تونسي يفوز بجائزة علمية فرنسية.. طوّر تقنيات تصنع بدائل للمركبات الكيميائية الخطرة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 5 دقيقة للقراءة

حصل الباحث التونسي الشاب الدكتور أنيس التليلي على الميدالية البرونزية من المركز الفرنسي للبحث العلمي تقديرا لأعماله في مجال الكيمياء الجزيئية التي مكنت من تصنيع جزيئات بديلة لبعض أكثر المواد ضررا بالبيئة.

وتكافئ هذه الجائزة الأعمال البحثية المميزة للباحثين في بداية مسيرتهم العلمية تشجيعا لهم على مواصلة أبحاثهم الجارية والتي توصلت إلى نتائج مثمرة وواعدة.

وفي حديث خاص لـ”الجزيرة نت” عبر وسائل التواصل، استعرض الدكتور أنيس التليلي مسيرته العلمية مبينا أهمية الطرق التي طورها للتخلص من المركبات الكيميائية الصناعية الضارة باستخدامها في تصنيع مركبات بديلة آمنة ومفيدة.

من هو أنيس التليلي؟

الدكتور أنيس التليلي باحث بالمركز الوطني الفرنسي للبحوث، درس المرحلة الثانوية في موطنه مدينة قفصة جنوب تونس قبل أن يكمل دراسته في جامعة بورغونييه بمدينة ديغون الفرنسية حيث حصل على الماجستير في الكيمياء، ثم انتسب بعد ذلك للمدرسة الوطنية العليا للكيمياء في مدينة مونبيلييه ليحصل على الدكتوراه في الكيمياء العضوية عام 2011. وفي أطروحته قدم التليلي طرقا مبتكرة لتصنيع مركبات تحفيز كيميائية تعتمد على عنصر النحاس وتتميز بكونها أقل سمية من المحفزات التقليدية وتحافظ على البيئة.

وفي العام الموالي بعد حصوله على الدكتوراه، بدأ التليلي مرحلة ما بعد الدكتوراه استمرت سنة ونصفا في مخبر معهد لايبنيز للحفز الكيميائي (ليكات) في مدينة روستوك الذي يعد أحد أكبر المختبرات في الكيمياء بألمانيا، وله اسهامات كبيرة في الصناعة الكيميائية في العالم، وقام بتطوير العديد من التطبيقات الكيميائية المعروفة.

لم يطل المقام كثيرا بالدكتور التليلي في ألمانيا وعاد من جديد إلى فرنسا، حيث تابع مرحلة تخصص أخرى في كوميسارية الطاقة الذرية (سي إي إيه) في باريس قبل أن يُعين زميلا باحثا في معهد الكيمياء الجزيئية والحيوية وفوق الجزيئية بمدينة ليون التابع للمركز الوطني الفرنسي للبحوث في عام 2014.

مركبات كيميائية صناعية خطرة

يعمل الدكتور أنيس التليلي مع فريقه البحثي الذي يشرف عليه، على إيجاد حلول مبتكرة للحد من مخاطر بعض المركبات الكيميائية شديدة الخطورة على البيئة مثل غاز سداسي الفلوريد (إس إف 6). ويُستخدم هذا الغاز على نطاق واسع في العزل الكهربائي خاصة في الأجهزة عالية الجهد، لكنه شديد الخطورة على البيئة بسبب قدرته العالية على التسبب بالاحترار التي تفوق بنحو 24 ألف مرة قدرة غاز ثاني أوكسيد الكربون، ويمكن أن يمتد عمر الجزيء الواحد منه في الغلاف الجوي ليبلغ 3200 عام.

يقول التليلي للجزيرة نت إن “هذه الغازات توظيفها صعب، لكننا نحاول تطوير طرق مبتكرة لاستخدامها في تصنيع مركبات كيميائية تكون مفيدة وغير مضرة بالبيئة”، وكشف أن “أحد أهم أعمالهم تتمثل في استخدام هذه الغازات الضارة لتطوير أنواع جديدة من الأدوية”.

قد لا يعلم الكثير من الناس أن 20% من الأدوية المتداولة حاليا في الأسواق تحتوي على جزيئات كيميائية عضوية تشتمل على ذرات فلور متعددة تسمى المركبات متعددة الفلور (بي إف إيه إس)، وهذه المواد تمثل في حد ذاتها هاجسا بيئيا كبيرا نظرا لسميتها وخطورتها على البيئة وسهولة تسربها إلى مصادر المياه، “وقد أثبتت الدراسات مؤخرا أن هذه الجزيئات مسرطنة، لذلك نعمل أيضا على إيجاد حلول تمكن من استخدامها في مجالات مفيدة”، كما يقول التليلي.

نجح الدكتور التليلي في تصنيع مركبات بديلة تستخدم في صناعة الأدوية (المصدر : شترستوك)

طرق مبتكرة للتخلص من المركبات الخطرة

حصل مختبر الدكتور التليلي على تمويل من الاتحاد الأوروبي لحل هذه المشكلة، وذلك من خلال تعويض المركبات متعددة الفلور بجزيئات مبتكرة لها خاصيات التحلل في الطبيعة ولا تضر بالبيئة. وحاليا نعمل على تطوير هذه الجزيئات وتمكين الصناعات الكيميائية من هذه الجزيئات.

وطور التليلي وفريقه إستراتيجية جديدة لتنشيط روابط غاز سداسي الفلوريد المعروف بكونه تنشيط “إس إف 6” تحت الضوء المرئي، تجعل من الممكن الحصول على كواشف كيميائية (مواد متفاعلة) جديدة يمكن استخدامها مباشرة لإدخال المركبات المتعددة الفلور على الجزيئات العضوية. وتعمل هذه الأخيرة على تعديل خصائص المركبات العضوية التي تحملها لتصبح مفيدة جدا في مجالي صناعة الأدوية وصناعة الكيمياويات الزراعية.

تتميز هذه العملية بفائدة بيئية مزدوجة من خلال السماح بالتخلص من غازات الدفيئة عبر استخدامها لإنتاج مواد ذات أهمية في تصنيع الأدوية، مما يمكّن من تجنب استخدام منتجات ضارة مثل المركبات متعددة الفلور.

وعن تأثير الجائزة على المسار البحثي للدكتور أنس التليلي في المستقبل يقول: إنه سعد كثيرا بالحصول عليها وستكون محفزا مهما لمواصلة أبحاثه، مستدركا أن “الباحث حين يستيقظ صباحا لا يسعى إلى الحصول على الجوائز، بل إلى ترك أثر في المجتمع والمساهمة في تقدم المعرفة”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *