بذكرى وفاته.. الأمير عبد القادر يجدد جدل التاريخ بين الجزائر وفرنسا

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

يشتهر قصر “أمبواز” في مقاطعة “إندر إيه لوار” الفرنسية بكونه مقرا للكثير من ملوك فرنسا عبر التاريخ، غير أنه من بين نزلائه السابقين أسير جزائري شهير هو الأمير عبد القادر، المعارض الأول للاستعمار الفرنسي في الجزائر ومؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، والذي بات بعد 140 عاما على وفاته في قلب جدل الذاكرة والتاريخ بين فرنسا والجزائر.

اعتقل المناضل والشاعر عبد القادر ابن محيي الدين (1808-1883) -عالم الدين المتصوف وبطل المقاومة ضد فرنسا الذي وحد كل المعارضين للاستعمار في أربعينيات القرن الـ19 بعد أن بايعه الجزائريون أميرا للمقاومة- في هذا القصر مع نحو مئة من أفراد عائلته وحاشيته، بعدما قاتل القوات الفرنسية في الجزائر في مطلع الاستعمار الفرنسي.

وبعد مقاومة استمرت 15 عاما، ألقى السلاح عام 1847 لقاء وعد فرنسي بخروجه إلى المنفى في الإسكندرية أو عكا، غير أن باريس لم تلتزم بهذا الوعد بل نقلته إلى فرنسا حيث ظل محتجزا من 1848 حتى 1852.

وفي 20 يناير/كانون الثاني عام 2021، سلم المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا تقرير “مصالحة الذاكرة” إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن ماضي بلاده الاستعماري في الجزائر، وتضمنت توصياته تشييد تمثال للأمير عبد القادر في فرنسا، الأمر الذي رفضه أفراد من عائلة الأمير الراحل.

ولقي التقرير انتقادات واسعة لإحجامه عن اتخاذ موقف يقضي بتقديم اعتذار فرنسي عن الماضي الاستعماري. وعقب صدوره، جددت الرئاسة الفرنسية استبعادها “خيار التوبة والاعتذار” للجزائر.

الذاكرة التاريخية

ويعود بطل المقاومة الجزائرية -الذي قلّد لاحقا وسام جوقة الشرف الفرنسية عام 1860- ليهيمن على نقاش فرنسا والجزائر حول “مصالحة الذاكرتين”.

وتطالب الجزائر باستعادة سيف وبُرنس الأمير عبد القادر من بين الشروط التي وضعتها لقيام الرئيس عبد المجيد تبون بزيارة إلى فرنسا أرجئت مرات عدة.

كذلك تتناول المحادثات الجارية ضمن لجنة التاريخ والذاكرة الجزائرية الفرنسية التي شكلها البلدان عام 2022، إعادة “ممتلكات أخرى ترمز إلى سيادة الدولة” خاصة بالأمير عبد القادر، من بينها مصحفه وخيمته.

وزار الأعضاء الجزائريون في لجنة الذاكرة في نهاية يناير/كانون الثاني الماضي قصر “أمبواز” بحثا عن آثار الأمير التي تلاشت مع الزمن.

وقال مدير القصر المؤرخ مارك ميتاي “ثمة مؤشرات قليلة جدا تكشف عن أسره، وهذا ولّد في بعض الأحيان إحباطا لدى الذين يقصدون هذا المكان لاستذكاره”.

وأعيد ترتيب القاعات التي اعتقل فيها الأمير وعائلته وحاشيته لتعكس حقبة الملَكية الفرنسية.

الأمير في الأسر الفرنسي

وفي حدائق القصر، أقيمت شواهد تكرّم بالعربية ذكرى 24 من أقرباء الأمير توفوا في أمبواز، غير أن القصر يعمل على عدة مشاريع لشرح حياة الأمير الشاقة في الأسر.

وقال الكاتب الجزائري عمّار بلخوجة الذي صدرت له كتب عن الأمير عبد القادر “حين كنا أطفالا في المدرسة، كان يُقال لنا إنه كان يعيش حياة قصور، لكن الحقيقة عكس ذلك تماما، كان محتجزا، في حين أنه كان معتادا ركوب الخيل لمسافات طويلة”.

ورأى ميتاي أنه “يجب النظر بواقعية إلى قصة أسره، حتى لو كان هناك ربما صعوبات تتعلق بحساسية الموضوع”.

وفي الجزائر، يخشى بعض المؤرخين أن يبقى تاريخ فرنسا على تصوير الأمير في هيئة “المهزوم العظيم” على حساب مساره وصورته كمجاهد ضد الاستعمار.

ممتلكات الأمير

وتبدوا قضية إعادة ممتلكات الأمير عبد القادر معضلة تتداخل فيها عوامل التاريخ والقانون والسياسة والثقافة.

فالسيف والبُرنس اللذان تطالب بهما الجزائر يملكهما متحف الجيش الفرنسي الذي أكد أنه حصل عليهما بطريقة قانونية، موضحا أن الأمير نفسه سلم سيفه عام 1847، وأن ابنه قدم البُرنس.

وكتب جان لوك مارتينيز المدير السابق لمتحف اللوفر في تقرير عام 2021 أن “الأملاك المعنية (البرنس والسيف) حصلت عليها الدولة الفرنسية بصورة قانونية من خلال هبة من عائلة عبد القادر”.

وأدى تقرير مارتينيز إلى إصدار قانونين سمحا بالخروج عن قاعدة “عدم جواز التصرف” بالمجموعات العامة، من أجل إعادة أملاك نهبها النازيون ورفات بشرية.

ومن أجل الاستجابة لطلب الجزائر، ينبغي على فرنسا أن تقر قانونا ثالثا يجيز إعادة أملاك ثقافية. وفي نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، أكدت وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي أنه سيكون من دواعي “اعتزازها” أن تقدم هذا القانون، من دون الإعلان عن أي جدول زمني لذلك.

وفي هذه الأثناء، تبقى الأغراض المرتبطة بالأمير عبد القادر محلّ متابعة حثيثة في فرنسا.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اكتشفت السلطات الجزائرية أن أحد سيوفه سيطرح للبيع في مزاد علني في فرنسا، فاشترته. كذلك، ألغي طرح مخطوطة إسلامية نادرة يعتقد أن الجيش الفرنسي استولى عليها من الأمير عام 1842 في مزاد علني، بعد حملة في صفوف الجالية الجزائرية.

وأوضح مسؤول المزاد جاك فيليب رويلان لوكالة الصحافة الفرنسية بعد إلغاء طرح الوثيقة التي أعيدت في نهاية المطاف إلى السلطات الجزائرية، “هذه المخطوطة كانت في مرآب عائلة كان أجدادها في الجزائر” مضيفا “من المهم أن تعود هذه الأغراض إلى أفضل أيادٍ ممكنة”.

سيرة الأمير

ولد الأمير عبد القادر بالقرب من مدينة المعسكر الجزائرية عام 1807، وتنتسب عائلته إلى الأدارسة، وكانوا حكاما لمناطق المغرب العربي والأندلس، ووالده كان أحد رموز وشيوخ الطريقة القادرية الصوفية في البلاد.

عام 1830، تعرضت الجزائر للاستعمار الفرنسي، مما دفع الأمير عبد القادر إلى جمع القبائل هناك، بسبب زعامته ونسبه، وبويع ليقود الثورة ضد الاحتلال، وبدأ في تكوين الجيش وتحقيق انتصارات متتالية في العديد من المدن، لذلك يُعتبر قائد أول ثورة شعبية ضد القوات الفرنسية بعد غزوها الجزائر.

سنة 1847 سجن في فرنسا، وظل أسيرا حتى 1852، إلى أن أفرج عنه نابليون الثالث بعد صعوده إلى الحكم، وغادر بعدها إلى إسطنبول، التي التقى فيها السلطان عبد المجيد، حيث استقر فيها وفي مدينة بورصة لفترة، وبعدها سافر إلى دمشق التي عاش فيها بقية حياته حتى وفاته عام 1883 عن عمر ناهز 76 عاما، وكان أوصى بدفنه بالقرب من قبر ابن عربي بمقبرة الصالحية.

وبعد استقلال الجزائر، تم نقل رفاته إلى هناك عام 1965 في جنازة عسكرية كبيرة كان على رأسها الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *