لندن- في الوقت الذي تبدي فيه الحكومة البريطانية حماسة واضحة لانخراط قواتها العسكرية في الشرق الأوسط، والاستعداد لملء أي فراغ أميركي محتمل في المنطقة خلال الأشهر المقبلة، يبدو أن قدرة منظومة الدفاع البريطانية على تحقيق الردع قد أصبحت محل تساؤل.
يأتي ذلك نتيجة تواتر حوادث تعطل بعض أهم القطع العسكرية البريطانية كان آخرها إخفاق سلاح البحرية في إطلاق صاروخ من منظومة الردع النووي “ترايدنت” بالقرب من السواحل الأميركية.
وتستعد حاملة الطائرات “الأمير ويلز” للمشاركة في مناورات حلف الناتو الجارية بالقرب من السواحل النرويجية، التي وُصفت بالأضخم منذ الحرب الباردة وتحاكي مواجهة محتملة مع روسيا، لتحلّ محلّ حاملة الطائرات “إليزابيث” التي كان يفترض أن تضطلع بدور أساسي في مناورات حلف الأطلسي، قبل أن تحول أعطاب تقنية في مروحيات الدفع دون ذلك.
أعطاب محرجة
لكن خروج القطع العسكرية البريطانية عن الخدمة بدا وكأنه لازمة تتكرر في الآونة الأخيرة، فحاملة الطائرات “الأمير ويلز” نفسها أدى عطل تقني إلى خروجها عن الخدمة في 2022.
وتشير صحيفة “غارديان” البريطانية أنه بالمقارنة مع فرنسا التي تملك حاملة طائرات واحدة “شارل ديغول”، وسجلت آخر عطل تقني في 2010، فإن تواتر حوادث أعطاب حاملتي الطائرات البريطانية في الآونة الأخيرة، يثير المخاوف كما التساؤلات بشأن تكرار هذه المشكلات التقنية في قطع عسكرية يفترض أنها الأكثر تقدما وكلفة في الأسطول البحري البريطاني.
وفي ظل ترقب غربي حذر لمسار الصراع مع روسيا مع دخول حربها ضد أوكرانيا عامها الثالث، وانزلاق الصراع في الشرق الأوسط لمنعطف جديد مع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، تنخرط بريطانيا في أكثر من عملية عسكرية تتطلب جميعها إمكانات ضخمة وجهوزية عالية لا يبدو أن البريطانيين قادرون على تأمينها.
وقبل أيام، عادت السفينة الحربية “دياموند” إلى سواحل جبل طارق بعد مشاركتها في تأمين خطوط الملاحة البحرية في البحر الأحمر، لتحل محلها الفرقاطة “ريدشموند” التي التحقت بالأسطول البحري بقيادة الولايات المتحدة المرابط في المنطقة، في وقت تتصاعد فيه عمليات جماعة الحوثيين اليمنية ضد السفن التي تعبر الممر البحري، وترى الجامعة أنها مرتبطة بشركات إسرائيلية.
ولا يبدو أن البريطانيين يرغبون في تقليص وجودهم العسكري في المنطقة، بل إنهم يبدون استعدادا لسد أي فراغ أميركي محتمل، حيث قال وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس خلال لقاء له مع جنود البحرية العائدين من الشرق الأوسط قبل أيام، إن التطورات على الأرض هي ما سيُحدد حجم المشاركة العسكرية البريطانية في العمليات الجارية بالمنطقة.
استنزاف عسكري
يقول الأستاذ الباحث في دراسات الحرب في جامعة كينغز كوليج البريطانية (King’s college) شاشانك جوشي، إن الحوادث الأخيرة تظهر أن انخراط بريطانيا العسكري على أكثر من جبهة قد ينعكس سلبا على مدى جهوزية المنظومة العسكرية برمتها، رغم قوة الأسطول الحربي والإنفاق العسكري الضخم المخصص له.
ويضيف جوشي في حديث للجزيرة نت، أن ذلك يؤدي إلى استنزاف الطاقات البشرية للمنظومة العسكرية البريطانية، حيث يتطلب إعداد حاملة طائرات من حجم “إليزابيث” إمدادات لوجيستية ضخمة، وأطقما هندسية للصيانة والمراقبة.
ويرى الخبير العسكري جوشي، الذي يشغل -أيضا- منصب محرر الشؤون العسكرية في مجلة “إيكونوميست”، أن تكرار هذه الحوادث، ومن بينها الإخفاق في عملية إطلاق صاروخ من على متن غواصة نووية، سيكلف بريطانيا سمعتها الدولية وصورتها كونها قوة يمكن الوثوق بفعاليتها في مجال الردع العسكري.
ويوضح أن البحرية البريطانية كانت سيئة الحظ، حين أخفقت عملية الإطلاق الأخيرة التي أثارت انتقادات واسعة، في الوقت الذي يعدّ نظام الردع النووي “ترايدنت” عنوانا لشراكة تاريخية بين الولايات المتحدة وبريطانيا منذ عقود، مشيرا إلى أن وقوع حوادث مماثلة ليس حصرا على بريطانيا.
ردع نووي على المحك
لكن الإخفاق في إطلاق الصاروخ من منظومة الردع النووي “ترايدنت” الذي تكتمت عليه الحكومة البريطانية قبل أن تتناقله وسائل الإعلام البريطانية على نطاق واسع ليصبح محط تهكم الصحف الروسية وسخرية الصينية، أعاد الجدل بشأن قوة جهاز الردع النووي البريطاني.
فقد طالب حزب العمال الحكومة بتقديم المعلومات الكافية للبرلمان لطمأنته بخصوص مدى فعالية وقوة جهاز الردع النووي، بينما قلّل وزير الدفاع البريطاني من شأن الحادث واصفا إياه بـ”الخلل العارض”، مؤكدا أن منظومة الردع النووي في حالة جهوزرية كاملة.
وأعلن البريطانيون بعد خروجهم من الاتحاد الأرووبي تركيزهم على صياغة إستراتيجية لردع نووي متمايز عن بقية جيرانهم الأوروبيين، ورفع إنفاقهم العسكري ليصبح الأعلى في أوروبا.
وأعلنت الحكومة البريطانية رفع عدد الرؤوس النووية إلى 260 رأسا نوويا جاهزا للإطلاق، وتعزيز ترسانتها النووية والعسكرية، عبر الاستثمار في الغواصات النووية التي تجوب المحيطات لتحقيق هدف الردع النووي، منذ زيادة حدة التوتر الجيوسياسي بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى.