شكلت الحرب الدائرة في السودان منذ 10 أشهر ضربة قاضية للاقتصاد السوداني الذي كان أصلا مستنزفا بعد سنوات من الحروب والعزلة، مع استمرار إغلاق المصارف وتوقف حركة الاستيراد والتصدير وانهيار قيمة العملة المحلية.
واندلعت المعارك في البلاد منتصف أبريل من العام الماضي بين الجيش بقيادة، عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة، محمد حمدان دقلو، حيث خلفت الآف القتلى.
كما أدى القتال إلى نزوح أكثر من 10 ملايين سوداني داخل البلاد وإلى دول الجوار.
وكان رجل الأعمال السوداني، أحمد الخير (اسم مستعار)، الذي يعمل في تصدير الصمغ العربي قد خزن قبل الحرب، كمية كبيرة من الصمغ جنوب الخرطوم من أجل تصديرها.
وقال لوكالة فرانس برس: “دفعت لإخراج كمية الصمغ من العاصمة أموالا كثيرة لأفراد من قوات الدعم السريع. وعند وصولي إلى منطقة سيطرة الحكومة طُلب مني دفع رسوم أخرى”.
وتحمل أحمد الخير هذه الرسوم من أجل نقل بضاعته إلى مدينة بورتسودان في الشرق، حيث الميناء الوحيد العامل في البلاد، قائلا: “طلبت مني السلطات المحلية في بورتسودان رسوما جديدة، كما تضاعف إيجار المخازن 6 مرات”.
ويُستخلص الصمغ من عصارة صلبة مأخوذة من شجرة الأكاسيا، وهو مستحلب ذو أهمية كبيرة يُستخدم في صناعات شتى، من المشروبات الغازية إلى العلكة مرورا بالمستحضرات الصيدلانية.
والسودان في صدارة البلدان المنتجة للصمغ، ويستحوذ على حوالى 70 بالمئة من تجارته العالمية، بحسب الوكالة الفرنسية للتنمية.
ورغم كل هذه التكلفة وإيصال البضاعة إلى المدينة السودانية المطلة على البحر الأحمر، لم تكف أموال رجل الأعمال السوداني لإتمام عملية التصدير. وقال: “لم أستطع تصدير الصمغ حتى الآن”.
“وسط ظروف صعبة”.. حقيقة تصريح البرهان عن ديون للجيش على الحكومة
بعد مرور نحو عشرة أشهر على اندلاع النزاع المدمر في السودان، تداولت صفحات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تصريحا منسوبا لقائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، يتحدث عن ديون للجيش على الحكومة بقيمة مليار و400 مليون دولار، بما يوحي بأنه يرغب بتحميل الحكومة المدنية تكاليف الحرب التي تخوضها قواته مع قوات الدعم السريع منذ أبريل الماضي.
وأفاد تقرير لهيئة الموانئ السودانية بتراجع حجم الصادرات والواردات في العام 2023 بنسبة 23 بالمئة، مقارنة بالعام السابق له.
“غياب الدولة”
ولا تتوقف التعقيدات عند هذا الأمر، إذ زادت معاناة المصدرين بشكل عام إثر قرار من وزارة المالية السودانية برفع قيمة “الدولار الجمركي”، أي مؤشر تعرفة الجمارك في حال تذبذب أسعار الصرف، ليسجل 950 جنيها بدلا من 650 جنيها.
وقال الرئيس السابق للغرفة التجارية السودانية، الصادق جلال، “هذا القرار بمثابة تدمير للاقتصاد”.
وانخفضت قيمة العملة المحلية السودانية مقابل الدولار الأميركي منذ اندلاع الحرب ليسجل سعر صرف الدولار حاليا 1200 جنيه مقابل 600 جنيه في أبريل الماضي.
كما أدت الحرب إلى توقف 70 بالمئة من فروع المصارف في مناطق القتال، بحسب تقرير لبنك السودان المركزي، و”تم نهب ممتلكات وأصول وموجودات البنوك”.
وقال المحلل الاقتصادي السوداني، محمد شيخون، إن “الحرب زادت من قتامة وضع القطاع المصرفي السوداني الذي يعاني بالفعل من مشكلات هيكلية”.
وللعام الثاني على التوالي، لا تقر موازنة الدولة في السودان، حيث يرى الخبير الاقتصادي، هيثم فتحي، أن ما يحدث “يعكس الغياب التام للدولة السودانية، ما يؤثّر على الاقتصاد بكل قطاعاته”.
مشروع الجزيرة
وأفاد صندوق النقد الدولي في تقرير الشهر الماضي بأن “الصراع في السودان أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، كما توقف النشاط الاقتصادي في أجزاء كبيرة من البلاد، ما ساهم في استمرار معدلات النمو السالبة عقب الانكماش الحاد الذي شهده عام 2023”.
ماذا تعني العقوبات الأميركية على شقيق حميدتي في السودان؟
بعد قرابة خمسة أشهر من الحرب في السودان، فرضت واشنطن العقوبات على نائب قائد قوات الدعم السريع السودانية، عبد الرحيم دقلو لدوره في “أعمال عنف وانتهاكات لحقوق الإنسان”.
وكانت المؤسسة المالية الدولية توقعت انكماش اقتصاد السودان لعام 2023 بنسبة 18 بالمئة.
ومع توسع الحرب إلى ولاية الجزيرة في وسط السودان، والتي تضم أحد أكبر المشروعات الزراعية في القارة الأفريقية على مساحة مليوني فدان، تراجعت المساحة الزراعية في البلاد لتصبح المحاصيل المزروعة تغطي مساحة 37 في المئة فقط من إجمالي الأراضي المهيئة للزراعة، بحسب تقرير أعده مركز “فكرة” السوداني للدراسات والتنمية.
وأوضح المحلل الاقتصادي السوداني، محمد الناير، أن “امتداد العمليات العسكرية إلى ولاية الجزيرة أثر على الإنتاج الزراعي في البلاد”.
وحذر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، الأربعاء، من أن الحرب في السودان دفعت البلاد إلى “شفير الانهيار”، إذ تعاني الغالبية العظمى من السكان من الجوع.
وقال مدير برنامج الأغذية العالمي في السودان، إيدي رو، لصحفيين في بروكسل، “في هذه المرحلة، أقل من 5 بالمئة من السودانيين يستطيعون تأمين وجبة كاملة في اليوم”.