سجناء سوريون في لبنان يفضلون الموت على العودة إلى بلدهم

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

بيروت- تتصدر قضية ترحيل السوريين إلى بلادهم النقاش السياسي والحقوقي في لبنان، رغم أصداء الحرب من جبهة الجنوب المشتعلة بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي، حيث سجلت الأيام الماضية أحداثا أعادت إلى الواجهة أزمة اللجوء السوري، ومقاربته سياسيا وأمنيا.

وانشغل كثيرون بأنباء محاولة 4 سجناء سوريين -بينهم شقيقان- الانتحار عبر شنق أنفسهم بواسطة أغطية داخل سجن “رومية” المركزي الأكبر في لبنان احتجاجا على ترحيل سجين (أخ الشقيقين) إلى سوريا، من قبل الأمن العام اللبناني، بعد انقضاء محكوميته بتهمة الإرهاب لمدة 10 سنوات.

وأعلن الأمن العام اللبناني، الثلاثاء، وبحضور وزراء وسفراء دول أوروبية ومنظمات دولية، عن خارطة طريق “لتنظيم الوضع القانوني للنازحين السوريين وآلية عودتهم”.

مخاطر الترحيل

وفيما يتشارك اللبنانيون والسوريون مأساة الاكتظاظ وسوء الأوضاع الإنسانية والمعيشية في السجون، تبدو أوضاع السوريين الذين يشكلون نحو ثلث عدد السجناء -وفق تقديرات الأمن العام- أكثر صعوبة مع تصاعد مخاطر ترحيلهم بعد انقضاء محكوميتهم.

وكان هؤلاء السجناء الذين حاولوا الانتحار أُبلغوا بأن الأمن العام اللبناني رحّل شقيق الأخوين إلى سوريا بعد انقضاء محكوميته في مطلع مارس/آذار الجاري.

بحرقة وأسى، تروي والدة الشاب السوري الذي تم ترحيله -وتتحفظ على ذكر اسمه- ما حصل فور خروجه من السجن بعدما انتظرته لسنوات، وهي تنتظر اثنين من أبنائها الذين سجنوا بتهمة الإرهاب أيضا منذ العام 2016.

وتعبّر عن خوفها عليهما بعد محاولتهما الانتحار وتقول “أبنائي يتمنون الموت بدل العودة إلى سوريا رغم وضعهم الكارثي بالسجن بعدما تركوا الخدمة العسكرية وهربوا من حمص إلى لبنان سنة 2014”.

بعد خروجه من السجن، اتصل ابنها متحمسا للقاء طال أمده، لكن تم نقله إلى الأمن العام لتسوية أوراقه القانونية وبقي لساعات، ثم تفاجأ بقرار ترحيله إلى سوريا، وفق والدته.

أبلغها ابنها بأنه سيتوجه إلى حمص، وظلت خائفة من إلقاء القبض عليه في سوريا، ثم تواصل معها من سوريا فاطمأنت، لينقطع الاتصال معه مجددا منذ السبت الماضي.

وتضيف الوالدة “أخبرني أنه بأمان وأن هاتفه سيصبح دون رصيد، لكن قلبي كالنار عليه بعد انقطاع الاتصال معه، وهو ما دفع شقيقيه لمحاولة الانتحار بسبب الغضب والخوف عليه”.

ويواجه اللاجئون السوريون الذين دخلوا -خلسة- إلى لبنان ومن صدرت بحقهم أحكام قضائية، خطر الترحيل، وثمة مئات رُحلوا قسرا، وفق حالات وشهادات كثيرة جرى توثيقها في السنوات الأخيرة.

ضغط وتراجع

وتعليقا على القضية التي يتابعها، يقول مدير عام مركز “سيدار” للدراسات القانونية، المحامي محمد صبلوح، إن ذلك السجين هو واحد من كثيرين يقوم الأمن العام بترحيلهم دون دراسة حساسية كل ملف، لأنه من بين من يجري ترحيلهم، هناك معارضون سوريون أو منشقون عن جيش النظام.

ويلفت المحامي إلى أن الأمن العام كان يتراجع عن تنفيذ عمليات الترحيل بعد الضغط الحقوقي والإعلامي. مذكرا أن لبنان وقع على اتفاقية “مناهضة التعذيب” والمادة الثالثة منها التي تنص على أنه “لا يجوز لدولة طرد شخص أو تسليمه لدولة أخرى، إذا توافرت أسباب تدعو إلى الاعتقاد أنه سيتعرض للتعذيب”.

ويضيف للجزيرة نت أنه بعد خروج كل سجين سوري من السجن، يحال ملفه إلى الأمن العام، ويتبقى لديه بين 3 أسابيع وشهرين، قبل أن يُوقع -غالبا- مدير الأمن العام على قرار ترحيله باستثناء حالات نادرة جدا حين تبلغه المفوضية أن حالة معينة لا يمكن ترحيلها بسبب المخاطر التي تواجهها.

ويرى صبلوح أن ارتفاع نسبة السجناء السوريين إلى أكثر من 27% من إجمالي السجناء في لبنان، ويبلغ عددهم نحو 1800 سجين سوري، لا يبرر ترحيلهم عند انتهاء محكوميتهم، خصوصا بعد إثبات المخاطر التي ستواجههم حال ترحيلهم.

وتقول ليزا أبو خالد المتحدثة باسم مفوضية اللاجئين بلبنان للجزيرة نت، إن المفوضية تعمل مع السلطات لضمان عدم ترحيل الأفراد الذين يحتاجون للحماية الدولية. وتدعو -في لبنان- إلى منح الأشخاص الفرصة للتعبير عن أي مخاوف قد تكون لديهم فيما يتعلق بالعودة إلى بلدهم الأصلي، ولتقييم حالتهم على النحو الواجب.

قافلة عودة

وخلال مؤتمر إطلاق وزارة الداخلية خارطة طريق “تنظيم الوضع القانوني للنازحين السوريين وآلية عودتهم”، بمقر المديرية العامة للأمن العام، أعلن مدير الأمن العام بالإنابة، اللواء إلياس البيسري، عن إطلاق قافلة عودة قريبا نحو سوريا دون تحديد موعدها وعدد العائدين فيها.

وسبق أن أعلنت الحكومة، العام الماضي أكثر من مرة، عن خطة لعودة السوريين إلى بلادهم، تسلمها الأمن العام، ونفذ القليل من رحلات قوافل العائدين، لكنها فشلت لعدم إقبال السوريين عليها.

وتستند الحكومة بخططها إلى عدم توقيع لبنان اتفاقية اللجوء الدولية سنة 1951. لذا، يمنح لبنان السوريين صفة “نازحين” وليس “لاجئين”، وهو ما يحرمهم من حقوقهم كالحماية القانونية من الترحيل.

ويعاني لبنان من تضارب في أعداد اللاجئين السوريين. فبحسب تقديرات الحكومة، هناك نحو مليون ونصف مليون سوري في لبنان، ووفق الأمن العام، هناك أكثر من مليونين و80 ألف سوري، بينما يوجد فقط نحو 795 ألف سوري مسجلين لدى المفوضية.

 

عدد السجناء السوريين في مختلف سجون لبنان يبلغ نحو 1800 (الجزيرة)

وفي خارطة الطريق الأخيرة التي أعلنها الأمن العام، الثلاثاء، تحدث عن 3 فئات من اللاجئين السوريين هم:

  • النازحون الذين هربوا من الحرب السورية ودخلوا الأراضي اللبنانية بصورة شرعية أو خلسة عبر طرق التهريب.
  • النازحون الاقتصاديون الذين دخلوا لبنان لأسباب لا علاقة لها بالحرب، ويمارسون أعمالا بصورة شرعية أو غير شرعية.
  • النازحون العابرون، الذين يدخلون لبنان بهدف الانتقال إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر الهجرة غير الشرعية بحرا.

وربط الأمن قرارات ترحيل السوريين بتحديد وضعهم القانوني، وهم 5 حالات كالآتي:

  • المقيمون بصورة شرعية وفقا للقوانين والأنظمة اللبنانية سواء قبل الحرب أو بعدها.
  • النازحون المسجلون لدى المفوضية بين عامي 2011 و2015 (منذ هذا العام توقفت المفوضية عن تسجيلهم رسميا بقرار من الحكومة)، ويستفيد هؤلاء من الحماية الدولية إلى حين عودتهم إلى بلدهم.
  • الداخلون خلسة بعد تاريخ 24 أبريل/نيسان 2019، وهذه فئة ينطبق عليها قرار المجلس الأعلى للدفاع ويتم ردهم إلى بلادهم بعد إعلام المفوضية.
  • النازحون المدونون لدى المفوضية بعد 2015، ويستفيدون من التقديمات الإغاثية، على أن تؤخذ بالاعتبار الحالات الإنسانية الاستثنائية.
  • السوريون الذين دخلوا لبنان بصورة شرعية وخالفوا نظام الإقامة والعمل.

وتمت الإشارة -خلال المؤتمر- إلى أن بين 55 و60% من حجم الاقتصاد الوطني، هو غير شرعي بسبب إحلال المؤسسات السورية غير الشرعية مكان المؤسسات اللبنانية الشرعية، مما يعني -وفق مراقبين- أن ملف اللجوء السوري سيبقى قابلا للانفجار في لبنان، سواء داخليا أو في عمليات الترحيل.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *