ارتفاع تكلفة المعيشة بإسرائيل إثر الحرب على غزة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

القدس المحتلة- وضعت الحرب على غزة الاقتصاد الإسرائيلي أمام تحديات كبيرة، حيث أخذت تداعياتها تتكشف في مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية وسوق العمل، والارتفاع بمؤشر الأسعار للمستهلك ومعدلات البطالة والفقر، وسط التراجع في الناتج الإجمالي والنمو السلبي.

وتوقف نمو الناتج الإجمالي في إسرائيل عام 2023 بمعدل منخفض قدره 2% وسجل نموا سلبيا قدره 0.1% للفرد خلال الربع الأخير من عام 2023 حيث اندلعت الحرب على غزة، وذلك مقارنة بنمو بنسبة 6.5% في عام 2022، بحسب بيانات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية.

وتجلت تأثيرات الحرب على المستهلك الإسرائيلي وحياته بانخفاض الإنفاق الاستهلاكي الخاص بنسبة 0.7% في عام 2023 بعد زيادة بنسبة 7.4% في عام 2022، كما انخفض نصيب الفرد من الاستهلاك الخاص بنسبة 2.8% في عام 2023.

ارتفاع وعجز

ومقارنة بالاستهلاك الخاص ارتفع الإنفاق على الاستهلاك الحكومي عام 2023 بنسبة 8.3% بعد زيادة قدرها 0.1% عام 2022، كما ارتفع الإنفاق على الاستهلاك المدني بنسبة 3.8%، فيما ارتفعت النفقات على الأمن بنسبة 26.6%، وتعكس الزيادة الكبيرة النفقات الاستثنائية التي تكبدتها الحكومة الإسرائيلية عقب الحرب على غزة.

وانخفضت واردات السلع والخدمات عام 2023 بنسبة 6.9% بعد ارتفاعها بنسبة 12% عام 2022، كما انخفضت صادرات السلع والخدمات عام 2023 بنسبة 1.1% عقب ارتفاع بنسبة 8.6% عام 2022.

وبلغ الرصيد الحالي للقطاع الحكومي في عام 2023 عجزا قدره 80.5 مليار شيكل مقارنة بفائض قدره 4.4 مليارات شيكل (22 مليار دولار) في عام 2022.

وترجع الزيادة الحادة في العجز بشكل رئيسي إلى زيادة نفقات الحكومة وانخفاض دخلها من الضرائب بسبب الحرب، ومن حيث الناتج المحلي الإجمالي فقد وصل العجز في الحساب الجاري 2023 إلى 4.3% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل فائض 0.2% في 2022.

فقر وغلاء

وبشأن تأثير الحرب على الأسعار في قطاع المواد الغذائية، يستدل من تحليل لشعبة البحوث في بنك إسرائيل ارتفاعا على مؤشر الأسعار للمستهلك بنحو 12% من السلة الاستهلاكية، والتي تتأثر بالتغيرات في توفر المواد الخام والسلع ومكون العمالة، وكذلك بالتغيرات في تقنيات الإنتاج.

“حالة طوارئ اجتماعية واقتصادية في ظل الحرب من المتوقع أن تؤدي إلى تفاقم الفقر بإسرائيل”، بهذه الكلمات وصفت منظمة “لاتيت” الإسرائيلية في تقرير “الفقر البديل” الوضع الاجتماعي الاقتصادي للأسر بإسرائيل.

وتشير بيانات التقرير إلى آثار خطيرة للحرب على الاقتصاد في إسرائيل، وبحسب المنظمة الإسرائيلية، فقد تضرر دخل 19.7% من الجمهور منذ بداية الحرب، ويخشى 45.5% من تدهور أوضاعهم الاقتصادية بسبب الحرب.

وبحسب تقرير مؤسسة التأمين الوطني عن الفقر لعام 2022، فإن 1.98 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر، أي نحو 20.9% من سكان إسرائيل، علما أن 20.2% من الأسر فقيرة، فيما ارتفعت نسبة الأطفال الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى 28.2%، حيث يتوقع أن يرتفع معدل الفقر بسبب الحرب.

منازل وعقارات

وبرزت تداعيات الحرب على قطاع العقارات، حيث سجل عام 2023 انخفاضا في عدد المنازل والعقارات التي بيعت، إذ انتهى العام الماضي ببيع ما يقارب 66 ألفا و590 شقة، بانخفاض قدره 34.9% مقارنة بعام 2022، وذلك بحسب دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية.

وبحسب البيانات، فإن 41.9% من إجمالي الشقق المبيعة هي شقق جديدة، أي ما يقارب 27 ألفا و930 شقة بانخفاض قدره 30.7% مقارنة بعام 2022 الذي بيعت فيه 110 آلاف شقة سكنية جديدة وقديمة.

وتشير البيانات إلى استمرار الزيادة في معروض الشقق الجديدة غير المبيعة، والذي بلغ في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2023 نحو 67 ألفا و760 شقة، وهو رقم قياسي جديد في هذا القطاع، حيث تحتاج شركات العقارات إلى 27 شهرا لبيع جميع الشقق المتبقية في المعروض، بحسب مراسل صحيفة “كلكليست” الاقتصادية.

عمل وبطالة

لم يتعاف سوق العمل الإسرائيلي مع دخول الحرب على غزة شهرها الخامس، حيث ما زالت معدلات البطالة مرتفعة، إذ بلغ معدل البطالة الرسمي في إسرائيل 3.4% في يناير/كانون الثاني 2024، أي نحو 151 ألف شخص مقابل 3.1%، أي نحو 140 ألفا في ديسمبر/كانون الأول 2023، بزيادة مقدارها 11 ألفا، بحسب بيان صادر أول أمس الاثنين عن دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية.

وتزداد معدلات البطالة عندما يضاف إليها عدد المستخدمين الذين تم إخراجهم إلى إجازة غير مدفوعة الأجر، حيث تصل البطالة إلى ما يقارب 215 ألف شخص، أي نحو 4.8%، وهو انخفاض كبير مقارنة بديسمبر/كانون الأول 2023، حيث تم تضمين نحو 271 ألف شخص، أي 6.1%، فيما بلغ هذا العدد 365 ألفا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

غلاء وانكماش

يأتي ذلك في وقت توالت تحذيرات الباحثين والمحللين للشؤون الاقتصادية من مغبة انهيار القطاع الحكومي العام في خدمات الرعاية الاجتماعية والتعليم والصحة والمواصلات، وأجمعوا على أن تداعيات الحرب والنمو السلبي والجمود الاقتصادي ستضع إسرائيل أمام مشاكل لا حصر لها.

وفي قراءة لهذه البيانات، أكد جاد ليؤور محرر الشؤون الاقتصادية في صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن الانكماش بالاقتصاد الإسرائيلي في الربع الأخير من عام 2023 نتيجة مباشرة للحرب التي اندلعت في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وأوضح ليؤور أن الاقتصاد الإسرائيلي تأثر بشكل رئيسي بالتعبئة الواسعة لقوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي ومدفوعات السكن البديل للنازحين من “غلاف غزة” والبلدات الإسرائيلية الحدودية مع لبنان وفقا للبرامج الحكومية، إضافة إلى نقص العمالة في الصناعة والبناء والزراعة.

أسعار وديون

بدوره، حذر مراقب الدولة الإسرائيلي متنياهو أنغلمان من الارتفاع المستمر في مؤشر غلاء الأسعار بإسرائيل، قائلا “لقد ارتفعت تكلفة المعيشة في إسرائيل بشكل كبير، وافتتح عام 2024 بمزيد من الزيادات في الأسعار بمختلف مناحي الحياة”.

وأضاف المراقب الإسرائيلي في تقرير عن تكلفة المعيشة في إسرائيل أن “الأضرار التي خلفتها الحرب على مختلف القطاعات إلى جانب أسعار الفائدة المرتفعة تجعل الأمور صعبة للغاية على الاقتصاد المحلي في إسرائيل، بمن في ذلك جنود الاحتياط ومجمل الأسر الإسرائيلية”.

وأشار إلى أن مستوى الأسعار في إسرائيل أعلى من حيث القوة الشرائية بنحو 27% في المتوسط، كما أن الفجوة في صناعة المواد الغذائية أعلى من ذلك وتبلغ 37% ​​مقارنة بدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، و51% مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي.

وفي تقرير المراقب الإسرائيلي عن تكلفة المعيشة لوحظ أيضا أنه اعتبارا من عام 2023 بلغ رصيد ديون الأسر الإسرائيلي للقطاع المالي والبنوك نحو 770 مليار شيكل (208 مليارات دولار)، وهي زيادة حادة بنحو 49% مقارنة بعام 2017.

أزمة وتآكل

وفي قراءة للمعطيات، أكد الصحفي درور مرمور نائب رئيس تحرير صحيفة “غلوبس” الاقتصادية أنه في أعقاب الحرب أصبح نمو نصيب الفرد في إسرائيل سلبيا، مشيرا إلى أن الأزمة الاقتصادية التي خلقتها الحرب توجب على المجتمع الإسرائيلي إعادة حساب المسار، قائلا “إذا لم نفعل ذلك فإن إسرائيل في طريقها لتصبح دولة من دول العالم الثالث”.

وأوضح مرمور أن الحرب تركت تداعيات سلبية على مختلف القطاعات الاقتصادية الإسرائيلية، حيث أدت إلى تآكل الناتج الإجمالي، وقللت الأمن الشخصي للإسرائيليين وأسهمت في تراجع قدرات الشراء والتسوق والترفيه.

ولفت إلى أن الحرب ساهمت في تراجع الاستثمارات الأجنبية، فيما زاد الإنفاق الحكومي بشكل أساسي على الأمن لشراء الدبابات والصواريخ أو لصالح دفع تعويضات للمصالح التجارية المتضررة وإعادة تأهيل الضحايا جراء الحرب.

وحتى الآن، وبصرف النظر عن الضائقة النفسية والاجتماعية خلال الحرب والمتوقعة في اليوم التالي، يقول مرمور إن “التكلفة المتوقعة للحرب تبلغ نحو 250 مليار شيكل (68 مليار دولار)، وهذا عبء آخر قدره 100 ألف شيكل (27 ألف دولار) لكل أسرة في المتوسط”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *