قالت صحيفة لوتان السويسرية إن أوروبا التي فشلت في تحمل مسؤولياتها، تجد نفسها اليوم ضعيفة ومعزولة مع حربين على عتبة بابها، في الوقت الذي يقترب فيه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي يحتقرها، من العودة للبيت الأبيض.
وانطلقت الصحيفة -في عمود الكاتب آلان كامبيوتي- من مقولة المؤرخ الفرنسي باتريك بوشرون في كتابه “الزمن المتبقي” عن “كارثة بطيئة قادمة” إن “التنبؤ بالحدث التاريخي قبل فترة طويلة من وقوعه، يجعله عندما يقع يظهر تغييرا قد حدث بالفعل”.
وأوضح الكاتب أن موضوع الكتاب الضمني والصريح هو الصعود الذي لا يقاوم لليمين المتطرف في فرنسا وأوروبا بشكل عام، وعمى تلك البلدان عن نضوجه وعواقبه، وكذلك الصدمات الأخرى، مثل أوكرانيا والشرق الأوسط.
هزيمة في أوكرانيا
وبدأ الكاتب بأوكرانيا ما بعد عام 1991، وأوضح أنها قصة تحرر معاق، خاصة أن روسيا اعترفت بها في حدودها بما فيها شبه جزيرة القرم، ولكن العقبات جاءت مع تعزيز سلطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبيل انهيار عام 2014، عندما قامت “انتفاضة الميدان” الشعبية في كييف بطرد الرئيس الصديق، لتعتبر موسكو ذلك انقلابا مخططا له منذ فترة طويلة من قبل الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين، باستخدام الناشطين القوميين المتطرفين، و”النازيين” المشهورين الوقود المحرك لذلك.
وجاءت العقوبة الروسية -كما يقول الكاتب- على شكل غزو شبه جزيرة القرم وضمها، ثم تعبئة تمرد انفصالي مسلح ومسيطر عليه في دونباس، وما تلا ذلك، على مدى 8 سنوات، كان محاولة الأوكرانيين العاجزة لاستعادة أراضيهم المفقودة، قبل أن تأتي الحرب في 24 فبراير/شباط 2022.
الأوروبيون، بسبب جبنهم وتأخرهم المستمر في تقديم المساعدة للأوكرانيين، خسروا المباراة، في حين أن الأميركيين قد نفذوا نصف انسحاب من اللعبة.
وينبه الكاتب إلى أن دعوات السلام التي نسمعها الآن هنا وهناك ستكون بمثابة المصادقة على الغزو وجريمة الحرب الروسية في أوكرانيا، مشيرا إلى أن الأوروبيين، بسبب جبنهم وتأخرهم المستمر في تقديم المساعدة للأوكرانيين، خسروا المباراة، في حين أن الأميركيين قد نفذوا نصف انسحاب من اللعبة.
هزيمة في الشرق الأوسط أيضا
وليست الكارثة التي تحدث في الشرق الأوسط أقل خطورة -كما يقول الكاتب- لأن إسرائيل، العازمة على تدمير بلدات ومزارع غزة، ترغب في أن يظل الناس يركزون على الهجمات التي تمت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأن يتحدثوا إلى الأبد عن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) باعتبارها وحشا، مع أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كانت تعلم أن تلك الهجمات في طور الإعداد، وأنها تهدف إلى إخراج القضية الفلسطينية من حالة النسيان قبيل التطبيع مع السعودية، وفق الكاتب.
لكن حماس ليست مجرد عصابة قتلة -كما يقول الكاتب- وعندما يُسمح للفلسطينيين بالتصويت، فإنهم يدعمونها لأنهم يعتبرونها المدافع الأكثر تصميما عن حقوقهم المنتهكة، وقد قال الشيخ أحمد ياسين، مؤسس الحركة، قبل سنوات قليلة من اغتياله بصاروخ إسرائيلي أثناء خروجه من المسجد على كرسيه المتحرك “نحن لا نقاتل اليهود لأنهم يهود. نقاتلهم لأنهم يهاجموننا ويقتلوننا ويأخذون أرضنا وبيوتنا وأطفالنا ونساءنا ويفرقوننا. نحن نريد حقوقنا”.
وعندما شكلت حماس، بعد انتخابات عام 2006، حكومة ائتلافية قصيرة الأمد مع حركة التحرير الفلسطينية (فتح)، كان مشروعها يتلخص في إنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، لكن الأمر لم يستمر لأن الجميع لم يرغبوا في التحدث إلى رئيس الوزراء إسماعيل هنية، الذي ينتمي -في نظرهم- إلى حركة تعتبر إرهابية في كل مكان، بحسب كاتب المقال.
ولكي نفهم الموضوع بشكل أفضل، يتعين علينا أن نعود إلى مصدر “الكارثة البطيئة المستمرة” منذ عام 1947، عندما تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة خطة التقسيم التي اقترحها المنتصرون في الحرب العالمية الثانية رغم معارضة الدول العربية لها بقوة السلاح، وبدأت إسرائيل التي لم تولد بعد، تلعب من أجل بقائها، بمقاتلين هربوا للتو من الاضطهاد الأوروبي الرهيب، فكسبت المعركة، وظلت توسع أراضيها من حرب إلى حرب، وتبني تفوقا عسكريا، ليتحول الفلسطينيون إلى شعب من اللاجئين.
نتيجة مرعبة
وتساءل الكاتب ماذا فعل عرابو 1947 لمنع هذا الهبوط إلى الجحيم؟ ليرد بأن ضميرهم المذنب بشأن ماضيهم المعادي للسامية دفعهم إلى تسليح إسرائيل وإعطاء بعض المال للفلسطينيين المتجولين، وفي نهاية هذا الموقف القائم على عدم التدخل، يعتبر الأوروبيون بالخصوص عند أغلبية كبيرة من سكان العالم، مشاركين في إنشاء مشروع استعماري.
ويخلص الكاتب إلى أن النتيجة التي آلت إليها أوروبا مرعبة، فهناك غزو ناجح لأوكرانيا على حسابها، وحرب لا نهاية لها نتيجة لمشروعه المهجور، مستنتجا أن القارة التي تألقت غالبا من خلال العنف الذي أدى لتراجعها إلى التشرذم والتخاذل، فأصبحت الآن مهددة بعودة النزعة القومية وصعود كراهية الأجانب.
وكما لو أن هذه الهزيمة لم تكن كافية، “يأتي تغيير آخر قد حدث بالفعل”، فها هو ترامب، يقترب من رئاسة البلد الذي عهد إليه الأوروبيون بأمنهم وجزء من قوتهم، وليس لديه سوى الازدراء الشديد للقارة التي جاء منها أسلافه، فماذا سنفعل والحرب على الأبواب مع عزلتنا الجديدة؟، يتساءل الكاتب في ختام مقاله.