تؤكد تقارير أن السندات المصرية استطاعت تقديم عوائد مرتفعة، رغم ما تمر به البلاد من أزمة اقتصادية، وهو ما قد يجعلها “قبلة جذابة للمستثمرين” الذين أحجموا في فترات سابقة عن أدوات الدين المصرية.
وبحسب تقرير نشرته وكالة بلومبيرغ يقترب العائد على السندات بالعملة المحلية من متوسط 30 في المئة.
ووصف تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال “السندات الحكومية المصرية بأنها من أقوى الاستثمارات أداء لعام 2024”.
وتشهد السندات المصرية زخما وسط توقعات بأن تحصل البلاد على ” 43 مليار دولار على شكل قروض واستثمارات أجنبية” وهو ما قد يعوض “النمو الاقتصادي الضعيف”، ويخفف من حدة تأثيرات ما يحدث في المنطقة على الاقتصاد المصري.
وتعزو بلومبيرغ جاذبية السندات المصرية إلى ما أسمته بـ”أموال ساخنة تتدفق على مصر” أكان عبر الاستثمارات الخليجية بصفقة رأس الحكمة، أو بقرض صندوق النقد الدولي الموسع بقيمة 8 مليارات دولار.
وأكدت الحكومة المصرية أن الفترة المقبلة ستشهد صفقات كبرى أخرى لضمان الحصول على موارد دولارية.
وفي خطوة لضبط سعر صرف الجنيه أمام الدولار، رفع البنك المركزي أسعار الفائدة، وسمح بسعر صرف أكثر مرونة.
وأكدت رويترز أن الاصلاحات التي طال انتظارها وضخ مبالغ كبيرة من النقد دفعت المستثمرين الدوليين إلى شراء أذون للخزانة المصرية بأكثر من 800 مليون دولار هذا الأسبوع، وهي خطوة قد تمهد الطريق لعودتهم إلى السندات الحكومية.
وقد تمثل أذون الخزانة، وهي ديون حكومية فترة استحقاقها أقصر من السندات، أول اختبار للمستثمرين الراغبين في المشاركة، لكنهم يريدون التأكد من استمرار الإصلاحات.
وفي مزاد الخميس، باع البنك المركزي أذون خزانة لأجل عام بقيمة 87.8 مليار جنيه (1.78 مليار دولار) بعد تلقي عروضا بثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريبا. وباع أذون خزانة أخرى لأجل ستة شهور بقيمة 14.2 مليار جنيه.
ولا ينشر البنك المركزي بيانات عن المشاركة الأجنبية في المزادات لكن أرقاما قدمها أحد المصرفيين أظهرت أن المستثمرين الدوليين الذين شاركوا بعد غياب طويل اشتروا بقيمة 825.2 مليون دولار.
الانتعاش الاقتصادي نقطة جذب للسندات
الخبير الاقتصادي المصري، علاء عبدالحليم، قال إن “الاقبال على السندات المصرية دليل على انتعاش الاقتصاد بعد حزمة الإجراءات التي اتخذتها الدولة خلال الأسابيع الماضية”.
ولفت في رد على استفسارات موقع “الحرة” إلى أن “السندات شهدت طلبا كبيرا إذ كانت تباع بخصومات عالية، في الوقت الذي تراجعت الثقة فيها بسبب انخفاض تصنيف مصر في تقارير ومؤشرات دولية”.
ويرى عبدالحليم أنه رغم عدم تحسن التصنيف بشكل مباشر في التقارير الدولية فإن “الإجراءات التي اتخذت من جذب للاستثمارات، واستخدام أدوات النقد لضبط أسعار الصرف، جنّبت مصر الوقوع في أزمة اقتصادية كبيرة”.
وكانت “السندات المصرية” شهدت صدمة بعد استبعادها من مؤشر بنك “جي بي مورغان” للسندات الحكومية للأسواق الناشئة، في يناير الماضي.
وخفّضت “ستاندرد آند بورز”، في أكتوبر الماضي، التصنيف الائتماني لمصر إلى “بي سالب” مع نظرة مستقبلية مستقرة.
وفي وقت متأخر الخميس، عدلت وكالة موديز للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية لمصر من سلبية إلى إيجابية، وأرجعت هذا إلى “الدعم الرسمي والثنائي الكبير” و”ما اتخذ من خطوات في السياسات الأسبوع الماضي”، لكنها أبقت التصنيف الائتماني للبلاد عند Caa1 الذي لا يزال يعني أن الديون السيادية تنطوي على مخاطر مرتفعة جدا.
وفي السنوات الماضية أحجم معظم المستثمرين الدوليين عن شراء الديون المصرية وسط مخاوف من انخفاض قيمة العملة المحلية وأسعار فائدة شديدة السلبية والقلق إزاء تحويل الأموال من بلد يعاني من نقص حاد في الدولار، وفقا لرويترز.
ويؤكد الخبير عبدالحليم أن “الإجراءات الحكومية الأخيرة أعادت بوصلة الاقتصاد المصري إلى مسارها”، وأن في حال أي أزمة مقبلة ستكون “البلاد قادرة على تجاوزها”.
وفي غضون أسبوعين فقط، أدت صفقة استثمارية مع الإمارات بقيمة 35 مليار دولار وقرض موسع بثمانية مليارات دولار من صندوق النقد ورفع أسعار الفائدة 600 نقطة أساس وتحرير سعر الصرف إلى إعادة سوق الدخل الثابت المحلية إلى دائرة الاهتمام.
ويستكشف المستثمرون الدوليون بحذر طريق العودة إلى أسواق الدين المصرية بعد زيادة كانت مطلوبة بشدة لأسعار الفائدة والتعهد بتحرير سعر صرف الجنيه وفقا لآليات السوق وما تلقته البلاد من دعم جديد من مستثمرين خليجيين وصندوق النقد الدولي، بحسب رويترز.
مصر تعلن المبلغ الذي استلمته حتى الآن من مليارات “رأس الحكمة”
أعلنت الحكومة المصرية، الخميس، تسلمها 5 مليارات دولار كدفعة أولى من صفقة “رأس الحكمة”، على أن تتسلم 5 مليارات دولار أخرى غدًا الجمعة، من المشروع الذي تم الإعلان عنه الجمعة.
وقالت بولينا كورديافكو، رئيسة وحدة الأسواق الناشئة في شركة “بلوباي” التي اشترت أذون خزانة مصرية لأول مرة منذ نحو خمس سنوات في مزاد، الخميس، للوكالة: “ننظر بإيجابية للوضع في الأمد القصير، لأنهم قدموا كل شيء تقريبا باستثناء التعديل الوزاري”.
وأضافت “الأخبار عن الصفقة الإماراتية باغتت نوعا ما الجميع… وحوّلت المعنويات نحو الإيجابية نظرا لحجم التمويل المقدم”.
وقال جو ديلفو، مدير المحافظ لدى أموندي، أكبر شركة لإدارة الأصول في أوروبا لرويترز إن الشركة “تدرس بالتأكيد” العودة إلى أسواق الدخل الثابت في مصر.
وأضاف أن “تضافر كل هذه الأمور معا قدّم بالتأكيد زخما إيجابيا للغاية لصناع السياسات المصريين، وللبلاد، وللاقتصاد”.
وأوصى بنك “جيه بي مورغان” في وول ستريت بشراء أذون خزانة مصرية لأجل عام.
وكتب جبولاهان تايوو من البنك في مذكرة للعملاء “عادت صفقات فروق أسعار الفائدة في مصر إلى بؤرة التركيز مرة أخرى، ويجب أن تكون هذه المرة مختلفة”.
“تفاؤل حذر” في “أزمة غير تقليدية”
من جانبه أبدى المحلل الاقتصادي، وائل النحاس، تفاؤلا “حذرا” مؤكدا أن “الاقتصاد المصري أمام أزمة غير تقليدية، والحلول غير التقليدية لم تأت بعد”.
ويقول لموقع “الحرة” إن الحراك الاقتصادي المصري ربما عزّز من “جاذبية السندات المصرية، ولكن لا يجب إغفال أنها كانت تباع بخصومات عالية، إذ هناك حركة شراء نشطة، وحركة بيع نشطة أيضا من بعض المستثمرين الذين يريدون التخارج من السندات المصرية”.
وأبلغ فاروق سوسة من “غولدمان ساكس” العملاء في مذكرة، الخميس، أن التطورات الأخيرة أحيت “فرضية الاستثمار على الأجل القريب في الأصول المصرية ذات المخاطر العالية”، بحسب رويترز.
ويحذر اقتصاديون ومستثمرون تحدثوا لصحيفة وول ستريت جورنال من أن “الإجراءات” التي اتخذتها مصر مؤخرا “لن تكون كافية لتجنب التخلف عن السداد من دون خفض العجز، وتحرير الاقتصاد الذي يخضع لسيطرة عسكرية كبيرة”.
وتمر مصر بإحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها بعدما سجل معدل التضخم السنوي مستوى قياسيا مدفوعا بتراجع قيمة العملة المحلية ونقص العملة الأجنبية في ظل استيراد القسم الأكبر من الغذاء بحسب وكالة فرانس برس.
كذلك، زادت ديون مصر الخارجية أكثر من ثلاث مرات في العقد الأخير لتصل إلى 165 مليار دولار.
ويرى النحاس أن “مصر لم تخرج من الأزمة على الإطلاق، إذ ما زالت في غرفة الإنعاش” على حد تعبيره، مشيرا إلى أن “النظرة قد تكون إيجابية حاليا للاقتصاد المصري، ولكن الحكومة أمام اختبار حقيقي أمام المواطن والمستثمرين والمجتمع الدولي لضبط إيقاع ما يحدث في الاقتصاد المصري”.
ويستطرد “الموارد الدولارية من خلال الاستثمارات هامة جدا، ومثلها تلك المتأتية من القروض، والموارد الأخرى، ولكن حتى الآن لم تتم إعادة الثقة بالاقتصاد لإعادة حوالات المغتربين إلى مستوياتها السابقة”.
وكالة خفضت تصنيف مصر تعلق على “الرقم الكبير” في صفقة الإمارات
قالت وكالة “ستاندرد آند بورز غلوبال” للتصنيف الائتماني إنها متفائلة بتدفق الدعم المالي الذي حصلت عليه مصر في الأسبوعين الماضيين، الذي تضمن استثمارا إماراتيا بقيمة 35 مليار دولار لتطوير شبه جزيرة رأس الحكمة على ساحل البحر المتوسط وصفقة بثمانية مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي.
تباطأت تحويلات المصريين العاملين في الخارج، أكبر مصدر منفرد للعملة الأجنبية في البلاد، بشكل حاد، العام الماضي، وسط توقعات بتراجع الجنيه.
وهوت التحويلات 9.85 مليار دولار في السنة المالية التي انتهت في 30 يونيو، ثم انخفضت 1.93 مليار دولار أخرى في الفترة من يوليو إلى سبتمبر، وفقا لأرقام البنك المركزي.
لكن ليس الجميع متفائلين بدرجة كبيرة، وقال بول ماكنمارا، مدير الاستثمار في شركة “جي إيه إم” للاستثمارات لرويترز: “كان واضحا أن مستوى الجنيه لم يكن مستداما إلى حد كبير، وتخفيض قيمة العملة موضع ترحيب”.
وتابع أن “التحسن في الميزان الخارجي يعني أن هذا المزيج من تخفيض قيمة العملة ورفع أسعار الفائدة يمكن أن يستمر، لذلك مثلنا مثل معظم المستثمرين سننتظر مؤشرات على الرغبة في مواصلة هذا الاتجاه قبل المشاركة”.
إحداهما سارّة.. الاقتصاد المصري يتلقى مفاجأتين في وقت واحد
في الوقت الذي تلقت فيه “السندات المصرية” دفعة إيجابية بتصريحات وزيرة الخزانة الأميركية، الأربعاء، تلقت أيضا مفاجأة جديدة باستبعادها من مؤشر بنك “جي بي مورغان” للسندات الحكومية للأسواق الناشئة.
والأربعاء، خسر الجنيه المصري ثلث قيمته في مقابل الدولار، بعدما رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة لتسجل معدلات قياسية للإيداع والإقراض.
وكان تخفيض قيمة العملة هو الرابع خلال عامين، بعدما كانت تعهدات سابقة بجعل سعر الصرف أكثر مرونة تتلاشى بمجرد تصاعد الضغوط على الجنيه.
وقد يؤدي خفض قيمة العملة إلى تشجيع الأفراد على تحويل العملات الأجنبية إلى الجنيه المصري وتدشين بعض الأنشطة التجارية والاستثمارية وإنهاء تكدس السلع المستوردة في الجمارك نتيجة النقص المزمن في العملات الأجنبية والضبابية التي اكتنفت سعر الصرف.
هذه المرة، يعول المحللون على أن الحجم الهائل للتمويل المُقدم من مقرضين من القطاعين الرسمي والخاص يمكن أن يعزز الإصلاحات.
وتلقت مصر بالفعل عشرة مليارات دولار من الإمارات مقابل صفقة التطوير العقاري لرأس الحكمة، وتقوم بتحويل خمسة مليارات دولار أخرى من الودائع الإماراتية في البنك المركزي في إطار الاتفاق.
ومن المنتظر أن يوقع المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي قبل نهاية الشهر على أحدث اتفاق تم التوصل إليه على مستوى الخبراء بشأن المراجعتين المجمعتين الأولى والثانية، بما يعني تدفق مزيد من الأموال.
ودعمت الأهمية الجيوسياسية لمصر مطلبها للحصول على الدعم، خاصة في ظل الحرب الدائرة في غزة.
وقال جيمس ولسون، الخبير الاستراتيجي في الأسواق الناشئة في شركة “آي إن جي” لرويترز” “تأكدت من جديد الأهمية الاستراتيجية لمصر لكل من الشركاء الإقليميين مثل دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة الإمارات والسعودية، وكذلك للدول الغربية، وهو عامل واضح في التزامات الدعم في الآونة الأخيرة”.
بلومبرغ: “أموال ساخنة” تتدفق على مصر
تقدم مصر الآن ثالث أعلى عائد على السندات بالعملة المحلية من بين 23 اقتصادا ناميا ما قد يجعلها قبلة جذابة للمسثتمرين الذين تجنبوا الدين المحلي المصري، وفق تقرير من وكالة “بلومبرغ”.
وتظهر بيانات لمجموعة بورصات لندن أن الجنيه استقر عند ما يزيد قليلا عن 49 جنيها للدولار بعدما هوى إلى مستوى قياسي منخفض تجاوز 50 جنيها للدولار، الأربعاء، عقب إعلان البنك المركزي عن إجراءاته.
ووفقا لحسابات “غولدمان ساكس” فإن التخفيض الأخير لقيمة العملة جعل سعر الصرف الفعلي الحقيقي، وهو مقياس شائع الاستخدام لقيمة العملة، أقل بنحو 40 في المئة من متوسطه على الأمد البعيد الأمر الذي أدى إلى انخفاض أكبر في قيمة العملة من أي من تعويم سابق.
وأضاف البنك أنه في الأجل القريب، قد ترتفع العملة إلى ما يزيد قليلا عن 40 جنيها للدولار، مما يزيل بعض المخاطر عن المستثمرين الذين يحتفظون بالأصول.
وفي الوقت ذاته، حققت أذون الخزانة لأجل عام واحد في عطاء الخميس متوسط عائد مرجح 32 بالمئة، في زيادة واضحة عن سندات مماثلة ذات عائد يبلغ 29.9 بالمئة معروضة في الأسواق الثانوية، وفقا لبيانات مجموعة بورصات لندن.
قالت وكالة “ستاندرد آند بورز” للتصنيف الائتماني، الجمعة، إنها متفائلة بتدفق الدعم المالي الذي حصلت عليه مصر في الأسبوعين الماضيين الذي تضمن استثمارا إماراتيا.
وقال تريفور كولينان، مدير التصنيفات السيادية في “ستاندرد آند بورز” بدبي لرويترز” “توقعنا اقتراب تعديل سعر الصرف وأن صندوق النقد الدولي سيمضي قدما في برنامجه الحالي، وربما يوسعه… ما لم نتوقعه هو تدفق قيمة اتفاق رأس الحكمة بالكامل من شركة القابضة، وهو رقم كبير بوضوح حقا”.
“قبضة حديدية” لم تضرب “الحيتان”.. هل تنجح بكبح السوق السوداء للدولار بمصر؟
خلال الأيام الماضية، كثفت وزارة الداخلية المصرية “ضرباتها الأمنية” لضبط جرائم “الإتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي”، وسط تشكيك بمدى فاعلية تلك الإجراءات وقانونيتها وإمكانية قضائها على “السوق السوداء للدولار”، وهو ما يوضحه مسؤولون ومختصون تحدث معهم موقع “الحرة”.
ومن المقرر أن يتم التحديث القادم لتصنيفات “ستاندرد آند بورز” لمصر في 19 أبريل، لكن كولينان قال إن المناقشات الداخلية مستمرة بعد صفقة الإمارات. وأضاف أن وكالة التصنيف الائتماني قد تغير التصنيف بنفسها دون تغيير مسبق في التوقعات، لكن لم يفصح عن مدى انطباق هذا على مصر.
وأضاف “إذا وقعت أحداث مهمة بين المراجعات المقررة، التي تجري، كما تعلمون، مرتين في السنة، فلدينا خيار استدعاء لجنة… لذلك هذا هو الخيار المتاح لدينا”.
ووصف كولينان من “ستاندرد آند بورز” التزام السلطات بخطط الإصلاح بأنه عامل مخاطرة.
وأضاف “السلطات المصرية تصدر تصريحات إيجابية حقا. وبأخذها على ظاهر معناها، فإنها ملتزمة فيما يبدو باستراتيجية الإصلاح هذه برمتها، لكن كما نعلم، يمكن للأحداث أن تخرج الحكومة عن مسارها، سننتظر ونرى”.
وأظهر استطلاع للرأي لرويترز، الجمعة، أن معدل التضخم في مصر من المتوقع أن يتراجع للشهر الخامس على التوالي، في فبراير، بسبب تأثير إيجابي لقراءة الأساس في الوقت الذي يراقب فيه المحللون تأثير قرار الخفض الحاد لقيمة العملة وزيادة أسعار الفائدة الذي اتخذته الحكومة هذا الأسبوع.