أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونيسكو” مدينة أريحا القديمة (تل السلطان)، على لائحتها للتراث العالمي، وذلك عقب تصويت لجنة التراث العالمي بالمنظمة الأممية اليوم الأحد، دون اعتراض من أي دولة عضو بالمنظمة.
وتل السلطان -الذي يعود بناؤه لأكثر من 8 آلاف عام ويعتبر أقدم من أهرامات مصر- في وادي الأردن (بالضفة الغربية المحتلة)، وهو تل بيضاوي يحتوي على رواسب من ما قبل تاريخ النشاط البشري، ويتضمن نبع عين السلطان بجواره، ويقع الموقع على بعد 10 كيلومترات إلى الشمال من البحر الميت، و2 كيلومتر شمال مركز مدينة أريحا.
وقالت وزيرة السياحة والآثار الفلسطينية رولا معايعة إن “فلسطين نجحت في تسجيل موقع أريحا القديمة (تل السلطان) على قائمة التراث العالمي التابعة لليونيسكو خلال الجلسة الـ45 للجنة التراث العالمي المنعقدة في العاصمة السعودية الرياض”.
وأوضحت -في بيان- أن “رصيد فلسطين ارتفع إلى 5 مواقع مسجلة رسميا على قائمة التراث العالمي التابعة لليونسكو”.
عن أهمية الموقع، قالت الوزيرة الفلسطينية إنه “يمثل الحضارة الاستثنائية لأول نموذج ناجح للمستقرات البشرية الدائمة، ويمثل أقدم بلدة زراعية مسوّرة في العالم بنيت في العصر الحجري الحديث قبل أكثر من 10 آلاف عام في أخفض بقعة على سطح الأرض (250 مترا تحت مستوى سطح البحر) قرب نبع عين السلطان، التي شجعت انتقال الإنسان من حياة الالتقاط إلى الاستقرار القائمة على تدجين النباتات والحيوانات وبناء المنشآت المعمارية وغيرها من أنظمة تطور الحضارة البشرية”.
بدوره، رحب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بقرار اليونسكو، واصفا إياه بأنه “بالغ الأهمية ودليل على أصالة وتاريخ الشعب الفلسطيني”، وفق وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية “وفا”.
وأضاف: “دولة فلسطين ستستمر في الحفاظ على هذا الموقع الفريد من نوعه”.
وقالت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية في بيان، إن إدراج اليونسكو لمدينة أريحا فيه “إجماع على أصالة التراث الفلسطيني وجاء للحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني وحمايتها بما فيها الحقوق الثقافية”.
ودعت الوزارة لضرورة “الحفاظ على فلسطين ومواقع التراث العالمي فيها وحمايتها من محاولات التخريب المتعمد الذي تتعرض له من سلطات الاحتلال وأدواته، التي تحاول طمس التراث وتزوير التاريخ والرواية”.
وفي العاشر من سبتمبر/ أيلول الجاري بدأت الدورة الـ 45 للجنة التراث العمالي أعمالها في الرياض، حيث تستمر حتى 25 من الشهر نفسه.
“أقدم مدينة محصنة”
ويعتبر علماء الآثار في الضفة الغربية تل السلطان موقعا يروي قصة تاريخ البشرية من خلال بقايا تعود إلى العصر الحجري الحديث وتستمر حتى العصر البيزنطي.
واحتوت المدينة على برج دائري ضخم، بالإضافة إلى أسوار لحماية الموقع. وظل المكان قيد التنقيب لأكثر من قرن من الزمان وأسفر عن بقايا مدينة تعتبر مسوّرة نفسها أقدم مدينة مأهولة بالسكان على هذا الكوكب.
وتصف اليونسكو على موقعها الرسمي أريحا القديمة بأنها ضمن إحدى مناطق الشرق الأوسط القديم ويمكن وصفها بمهد الحضارة، وتتمتع بتراث ثقافي غني وطويل الأمد، يمتد من عصور ما قبل التاريخ، وتشهد عليه الثقافة المادية المتنوعة الموجودة التي لا تزال بادية في الخنادق المحفورة في الموقع.
ووثقت التحقيقات الأثرية 23 طبقة من الحضارات القديمة من الحقبة النطوفية (الألفية العاشرة قبل الميلاد) حتى نهاية العصر البيزنطي (القرن السابع الميلادي)، وضمت مراكز حضرية من العصر الحجري الحديث والعصر البرونزي، بالإضافة إلى تمدن كبير خلال فترات لاحقة.
وكانت مياه نبع عين السلطان مصدر حياة أريحا منذ آلاف السنين ولعبت دورا رئيسيا في تشكيل تاريخها. بالإضافة إلى ذلك، كانت أريحا بمثابة نقطة عبور لشبكات الطرق القديمة الممتدة من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، وكانت بمثابة مكان وسيط للثقافة والتجارة.
مدينة أقدم من التاريخ
كل تلك السمات الثقافية أهّلت تل السلطان لتكون واحدة من أقدم المدن على وجه الأرض، وفق ما يتضح من أطلال أول مستوطنة زراعية محصنة بنيت في تاريخ البشرية، كما تقول اليونسكو.
وفي مدونته المنشورة بالجزيرة نت ينقل أحمد الدبش الباحث في التاريخ الفلسطيني القديم عن المؤرخ البريطاني جيس ميلارت في كتابه “أقدم الحضارات في الشرق الأدنى” ذكره لتحصينات أريحا، وكتب “إن الجهد الاستثنائي الذي بُذل في إنشاء هذه التحصينات يعني وجود قوة عمل وفيرة ووجود سلطة مركزية قامت بالتخطيط والتنظيم وتوجيه وقيادة العمل التنفيذي، كما يعني في الوقت نفسه توفّر فائض اقتصادي ومادي لتحمّل التكاليف لإنجاز مثل هذا العمل. وقد دلّت آثارها على وجود إدارة مركزية قوية بها آنذاك تنظّم شؤونها، وأن هناك زعيما أو حاكما قويا لهذه المدينة”.
ويبدو اكتشاف مستوطنة محصنة على تخوم العصرين الحجريين الأوسط والحديث -وفق ما كتب المؤرخ الروسي إيغور دياكونف- مفاجأة كبيرة لعلماء الآثار، إذ كان يفترض حتى ذلك الحين أن الاشتباكات بين القبائل البدائية لم تكن أكثر من عراك على أرض الصيد أو النساء، ولكن ظروف الحياة في فلسطين في الألفين الثامن والسابع قبل الميلاد، كانت كما يبدو قلقة، بحيث اضطر السكان إلى أن يُنفقوا الكثير جدا من الوقت على بناء التحصينات القوية أيضا، كما ينقل الدبش.
ويُعتقد أن سكان أريحا أعدوا ما يشبه الصهاريج الأرضية لتخزين مياه الأمطار لاستخدامها حين الحاجة. وفضلا عن تلك التحصينات، كُشف عن مبانٍ مركزية، منها معبد وخزان ماء، بقيت جميعها بمنزلة أحجية.
ويعقب الدبش “هكذا يجوز لنا أن نقول إن أول نواة حكومة نشأت هنا. يقول وليام هاولز في كتابه “ما وراء التاريخ” إن أريحا العتيقة كان لها بالفعل كل خصائص المدينة الحقيقية. لذلك اعتبرت أريحا أقدم مدينة في التاريخ”.