ترزح البورصات الأوروبية تحت أزمة، فأحجام التداول آخذة في التراجع والطروحات الأولية نادرة، وبعض أكبر شركاتها تفضل إدراج أسهمها في الأسواق الأميركية، وفق ما ذكرت صحيفة فايننشنال تايمز البريطانية.
مساعٍ للتنشيط
دفع هذا النشاط الباهت صناع السياسات الأوروبيين إلى التحرك لتنشيط أسواقهم المتعثرة من خلال حوافز مصممة لتعزيز الاستثمار في الشركات المحلية وتشجيع الشركات على الإدراج في الداخل.
لكن كثير من العقبات السياسية والمالية والثقافية تقف أمام هذه الطموحات التي أثبتت لسنوات أنها قوية للغاية، في الوقت الذي تنمو فيه السوق الأميركية بصورة غير مسبوقة.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن مؤسس مركز أبحاث الأسواق “نيو فايننشال”، ويليام رايت قوله: “أسواق رأس المال مدرجة على الأجندة السياسية في كل وزارة مالية تقريبا في جميع أنحاء أوروبا.. إنها مشكلة سياسية وثقافية صعبة للغاية”.
وقبل الأزمة المالية، كان أداء أسواق الأسهم الرئيسية في الولايات المتحدة وأوروبا يتبع بعضها بعضا بشكل وثيق، حتى لو تخلفت أوروبا عن وول ستريت، لكن منذ عام 2008 اتسعت الفجوة بشكل ملحوظ.
وبفضل ارتفاعات شركات التكنولوجيا الكبرى في وادي السليكون، اجتذب الصعود المتواصل للسوق الأميركية المزيد من الأموال من مديري الأصول وصناديق التقاعد في مختلف أنحاء العالم.
أسباب التراجع
ويرجع افتقار الأسواق الأوروبية إلى النشاط إلى أسباب متعددة، وفق الصحيفة، وقد كان الأداء الاقتصادي في المنطقة الأوروبية منذ الأزمة المالية في عام 2008 أكثر تباطؤًا بكثير من أداء الولايات المتحدة.
وتفتقر أوروبا إلى شركات التكنولوجيا سريعة النمو التي غذّت الارتفاع الكبير في الأسهم الأميركية، في حين كان المستثمرون المحليون تاريخيًا أكثر تجنبًا للمخاطرة من نظرائهم الأميركيين، وأقل حرصًا على دعم الشركات الجديدة التي لم تحقق أرباحًا بعد.
وفي الفترة نفسها، برزت الصين والهند كأسواق رأسمالية ديناميكية، مع وجود مجموعة من الشركات الجديدة المسجلة محليا، بحسب فايننشال تايمز.
ولفتت الصحيفة في معرض بياناتها إلى أن قيمة الشركات المدرجة في البورصة البريطانية “فوتسي 100” بلغ 2.56 تريليون دولار في أول مارس/ آذار الجاري، في حين بلغت قيمة الشركات المدرجة في مؤشر داكس الألماني مجتمعة 1.98 تريليون دولار، وفي المقابل بلغت القيمة السوقية لشركة مايكروسوفت وحدها 3.09 تريليونات دولار، وسجّلت قيمة شركة إنفيديا 2.06 تريليون دولار.
ونوهت الصحيفة بأن هيكل السوق الأوروبية “معقد”، مقارنة مع الولايات المتحدة، التي لديها عدد قليل من المؤشرات، وغرفة مقاصة واحدة يتم من خلالها إنهاء التداولات.
على النقيض، لدى كل دولة أوروبية مؤشراتها للإدراج الذي غالبًا ما يعتبره الساسة مصدرًا للفخر الوطني، ويتم تداول الأسهم وأنشطة ما بعد التداول في العديد من الأسواق، مما يؤدي إلى تقسيم السيولة.
وفي بريطانيا، واجهت صناديق التقاعد ضغوطًا من الجهات التنظيمية لتغطية التزاماتها بالاستثمار في السندات، وتراجعت حيازاتها من الأسهم المدرجة في بريطانيا بعد ذلك على مدى عقود، وفق الصحيفة.
وزادت استثمارات الأفراد خلال جائحة كوفيد-19 في الولايات المتحدة، في المقابل تفتقر أوروبا إلى ثقافة استثمار الأفراد.
استجابات متناثرة
ويشكل إثراء أسواق رأس المال في أوروبا لتغذية اقتصاداتها المحلية مسألة بالغة الأهمية بالنسبة للساسة، وفق الصحيفة.
لكن الحل في حد ذاته معقد، وخاصة في الاتحاد الأوروبي، الذي يضم 27 دولة عضوًا، وتجري الآن إعادة كتابة قواعد التجارة في بروكسل، في حين تقوم الدول أيضًا بتعديل لوائحها الخاصة في محاولة لتعزيز أسواقها الوطنية.
ويحاول ساسة الاتحاد الأوروبي فتح المجال للنمو من خلال خطة طموحة لاتحاد أسواق رأس المال، التي تتضمن تسهيل إدراج الشركات وتسهيل دعم المستثمرين لها.
ووافق الاتحاد الأوروبي، الشهر الماضي، على قانون إدراج جديد يتضمن جعل الاكتتابات العامة الأولية تستخدم لغة أكثر وضوحا والسماح لمؤسسي الشركات بالاحتفاظ بقدر أكبر من السيطرة من خلال الأسهم ذات وزن التصويت الأكبر من المستثمرين الآخرين.
وفي بريطانيا، أطلق وزير المالية، جيريمي هانت سلسلة من التدابير لمساعدة لندن على إنشاء المزيد من الشركات ذات النمو المرتفع والاحتفاظ بها، ويشمل ذلك توجيه أموال صناديق التقاعد إلى الشركات الناشئة، وتبسيط وثائق الاكتتاب العام التي تشاركها الشركات مع المستثمرين، وتخطط الهيئة التنظيمية المالية في بريطانيا أيضا لإصلاح فئات الإدراج.