غزة- حينما أخبرت الطفلة ملك والدها رائد أبو خوصة، صباح الثلاثاء 20 فبراير/شباط الجاري، أن طائرات الاحتلال الإسرائيلي تلقي منشورات، أصيب بالقلق الشديد، فقد أدرك على الفور العواقب المحتملة، إذ اعتاد الأهالي أن تحمل هذه الأوراق أوامر بالرحيل الفوري عن منازلهم.
خرج أبو خوصة من خيمته المقامة في أحد مراكز الإيواء بمدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، لتقصّي الأمر، وبعد نحو نصف ساعة، جاءه أحد الجيران حاملا البشرى، إذ تبين أن المنشورات تتضمن مادة تحريضية على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ولا تدعو السكان للرحيل.
وعن شعوره حينما علم بمضمون المنشورات، قال “ارتحت جدا” وعبّر عن سعادته.
ونزح أبو خوصة 3 مرات سابقا، بناء على أوامر وإنذارات حملتها هذه المنشورات، أولها من منزله بمخيم البريج وسط قطاع غزة.
ويقول للجزيرة نت “أصبت بحالة من الإحباط والهم والغم، إحباط غير طبيعي، لدرجة أني قلت للأولاد جهزوا حالكم للرحيل.. المنشورات كارثة ومصيبة، وأنا أعتبرها قرارا بالإعدام، فجأة يرمون مناشير تدعو للرحيل.. أين سنذهب؟”.
التشريد مجددا
وبدت هذه المنشورات الورقية بالنسبة لسمير سكيك كابوسا حقيقيا، نظرا لحداثة نزوحه بعد أن رحّله جيش الاحتلال من مدينة غزة إلى وسط القطاع، رغما عنه.
يقول سكيك للجزيرة نت “أنا الآن بدون سكن، وبدون أهلي، والناس وفروا لي خيمة مؤقتة، ولما رأيت المنشورات خفت كثيرا، وقلت إنهم ينوون تشريدي مجددا”.
ويضيف “وصلت إلى دير البلح منذ أسبوع فقط بعد اعتقال لمدة 4 أيام في غزة، الجنود ألقوني في الشارع بملابسي الداخلية، حاليا لا أملك شيئا، ولا أعرف ماذا أفعل أو كيف سأعيش”.
وتابع أنه شعر بالارتياح الكبير حينما عثر على أحد المنشورات، وتبين أنها لا تحتوي على أمر تهجير.
منشورات في غزة
وفي الوقت الذي كان فيه سكان دير البلح محظوظين بعدم احتواء المنشورات على أوامر بالإخلاء، كان نظراؤهم في حيي الزيتون والتركمان شرقي مدينة غزة (شمال) على خلاف ذلك، إذ أمرتهم مناشير ألقتها الطائرات (صباح الثلاثاء 20 فبراير/شباط) بمغادرة منازلهم فورا والتوجه إلى منطقة “المواصي” جنوبي قطاع غزة.
وحسب شهود عيان تحدثوا للجزيرة نت، فقد هام السكان على وجوههم حاملين بعض الأمتعة، وتوجهوا إلى منطقة غرب غزة، رافضين الانصياع لأوامر الجيش التي طلبت منهم التوجه إلى الجنوب.
تأليب على المقاومة
تعدد رنيم عبده، الباحثة في “العلامات التجارية وإستراتيجيات الإعلانات”، أهداف إسرائيل من نشر المنشورات، ومنها:
- تهجير السكان من مناطقهم.
- إضعاف معنوياتهم.
- تأليبهم على المقاومة الفلسطينية.
- نشر الرعب.
- جمع معلومات استخبارية عن قادة المقاومة والأسرى الإسرائيليين في غزة.
وبخصوص هدف تأليب السكان على حركة حماس، ذكرت عبده في حديثها للجزيرة نت أنها اطلعت على منشورات حملت اسم “صحيفة الواقع”، ومنها عدة أعداد، وتتضمن تحريضا مباشرا على الحركة. كما تضمن أحد المنشورات مثلا شعبيا يقول “حماس مثل البوم ما بتلفي إلا على الخراب”.
جمع معلومات استخبارية
وحول استخدام إسرائيل هذا الأسلوب لجمع المعلومات الاستخبارية، أشارت رنيم عبده إلى أن كثيرا من المنشورات تدعو السكان إلى تقديم معلومات عن أماكن قادة حماس، والأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة، وترفقها بأرقام هاتفية وتطبيقات.
وعلى سبيل المثال، ألقت الطائرات منشورات مطبوعة على عملات ورقية غير حقيقية عُرضت فيها “مكافأة” لمن يقدم أي معلومات عن المحتجزين الإسرائيليين.
كما ألقت منشورات تحمل صور 69 إسرائيليا محتجزا في القطاع، وتطالب الفلسطينيين بإبلاغ جيش الاحتلال في حال التعرف على أي منهم.
وأسرت كتائب القسام أكثر من 200 إسرائيلي، خلال هجوم “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأفرجت عن 77 منهم في تبادل أسرى مع الاحتلال تم في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
محاولة لإثارة الرعب
وتُشير تقارير إلى أن بعض المنشورات التي ألقتها طائرات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة تهدف إلى إثارة الرعب في نفوس السكان.
وتقول رنيم عبده إنها اطلعت على مناشير تحتوي على تهديدات مباشرة، منها أن أي شخص لن يخلي بيته في شمالي القطاع سيُصنف على أنه “إرهابي”.
كما ألقت الطائرات منشورا على مدينة خان يونس يحتوي عبارة مأخوذة من سورة العنكبوت في القرآن الكريم وهي “فأخذهم الطوفان وهم ظالمون”، في محاكاة لاسم الهجوم الذي أطلقته حماس على هجومها على مستوطنات “غلاف غزة” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول وهو “طوفان الأقصى”. وتختتم عديد من المنشورات بعبارة “قد أعذر من أنذر”.
وتستبعد عبده نجاح إسرائيل في تحقيق أهدافها من خلال هذه المنشورات، مضيفة “بشكل عام، لن تنجح، وما ستحققه هو تعزيز الكراهية”.
تأثير نفسي صعب
من جانبه، يؤكد البروفيسور محمد شاهين، أستاذ الإرشاد النفسي والتربوي بجامعة القدس المفتوحة، أن سياسة إسقاط المنشورات تُشعر السكان بالقلق والتوتر نظرا لارتباطها بالتهديد والتوقعات السلبية.
ويشير، في حديث للجزيرة نت، إلى أن قياس التأثيرات النفسية للحرب الوحشية التي تشنها إسرائيل على السكان عملية صعبة، نظرا لشدة بشاعتها.
ويضيف أن “كل المرجعيات النفسية العالمية القوية، مثل الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، والدليل الصادر عن منظمة الصحة العالمية، لم تأخذ بالاعتبار الواقع في غزة، ما يجري لم يكن موجودا حتى في الحروب العالمية السابقة، أعتقد أننا بحاجة إلى نظرية مختلفة ودراسات وأبحاث جديدة نظرا لخصوصية الحالة”.
ويتابع “الصدمة النفسية تأتي من حدث واحد، لكن هذه صدمات متتالية، وبالتالي فإن أعراضها مختلفة عما ورد في مرجعيات علم النفس”، محذرا من أن تأثيرها سيستمر إلى ما بعد الحرب.
#ترند_غزة
🔴 طائرات الجيش الإسرائيلي
تلقي مناشير جديدة على مدينة رفح جنوبي قطاع غزةهل ستقوم إسرائيل بحماقة جديدة#غزة #Gaza #فلسطين #Palestinepic.twitter.com/dHYl3QwKYJ
— تريند غزة_ TREND GAZA (@TRENDGAZA1948) February 10, 2024
انتهاك للقانون الدولي
بدورها، تشير مديرة الدائرة القانونية في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ليما بسطامي إلى أن المنشورات التي تلقيها إسرائيل تحتوي على مضامين تنتهك القانون الدولي الإنساني.
وتؤكد بسطامي أن القانون الدولي الإنساني يلزم إسرائيل بإشعار المواطنين بضرورة إخلاء المنطقة العسكرية على نحو مؤقت، لكن الإشكالية تكمن في طريقة تنفيذ الأمر، إذ إن التهجير مخالف للقانون الدولي، وإسرائيل ملزمة بتوفير مناطق آمنة يمكن اللجوء إليها.
وتضيف بسطامي للجزيرة نت “حينما تقول المنشورات إن من يبقى في المنطقة فهو إرهابي ويمكن استهدافه، فهذا ينتهك القوانين الدولية التي تفرق بين المدني والعسكري”.
وتشير بسطامي إلى أن تأليب السكان على المقاومة، ينضوي ضمن سياسة “إرهاب المدنيين وارتكاب الجرائم بهدف الحصول على مكاسب سياسية”.