عمّان- في شارع ضيق بمخيم البقعة أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين وفي مرسمه المتواضع يعايش الفنان التشكيلي خليل غيث مجريات الحرب الطويلة على قطاع غزة عاكفا على أرشفة يوميات الحرب موثقا تفاصيلها بالفرشاة والألوان.
يفرغ غيث في لوحاته حمولة عاطفية غاضبة لسلسلة المجازر التي ارتكبت فيها ومؤرخا لبطولة المقاومين، مازجا بين التشكيل وفن الكاريكاتير.
توثيق حياة اللاجئين
يواصل غيث منذ عقود توثيقا يوميا لحياة اللاجئين عبر لوحات تواكب التفاصيل الصغيرة في المخيم تارة وتنهل من تفاصيل ذاكرة لجوئهم الطويل تارة أخرى.
يقول خليل -الذي التقته الجزيرة نت في مرسمه- إنه “منذ وعى بواكير موهبته وهو يعتبر نفسه مناضلا بفرشاته وألوانه، معتبرا اللوحة بندقية”، مضيفا أن “جل همه هو نقل معاناة اللاجئين -وهو واحد منهم- في لوحاته والتأريخ لرحلة اللجوء الطويلة لجموع اللاجئين التي بدأت قبل 75 عاما”.
فلسطين المتخيلة
بدأ غيث رسومه لفلسطين المتخيلة، إذ كان “يغرف من ذاكرة أبيه عن قريته (عِنّابة) ورواياته عنها، محيلا روايات أبيه الشفوية إلى لوحات أولى فيها الكثير من عثرات البدايات.
هكذا جاءت معظم لوحاته عن مزارعي قريته يجرّون محاريثهم، ونساء عائدات من الحقول، وأبطال متخيلين، كما ترحل لوحاته إلى جنبات القدس القديمة وشوارعها، فيما تعايش تغريبة اللاجئين الطويلة إلى مخيم البقعة في الأردن حيث نشأ وكبر.
أقام أول معارضه وهو على مقاعد الدراسة في الثانوية العامة، لكنه شاء بعد ذلك أن ينقل لوحاته من ضيق المعارض إلى فضاءات الشارع الواسعة.
وعلى غرار لوحات عالمية تزيّن لوحة جدارية بارزة أحد الأزقة الضيقة في مخيم البقعة في الأردن، وتبرز معاناة اللاجئين الفلسطينيين، وتعكس أحلامهم بالعودة إلى وطنهم فلسطين.
ومستفيدا من دراسته وحصوله على بكالوريوس التربية سعى إلى أن يكون الأطفال مشاركين لرسومه وتلوينها، في رسالة مفادها أن يعتبروا اللوحات لوحاتهم فلا يسعوا إلى تخريبها، وتكبر فيهم أيضا أحلامهم عن فلسطين التي رسموها.
فن الشارع وهوية المخيم
يقول غيث “أسعى من خلال استخدام لوحات الشوارع أو ما يسمى فن الغرافيتي إلى أن أؤكد على هوية المخيم، وأن أذكّر زواره بأنه في هذا المخيم لا يزال الناس يصرون على حق العودة ويأملون بها يوما، وأن تكون اللوحات بمثابة تذكير دائم للصغار بهويتهم وأرض آبائهم، وأن تبقى جذوة الحلم مشتعلة في دواخلهم”.
مفاتيح البيوت القديمة أحد التفاصيل المتكررة في لوحات غيث، والتي تذكّر بالبيوت التي تركها اللاجئون وراءهم، مذكّرا الأجيال المتناسلة في المخيم بحلم العودة، كما تتعدد في لوحاته صور مناضلين وأسرى، والطبيعة الفلسطينية كما تخيلها قبل النكبة.
الحداثة ترف
ينتمي غيث إلى المدرسة الواقعية في الفن، والتي تعنى بنقل الواقع، ويرى أن “الحداثة واللوحات الغامضة هي ترف لا يخدم الرسالة التي يسعى إلى إيصالها عبر فنه، وهي خدمة قضيته وأحلامه وأمنيات شعبه بالعودة، والتي لا تزال نكبته مستمرة”.
وأقام غيث معارض عدة في الأردن وخارجه، وحاز لقب “فنان اللجوء” من نقاد لفنه ومعجبين بلوحاته أيضا.
يأمل غيث بيوم يعود فيه إلى قريته، منهيا رحلة لجوء طويلة ليبدع فنا عن أرض محررة ويستعيض عن لقب فنان اللجوء بفنان العودة، كما يقول.