أسني- في صباح بارد من صباحات شهر فبراير/شباط الجاري، يصل شباب متطوعون من منظمة كشافة المغرب إلى قرية إمسكر البور الجبلية في منطقة أسني ضواحي مراكش، لتفقد أحوال المتضررين من زلزال الحوز.
وتنتقل صناديق المؤونة من يد إلى يد عبر سلسلة بشرية ممتدة، بينما تعلو وجوه الجميع ابتسامة جميلة ممزوجة بحزم واضح، وهم يرددون بعض الأناشيد الكشفية لزيادة الحماس خلال توزيع “سلة الشتاء” على سكان المنطقة.
يأخذ القائد الكشفي فيصل الزلوطي (19 سنة) نفسا، وهو يعدل وشاح الكشاف الملون، ويلقي تحية سريعة، ثم يقول هذا الشاب الجامعي المتطوع للجزيرة نت “أجد متعة كبيرة، وأنا أقدم المساعدة للآخرين، ما أبهرني حقا هو الحفاوة والكرم التي قابلنا بها أهل القرية، بالرغم من الظروف الصعبة التي يعيشونها في شتاء صعب تحت الخيام”.
مبادرة صندوق الحياة
تعتبر جمعية كشافة المغرب من المنظمات القليلة التي تستمر بمواكبة احتياجات السكان، وتقدم لهم يد المساعدة بعد الزلزال على مدى الأشهر الخمسة الماضية، في حين لا يزال جُل المتضررين يعيشون حياة استثنائية تحت البرد القارس وانتظار أمل العودة إلى منازل آمنة.
ويشرح القائد العام للمنظمة صلاح الدين مبروم للجزيرة نت “لاحظنا أن المساعدات الآنية ضرورية، لكنها غير كافية، لذلك بدأنا برنامجا للمساعدة بعدد من القرى بإقليم الحوز وتارودانت”.
ويضيف “أطلقنا مبادرة إنسانية نوعية بالتعاون مع منظمة (العمل من أجل الإنسانية الدولية) باسم صندوق الحياة، لتوفير آليات التدفئة والإنارة والملابس الشتوية والدعم الغذائي والحاجات الاجتماعية طيلة فصل الشتاء لمتضرري زلزال الحوز”.
ويؤكد مبروم أن المشروع يستهدف حوالي 4300 شخص من الأسر المتضررة، تتمة لجهود الجمعية بالمساهمة في تخفيف معاناة الأسر المغربية.
تقارب يخفف المحنة
يتسلح الشاب فيصل بحماس التطوع وبخبرة ميدانية، وينضم لمجموعة تضم ما يزيد على 360 متطوعا من قادة جمعية كشافة المغرب، ينحدرون من مختلف جهات المملكة، ويجد نفسه مطوقا بـ”رد الجميل لأناس الجبل المعروفين بالبساطة والطيبة”، كما يصفهم.
ويوضح القائد مبروم أن فيصل ورفاقه المتطوعين مستعدون لتقديم أكثر من 3600 ساعة من العمل التطوعي خلال فترة المشروع، الذي يستمر لمدة 3 أشهر لتحقيق الأثر المطلوب على حياة المتضررين من الزلزال، ويشرح “ركزنا على مناطق متضررة، وقدمنا لها المساعدة الضرورية المستمرة، بدل تشتيت الجهود في مناطق متفرقة بشكل متقطع”.
ويقول المواطن محمد إكرماون (36 سنة) من إمسكر البور “تربطنا علاقة مميزة مع الكشافة، بات وجودهم المستمر بيننا جزءا من حياتنا، وساعد هذا التقارب على تجاوز المحنة والعودة إلى الحالة الطبيعية”.
حملة طبية شاملة
من داخل خيمة طبية تظهر سيدة أربعينية بجلبابها البسيط، وتتقدم وهي تمسك يد طفلها الصغير، وقد زين رأسه طربوش أحمر، وعلى يديه الصغيرتين حناء لا تخطئها العين، فيما تحمل شابة أخرى طبقا عامرا بأنواع الفواكه المحلية اليابسة والطرية، عربون محبة واعتراف بالفضل، إنه يوم ختان طال عددا من الأطفال، ضمن مبادرة طبية تقدم خدمات موازية أخرى.
ففي جانب آخر، يسابق أطباء متطوعون الزمن من أجل القيام بفحوصات طبية للسكان، يتبعها تقديم بعض الأدوية أو توجيه نحو المستشفيات المختصة.
ويشرح القائد مبروم “لا يقتصر عملنا على تقديم صندوق الحياة الذي يستعمله كل مستفيد عند الحاجة القصوى، لا سيما عند انعزال القرية لعوامل طبيعية، بل أيضا تقديم خدمات اجتماعية وتربوية تدخل البهجة على النساء والأطفال والرجال”.
ويقول أحمد نايت احماد، رئيس جمعية محلية، للجزيرة نت إن “الكل هنا مستبشر خيرا بعمل الجمعية المتنوع”، ويضيف “إنهم يعاملوننا مثل أسرة كبيرة، ونحن بدورنا نبحث دائما عمن هو في أشد الحاجة إلى خدماتنا، ونقدمه على الباقين”.
فيما يعلق المواطن محمد “التضامن ليس غريبا على السكان، فهم كانوا يخصصون صندوقا للحالات الطارئة حتى قبل وقوع الزلزال”، مضيفا ” عند كل زيارة للكشافة، نحس أننا غير منسيين، ونستحق العيش بكرامة”.
فلسطين حاضرة
كان لافتا للنظر حضور علم فلسطين إلى جانب علم المغرب خلال ورشة فنية تربوية نظمها الشاب فيصل. ويقول “ظهور اللون الأحمر أولا دليل على ما يبذله أهل غزة من دماء في مواجهة حرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال، قبل أن تظهر باقي الألوان، ليصبح العلم مكتملا بألوان الأرض والحب والقوة والعزم”.
ووضح الشاب في حديث عفوي أن “ورشة الصباغة تعتبر مدخلا جميلا، يُظهر فيه الأطفال تعلقهم بقضية تشغل بال الصغير قبل الكبير”. ويضيف “يعتبر هذا النشاط داعما للقضية الفلسطينية، في ظل ما يواجه الفلسطينيين من انتهاكات الاحتلال، وتأكيدا على الأخوة بين الشعبين الشقيقين المغربي والفلسطيني، وهو محاولة لتكريس الوعي بالمعركة، ونقلها إلى الأجيال الصاعدة في جميع ربوع المملكة، وحتى في أعالي قمم جبال الأطلس”.
يستمر عمل المتطوعين على مدار اليوم، وفي نهايته تسرب لجسم الشاب فيصل والجميع تعب لذيذ. أما رياح الجبل الرطبة التي تلف وجهه من حين لآخر، وتشعره ببرد الشتاء في هذه المنطقة النائية، فلن تنال من عزمه وحماسه، فهو مستعد للعودة مرة ثانية، كما يعبر هو عن ذلك، بالروح نفسها الذي بدأ بها تطوعه في أول الصباح.