حاليا، ملايين الهنود يحلمون بالظفر بتأشيرة عمل في إسرائيل بفضل التحالف الوثيق بين رئيس حكومتهم ناريندرا مودي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكن على حساب القوت اليومي لعشرات آلاف العمال الفلسطينيين الذين طردتهم إسرائيل من سوق العمل.
هذا الجانب تناولته صحيفة هآرتس العبرية في تحقيق مطول جديد.
وأمام جامعة ماهارشي داياناند في ولاية هارينا غربي نيودلهي ينتظر عامل البناء فينود دانجي (41 عاما) دوره للخضوع لاختبار مهارة.
ورغم البرد القارس يصطف مئات تتراوح أعمارهم بين 24 و46 عاما في طوابير طويلة يلوحون بسيرهم الذاتية، وكلهم يأملون في الفوز بتأشيرة عمل في إسرائيل.
وكانت إسرائيل حظرت دخول 100 ألف عامل فلسطيني إليها في أعقاب عملية طوفان الأقصى 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ولتعويض الفجوة بدأت تستجلب اليد العاملة من الهند أساسا ومن الصين وبضعة بلدان أخرى.
وبفضل التحالف الوثيق بين نتنياهو وحكومة مودي، كان هناك اتفاق لتسهيل توظيف الهنود.
وزيرة النقل الإسرائيلي ميري ريغيف قالت على منصة إكس من الهند الأسبوع الماضي إن إسرائيل تريد تخفيف اعتمادها على العمالة الفلسطينية.
وقبلها بشهر، حث نتنياهو نظيره الهندي على تطبيق اتفاق 2023 الذي يسهل توظيف 40 ألف هندي في قطاعي البناء والتمريض.
حملة دعائية
بعد مكالمة بين نتنياهو ومودي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلنت ولايتان هنديتان هما هاريانا وأوتار براديش فتحَ 10 آلاف وظيفة أمام النجارين والبنائين وخريجي الجامعات ممن لهم خبرة في تخصصهم تتراوح بين 3 و5 سنوات.
ورُوّج لحملة التوظيف على نطاق واسع في قنوات موالية للحكومة، وتحدث كثير منها عن يد العون التي على الهند مَدُّها للحليف الإسرائيلي.
وشملت حملة التوظيف ولايات أخرى ورافقها أحيانا تصريح بأن الهنود المسلمين عليهم ألا يكلفوا أنفسهم عناء التقدم إلى المناصب المعلن عنها، ما يعني أنه سيجري استبعادهم.
القائم بأعمال السفارة الهندية في تل أبيب، أكد أن “كل المرشحين يستطيعون التقدم للوظيفة. وقال: “إسرائيليون يشرفون على الاختبارات في الهند ويختارون المرشحين بناء على اختبارات المهارة”.
لكن دينجي من مكانه في الطابور أمام جامعة ماهارشي داياناند، قال لهآرتس “كل العاملين يعرفون أن المسلمين لن يحصلوا على تأشيرات عمل”.
حروب وأسواق
“لمَ نغادر إلى بلد في حالة حرب لو قُيض لنا عمل هنا؟ إننا نخاطر بأنفسنا أيما مخاطرة”، يقول نجار يقف في الطابور اسمه نارندرا كومار.
لكن المخاطرة تستحق العناء لأنها ستحول هؤلاء إلى أثرياء حقيقيين. بمقاييس الهند، طبعا، فدانجي -الذي يعيش على مرتب لا يتجاوز 360 دولارا بالكاد يكفيه وزوجته وأطفاله الثلاثة وأباه- يحلم منذ سنوات بوظيفة في إسرائيل.
وتقول زوجته مينا إنهما سيستطيعان إن ظفر بالوظيفة التخطيط لزواج ابنتهما، وربما لشراء بيت.
سنويا، يهاجر عشرات الآلاف من الهنود إلى أوروبا لتحسين وضعهم الاقتصادي. كثير منهم دون تعليم أو مهارات أو حتى تكوين.
وقد أتاحت الحروب في السنوات الأخيرة فرص عمل في الخارج للكثير من الهنود. وبينها الحرب على غزة وقبلها الحرب الأوكرانية، حيث أعلنت روسيا خطة لاستجلاب اليد العاملة الأجنبية لكن بمرتبات تقل عن إسرائيل.
ويتوقع أن تصل طلائع العمالة الهندية إلى إسرائيل قريبا في مجموعات يتراوح عددها بين 700 وألف فرد.
أصوات معارضة
وليس في الهند إجماع على الموضوع، حيث يقول عضو الغرفة العليا في البرلمان جيرام رامش “ألا تسخّف المبادرة الادعاء القائل إن اقتصادنا مزدهر ويفتح باب التوظيف للناس”!
وقد رفضت نقابات هذه الخطة، حيث قالت الأمينة العامة للمؤتمر النقابي لعموم الهند أمارجيت كاور: “لن نسمح بإرسال عمالنا إلى مناطق الحروب”.
وتخشى النقابات أيضا استغلال العمال المهاجرين في إسرائيل بسبب ما تصفه بعملية توظيف متسرعة تتجاهل إجراءات الحماية اللازمة، وهي اتهامات سخّفها وزير الخارجية راندير جايسوال الذي أكد “صرامة قوانين العمل” الإسرائيلية.
وهناك أيضا معايير السلامة المتدنية نسبيا في إسرائيل، خاصة في قطاع البناء حيث تقل مرتين إلى 2.5 مرة عنها في الاتحاد الأوروبي حسب منظمة إسرائيلية تعنى بالدفاع عن العمال المستضعفين، ناهيك عن أن مفتشي العمل لا يزورون مواقع الإنشاءات إلا مرة كل 3 سنوات للتحقق من هذه المقاييس.
أما حزب المؤتمر الوطني المعارض فاعتبر هذا الاتفاق استثمارا في مأساة الشعب الفلسطيني، وقال القيادي بالحزب والوزير السابق ماني شانكر آيار للجزيرة “إسرائيل ترتكب حرب إبادة في قطاع غزة، وهذه أسوأ طريقة لكسب المال”.