لم يهدأ القتال ولا القصف المدفعي والغارات الجوية حتى في وقت السحور مع حلول شهر رمضان، الاثنين، في قطاع غزة المهدّد بالمجاعة، واستمرت أعداد القتلى بالارتفاع مع وصول العشرات منهم إلى المستشفيات، وفق وزارة الصحة هناك.
ورغم تكرار الدعوات إلى وقف الحرب، ما زالت إسرائيل تتمسك بخطتها لاجتياح مدينة رفح الجنوبية، حيث يتكدّس 1.5 مليون من النازحين في ظروف كارثية.
وقال عوني الكيال (50 عاما)، النازح في رفح لوكالة فرانس برس: “بدأ رمضان حزينا ومتشحا بالسواد وطعم الموت والدم وأصوات الانفجارات والقصف. سمعت صوت المسحراتي وهو شاب متطوّع يجول بين الخيم واستيقظت في خيمتي البسيطة وصرت أبكي على حالنا”.
ويضيف: “فجأة سمعت دوي القصف. ضربوا بيتا بحي الجنينة، ورأيت سيارات الإسعاف تنقل شهداء وجرحى”.
وقالت وزارة الصحة في القطاع إن غارة استهدفت، وقت السحور، منزل عائلة بركات في حي الجنبية برفح خلّفت 4 قتلى بينهم 3 نساء وعدد من الجرحى.
وأضاف الكيال أن “الاحتلال لا يريد لنا أي فرحة برمضان. لا نملك أي طعام للفطور. زوجتي قدّمت للأولاد بعض الجبنة والفول من المساعدات التي تصلنا وهي قليلة، وخبزا قديما. لم نجد حتى شاي لنعدّه لهم”.
وصباح اليوم السابع والخمسين بعد المئة للحرب، أفادت وزارة الصحة في القطاع عن 67 قتيلا و106 جرحى سقطوا خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية.
وقالت الوزارة إن العديد من الضحايا ما زالوا تحت الركام وفي الطرق، واتهمت الجيش الإسرائيلي بمنع طواقم الإسعاف والدفاع المدني من الوصول اليهم.
وقال مكتب الإعلام الحكومي التابع لحماس إن الجيش الإسرائيلي “شن أكثر من 40 غارة جوية” ليلا طالت مناطق في خان يونس (في جنوب القطاع) وحي الزيتون وتل الهوى بمدينة غزة… واستهدف القصف المدفعي المكثف مناطق في شرق رفح في أقصى الجنوب على الحدود مع مصر.
وقال الجيش من جانبه، إن قواته تخوض “وسط قطاع غزة مواجهات قريبة وتستعين بالقنّاصة وبالضربات الجوية”.
وأضاف: “نفّذت القوات مداهمات مستهدفة عددا من المساكن المستخدمة في أنشطة إرهابية” مشيرا الى “اعتقالات والعثور على أسلحة وذخائر”.
وارتفعت حصيلة الحرب منذ 5 أشهر في قطاع غزة، وفق أرقام وزارة الصحة، إلى 31112 قتيلا و72760 جريحا “72 بالمئة منهم من الأطفال والنساء”.
وشكّك رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في مقابلة مع صحيفة “بيلد” الألمانية نشرت الأحد، في حصيلة القتلى المدنيين في غزة. وقال إن العدد “ليس 30 ألفا ولا حتى 20 ألفا وهو أقل من ذلك بكثير”، مضيفا أن الجيش قتل “ما لا يقل عن 13 ألف” مسلح.
وتؤكد وزارة الصحة في قطاع غزة أن أكثر من 70 في المئة من القتلى هم من النساء والأطفال.
منفتحة على التفاوض
وبعد فشل مفاوضات التهدئة، اتهمت إسرائيل حماس “بالتشبّث بمواقفها وعدم إبداء اهتمام بالتوصل لاتفاق وبالسعي إلى إشعال المنطقة خلال رمضان”.
في المقابل، حمّل رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، إسرائيل مسؤولية الفشل في كلمة ألقاها لمناسبة حلول رمضان.
وقال: “أي اتفاق يجب أن يكون شاملا… وبضمانات دولية … إذا تسلّمنا من الإخوة الوسطاء موقفا واضحا من الاحتلال بالتزامه الانسحاب ووقف العدوان وعودة النازحين، فنحن جاهزون لاستكمال حلقات الاتفاق وأن نبدي مرونة في قضية التبادل”.
وقال مصدر مطلّع على المفاوضات التي تشارك فيها الولايات المتحدة ومصر وقطر كجهات وسيطة، إنه “سيتمّ تسريع الجهود الدبلوماسية في الأيام العشرة المقبلة” بهدف محاولة التوصل إلى اتفاق خلال النصف الأول من رمضان.
وتعهّدت إسرائيل “القضاء” على حماس بعد هجوم الحركة غير المسبوق في 7 من أكتوبر الذي أوقع أكثر من 1160 قتيلا في إسرائيل، معظمهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، وفق تعداد لوكالة فرانس برس يستند الى أرقام رسمية.
وقال الجيش الإسرائيلي إن 249 من جنوده قتلوا في غزة منذ بدء العمليات البرية في 27 أكتوبر.
“لا شيء على الفطور”
وفيما يخيّم شبح المجاعة الوشيكة على القطاع المحاصر الذي يعاني معظم سكانه من نقص الماء والطعام والوقود، وفق الأمم المتحدة ومقاطع فيديو وروايات يومية من القطاع المدمّر، أعلنت وزارة الصحة إن عدد الذين توفوا نتيجة “سوء التغذية والجفاف” ارتفع إلى 25.
وقال المتحدث باسم وزارة الصحة، أشرف القدرة، الاثنين، إن “عشرات الأطفال يتوفون أسبوعيا بسبب سوء التغذية والجفاف من دون أن يصلوا المستشفيات”.
وقال جمال الخطيب في رفح: “لا يوجد أصلا طعام، فكيف سنفطر في رمضان؟ كيف سنفرح ولا مأوى ولا كهرباء ولا ماء والأسوأ لا شيء على مائدة السحور أو الفطور في خيام النازحين المنكوبين”.
وقال أحمد خميس (40 عاما): “رمضان حزين جدا هذا العام.. لا طعم له. حرب قذرة ودموية، حرب إبادة، ولا طعام ولا شراب”.
وسيُحرم “مئات آلاف” الفلسطينيين من أداء صلاة التراويح، بحسب وزارة الأوقاف في غزة. وقال المكتب الإعلامي لحماس إن الجيش الإسرائيلي استهدف “أكثر من 500 مسجدٍ، بينها 220 مسجدا هدمها بشكل كلي، و290 مسجدا بشكل جزئي وصارت غير صالحة للصلاة”.
في الأثناء، تشارك دول عربية وغربية كل يوم تقريبا منذ أسابيع بإلقاء طرود غذائية ومساعدات طبية على قطاع غزة بالمظلات.
لكن الأمم المتحدة ترى أن عمليات إلقاء المساعدات جوا وإرسال المساعدات من طريق البحر، لا يمكن أن تحل محل الطريق البري.
لكن إضافة إلى شح المساعدات وقلة عدد القوافل التي تسمح لها إسرائيل بالعبور، يبقى تسليم المساعدات وإيصالها لمن هم بأمسّ الحاجة إليها تحديا هائلا في ظل المعارك والقصف الإسرائيلي المستمر.
وتحذر الأمم المتحدة من أن 2.2 مليون شخص من سكان القطاع البالغ عددهم 2,4 مليون، مهددون بالمجاعة. وقد نزح 1.7 مليون من السكان بسبب الحرب، يتكدس 1.5 مليون منهم في مدينة رفح في أقصى الجنوب قرب الحدود المغلقة مع مصر.
وفي إطار الممر البحري الإنساني الذي يعمل الاتحاد الأوروبي على تجهيزه بمساندة بعض الدول العربية، ما زالت أول سفينة محملة بالمساعدات تنتظر في قبرص، مع توقع مغادرتها في أي وقت.