“لست فقيرة لكن لم أعد قادرة”.. أسعار مضاعفة تنهك التونسيين مع قدوم شهر رمضان

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 11 دقيقة للقراءة

كشف استطلاع جديد للرأي بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية في تونس، أن فئة عريضة من التونسيين لا تزال “متفائلة وتثق” في الرئيس قيس سعيّد، إلا أنها “بدأت تفقد الأمل” في ظل عدم تحقق وعود تحسين الوضع الاقتصادي التي قدمها.

وأبرز الاستطلاع الذي أعده مركز “البارومتر العربي” مع أكثر من 2400 تونسي عن آرائهم بشأن وضعية الاقتصاد وأداء الحكومة وثقتهم بالمؤسسات وغيرها من القضايا الاجتماعية والسياسية، أن شخصا واحدا فقط من بين كل 10، يقول إن الوضع الاقتصادي للبلاد جيد.

وتظهر نتائج الاستطلاع، أن التصورات بشأن أغلب المؤسسات السياسية، كانت “سلبية نسبيا”، حيث عبّر ما يزيد قليلا عن ثلث المشاركين عن ثقتهم في الحكومة، وتنخفض هذه النسبة إلى أقل من الرُبع في البرلمان، غير أن ثقتهم  في الرئيس سعيّد “تبقى قوية”، إذ أبدى ثلاثة أرباع المشاركين الثقة في رئيس البلاد، رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

ماذا وراء الثقة في الرئيس؟

عن أسباب التباين الحاصل بين منسوب ثقة التونسيين في مؤسسة الرئاسة مقارنة بنظيراتها الأخرى، يقول أستاذ العلوم السياسية، الصغير الزكراوي، إن سعيّد استطاع الحفاظ على ثقة التونسيين بسبب “الحملة الانتخابية المتواصلة التي يخوضها”، وفي ظل “ضعف الأحزاب وغياب أي منافس جدي”.

ويكشف الزكراوي في تصريح لموقع “الحرة”، أن، “خطابات سعيّد الشعبوية وحضوره التواصلي الكبير”، علاوة على “وعوده وتحميله الفشل لغيره، فضلا عن حملة الاعتقالات التي طالت معارضيه واتهامهم بشتى أنواع التهم” كل عوامل أدت إلى “تلميع صورته”.

في المقابل، يقول الباحث السياسي، نزار الجليدي، إن هذا التباين “يبقى مفهوما في السياق التونسي”، مشيرا إلى أن “الشعب رئاسي وله الثقة في الشخص وليس في المنظومات الحزبية والمؤسسية التي لم تستطع فعل أي شيء للوطن على مدى سنوات”.

ويوضح الجليدي في تصريح لموقع “الحرة”، أن التونسيين واعون بحجم التحديات المطروحة على السلطة، خاصة في ظل الفساد المستشري بداخل مؤسسات، وكذلك اللوبيات السياسية التي حطمت كل فرص الإصلاح الممكنة خلال السنوات السابقة”.

ويصنف نصف التونسيين فقط أداء الحكومة بشكل إيجابي، وهي النسبة التي انخفضت بثماني نقاط مئوية منذ 2021، بحسب نتائج الاستطلاع ويرتبط أعلى مستوى للرضا عن الحكومة بأدائها في ملفيّ الدفاع الوطني وتوفير البنية الأساسية، لكن الثلث فقط راضون عن مستوى الرعاية الصحية أو التعليم. 

في هذا الجانب، يقول الزكراوي، إن حكومة البلاد “منزوعة الصلاحيات”، إذ تخضع وتكتفي بتنفيذ السياسات والقرارات التي يضعها رئيس الجمهورية، لكن “غالبية الشعب لا تفهم هذا وتحمل مسؤولية الفشل للحكومة والوزراء” مقابل “دفاعها عن سعيّد”.

في المقابل، يوضح الجليدي، أنه بعد 4 سنوات من حكم هذا الأخير، من الطبيعي أن تتضاءل نسب التفاؤل بشأن المنجز الاقتصادي والسياسي، الذي لم يصل بعد انتظارات المواطنين، لأسباب داخلية وخارجية.

إلا أن بالرغم من هذه المؤشرات السلبية، يضيف الجليدي، أن الحكومة عملت على “أمهات المشاكل”، لافتا أن البلاد اليوم في “مرحلة إعادة بناء كل المؤسسات التي تهاوت طيلة السنوات التي كانت فيها تحت رحمة لوبيات سياسية واقتصادية”. 

وتنتهي العام الجاري 2024 ولاية سعيّد، الذي وصل إلى الحكم في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 13 أكتوبر 2019، أمام منافسه رجل الأعمال، نبيل القروي.

وانتخب سعيّد ديمقراطيا، في أكتوبر عام 2019، قبل أن يتفرد بالسلطة في عام 2021، عقب إطلاقه مجموعة من الإجراءات التي لقيت معارضة واسعة؛ بدءا بإقالة حكومة هشام المشيشي، وتعويضها بأخرى وحل مجلسي القضاء والبرلمان، ثم إقرار دستور جديد في صيف 2022، قبل تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة أواخر السنة ذاتها.

وتندد منظمات غير حكومية محلية ودولية بتراجع الحريات في تونس منذ احتكار سعيّد السلطة، في البلاد؛ واعتقلت السلطات التونسية، منذ فبراير من العام الماضي، أكثر من 20 معارضا، بينهم زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، والقيادي في جبهة الخلاص الوطني، ائتلاف المعارضة الرئيسي في البلاد، جوهر بن مبارك، فضلا عن عدد من الوزراء السابقين ورجال الأعمال والصحفيين.

ويصف الرئيس التونسي، الذي تتهمه المعارضة باعتماد “نهج استبدادي”، الموقوفين بأنّهم “إرهابيون”، قائلا إنهم متورطون في “مؤامرة ضد أمن الدولة”.

في هذا السياق، يربط الزكراوي بين ارتفاع الثقة الذي تحدث عنه التقرير بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة والأزمة السياسية وحملة الاعتقالات التي يشنها ضد خصومه، وما يعتبره “الخوف والرعب الذي يسود المجتمع التونسي”.

وعلى الرغم من “قمع” مجموعات المعارضة وفقا لتقارير منظمات حقوقية دولية عدة، لا يرى التونسيون المشاركون في الاستطلاع، أن ثمة انحسارا كبير في حقوقهم السياسية. ويرى 7 من كل 10 أشخاص، أنهم يتمتعون بالحق في حرية التعبير، وهي نسبة أعلى قياسا بمثيلتها في 2019. 

وقالت نسبة أقل إن حرية تكوين الجمعيات مضمونة، بواقع 56 بالمئة، وقد تراجعت هذه النسبة قليلا منذ 2021، لكنها تظل أعلى من مثيلتها في 2019.

توجس في تونس حيال مشروع قانون “يضيّق” نشاط المنظمات

يثير مشروع قانون ينظم إنشاء الجمعيات وتمويلها مخاوف كبيرة في تونس المتعثرة اقتصاديا، حيث تدعم الكثير من هذه المنظمات أنشطة مهمة على غرار الصناعات التقليدية والتدريب المهني ومساعدة النساء المعنفات.

الأداء الاقتصادي والفساد

وأظهر التقرير، أن تصنيفات الأداء الاقتصادي بلغت أدنى المعدلات، إذ أعرب أقل من الربع عن الرضا عن جهود الحكومة في تضييق فجوة الثروة وخلق فرص العمل والتصدي للتضخم.

ويشير التقرير الذي أعد، خلال الفترة بين  13 سبتمبر و4 نوفمبر من العام الماضي، إلى مسألة انعدام الأمن الغذائي في صلة بعدم الرضا عن الوضع الاقتصادي، وقال ثلثا التونسيين إنهم “لم يجدوا الطعام لمرة واحدة على الأقل في آخر شهر”.

وتشهد الأسواق التونسية منذ 2023 نقصا كبيرا في المواد الغذائية الأساسية كالسكر والطحين والأرز التي يتم توريدها من الخارج، وذلك على خلفية الحرب في أوكرانيا، فضلا عن تراجع احتياط البلاد من العملة الصعبة. ولا تزال أزمة التزود بهذه المواد متواصلة مع اقتراب شهر رمضان، وفقا لفرانس برس.

ويواجه الاقتصاد التونسي صعوبات جمة، إذ اقتصر النمو عام 2023 على 0.4 بالمئة، وفقا للمعهد الوطني للإحصاء الذي أكد ارتفاع معدل البطالة في نهاية العام المنصرم، إلى 16.4 بالمئة، مقابل 15.2 بالمئة في نهاية العام 2022.

وتشهد البلاد معدلات تضخم مرتفعة (حوالي 8 بالمئة على مستوى سنوي)، يغذيها ارتفاع أسعار الحبوب والطاقة المرتبطة بالحرب في أوكرانيا.

في هذا الجانب، يعترف الزكراوي، إن سعيّد لا يتحمل كامل المسؤولية فيما يخص الأوضاع الاقتصادية، غير أنه يلفت إلى “أن دوره كبير فيما وصلت إليه البلاد”، مجددا الإشارة إلى أنه “يحكم بمفرده منذ 4 سنوات ويحظى بسلطات واسعة”.

في المقابل، يعترف الجليدي بـ”أوجه القصور الحاصلة على مستوى المؤشرات الاقتصادية والركود الاقتصادي”، غير أنه يلفت إلى ضرورة استحضار أن التجربة التونسية “تعاني من تصدعات داخلية عديدة، وأيضا عوامل خارجية تؤثر على اقتصاد البلاد”.

ويبقى الفساد “مشكلة كبيرة” في تقدير التونسيين، إذ قال أكثر من 90 بالمئة إنه “منتشر” في المؤسسات الوطنية بدرجة كبيرة أو متوسطة، وهي النسبة التي لم تتغير على مدار السنوات الثماني الماضية. 

لكن تزايدا ملحوظا يسجل خلال الفترة الأخيرة بأن الحكومة تبذل جهودا للتصدي لهذه المشكلة قياسا بالماضي. منذ 2021، اعتبر ثلثا التونسيين أن الحكومة تتصدى لهذه المشكلة، مقابل أقلية من المواطنين، قالوا ذلك في استطلاعات عامي 2016 ثم في 2019.

في هذا الجانب، يقول الجليدي إن مؤسسات البلاد اليوم، تعمل على مواجهته “غير أنها تواجه ضغطا كبيرا من أجل تحسين المؤشرات الاقتصادية المنخفضة”.

الهجرة والمساواة والتغيرات المناخية

وفي سياق يرتبط بالمشاكل الاقتصادية التي تواجه التونسيين، يكشف التقرير، أن نصف المشاركين في الاستطلاع، ولا سيما الأصغر سنا والأفضل تعليما منهم، أبدوا رغبتهم في الهجرة. 

وضمن الفئة التي تفكر في الهجرة، قال أقل من النصف بقليل إنهم بدأوا في التخطيط لذلك، وقال 4 من كل 10 أشخاص إنهم يفكرون في الخروج من تونس حتى إذا لم تتوفر الأوراق الرسمية اللازمة للانتقال لدولة أخرى.

وفيما يتعلق بالمساواة بين النساء والرجال، يقول التقرير، إن التونسيين يدافعون على المساواة بين الجنسين في المجالين الخاص والعام. وتؤكد أغلبية كبيرة للغاية على ضرورة أن يكون للنساء نفس حقوق الرجال، مع تفضيل وجود حصص للنساء من الحقائب الوزارية ومقاعد البرلمان. 

لكن رغم هذه التوجهات، تبقى مشاركة النساء في قوة العمل لا تزال أقل من مشاركة الرجال. 

ويتفق المشاركون على أن معوقات كثيرة تعترض عمل النساء، منها غياب فرص التشغيل الكافية وعدم توفر خدمات رعاية الأطفال. بالإضافة إلى عوامل أخرى، ترتبط حسب رأي الأغلبية  بـ”المستويات الكبيرة من التحرش” في أماكن العمل التي تواجهها النساء.

وأعرب التونسيون أيضا عن قلق عميق إزاء التغيّر المناخي، يتعلق أساسا بالموارد المائية، لكن هناك أغلبية واضحة قلقة من الآثار الأعرض لتغير المناخ، ومنها آثاره على الصحة البدنية والنفسية، وحياتهم اليومية أيضا. 

وبشأن آرائهم حول الأطراف المساهمة في التغيرات المناخية، يعتبر غالبية المشاركين أن النشاط التجاري مسبب رئيسي، سواء من الشركات الدولية أو المحلية. 

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *