل الدولتين ومستقبل قطاع غزة، وتوحيد المؤسسات وعملية إدارة إعادة الإعمار وإغاثة الناس”.
ولا توجد جهة فلسطينية “قادرة بمفردها” على الاضطلاع بتلك المهام حتى “الحكومة نفسها”، وحماس “لن تسمح” لأي طرف بالعمل في قطاع غزة دون “موافقتها”، وفق العكة.
ولن تستطيع الأجهزة الأمنية أو السلطة الفلسطينية، العودة إلى قطاع غزة “دون التوافق مع حماس وإذا لم تكن الحركة جزءًا من اتفاق ما حول مستقبل الحكم بالقطاع”، حسبما يؤكد المحلل السياسي الفلسطيني،
ويشير إلى أن حماس مازالت موجودة وقائمة في غزة ولم يتم تدمير الحركة أو إبادتها والقضاء عليها، والحرب “لم تنتهي” بعد.
وفي تحذير في الآونة الأخيرة، قال مسؤول أمني لموقع إخباري مرتبط بحماس إن محاولات العشائر أو زعماء المجتمع المحلي التعاون مع خطط إسرائيل لإدارة غزة ستعتبر “خيانة” وستُقابل “بقبضة من حديد”.
لكن الحركة نفت تقارير إعلامية بأنها قتلت بعض زعماء العشائر المحليين في الأيام القليلة الماضية لتدخلهم في توزيع المساعدات، وفق وكالة “رويترز”.
ويؤكد العكة أن عدم التوافق مع حماس قد يفتح المجال لصراع “فلسطيني داخلي”، متسائلا:” من سيكون الطرف الذي يريد القدوم لقطاع غزة والدخول في صراع مع حماس؟”.
لكن الغول يستبعد ذلك الطرح، ويقول:” لن يحدث تصعيد أو صراع مسلح فلسطيني داخلي، على غرار ما حدث في 2007″.
ويرجع المحلل السياسي الفلسطيني ذلك لكون الأولوية الحالية هي “سد حالة الجوع ووقف إطلاق النار” في غزة.
ويرى الغول أن حماس تحاول الوصول لوقف إطلاق نار، وإذا حدث ذلك سوف تختفي الكثير من “الظواهر السلبية”، وعلى رأس ذلك “العصابات المسلحة التي تسطو على المساعدات في شمال غزة”.
وإذا تم الاتفاق على “وقف إطلاق النار”، سوف تتمكن حماس من إعادة ترتيب أوضاعها من جديد في القطاع وتنتهي “الفوضى”، حسبما يشير المحلل السياسي الفلسطيني.
وعرضت حماس على الوسطاء والولايات المتحدة اقتراحا لوقف إطلاق النار في غزة يشمل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين مقابل الإفراج عن سجناء فلسطينيين، منهم مئة محكوم عليهم بالسجن مدى الحياة، وفقا لـ “رويترز”.
واندلعت الحرب في قطاع غزة إثر هجوم حركة حماس غير المسبوق في السابع من أكتوبر، الذي أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون، وبينهم نساء وأطفال، وفق السلطات الإسرائيلية.
وردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل “القضاء على الحركة”، وتنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف أتبعت بعمليات برية منذ 27 أكتوبر، ما تسبب بمقتل 31553 فلسطينيا، غالبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة 73546، وفق ما أعلنته وزارة الصحة التابعة لحماس، السبت.