في ليالي الأرق كنت أتساءل في كثير من الأحيان عن نوع أميركا التي ستنشأ فيها بناتي: أهي أميركا التي تختلق الأعذار لقتل الرجال والنساء والأطفال الأبرياء، أو هي أميركا التي تختار استعادة الأمل؟ وأدعو الله أن يسخّر زملائي في ميشيغان هذه السلطة وإيصال صوتهم إلى هذا الأمل، من خلال محاسبة الرئيس جو بايدن.
هكذا لخص عبد الله حمود العمدة الديمقراطي لمدينة ديربورن بولاية ميشيغان –في مقال له بصحيفة نيويورك تايمز الأميركية- شعوره، قائلا إن عبارة “ديربورن لا تنام”، التي قالها لزائر من خارج المدينة تعبيرا عن نشاطها المحموم في شهر رمضان، اكتسبت معنى جديدا بعد 130 يوما من الإبادة الجماعية في غزة.
ديربورن لا تنام اليوم ونحن لم ننم –كما يقول العمدة- لأن مدينتنا بأكملها تطاردها الصور ومقاطع الفيديو والقصص المتدفقة من غزة، حتى إن الحياة لتبدو ملفوفة بضباب من الحزن والخوف والعجز وحتى الشعور بالذنب، ونحن الآن نحاول أن نفهم كيف يمكن أن يستخدم أولئك الذين انتخبناهم أموال الضرائب التي ندفعها لذبح أقاربنا في الخارج.
شعور بالخيانة
وما يضاعف من الخوف والحداد المستمر هو الشعور العميق بالخيانة، ففي الانتخابات الفدرالية الثلاثة الماضية، أصبح الناخبون الأميركيون العرب في ميشيغان كتلة تصويتية حاسمة، ويمكن الاعتماد عليها بالنسبة للحزب الديمقراطي، وكنا جزءا من الموجة التي سلّمت للرئيس جو بايدن قبل 4 سنوات.
لكن يبدو أن مرشحنا قد نسي هذه الحقيقة، وجاء يطلب أصواتنا مرة أخرى في الوقت الذي يبيع فيه القنابل التي يسقطها جيش رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على عائلتنا وأصدقائنا.
وعبّر العمدة عن أسفه لأن أسوأ مخاوفه بشأن حكومة بلاده صحيحة، بحيث لن تغير الاحتجاجات السلمية، ولا ارتفاع صوت، ولا عدد المكالمات التي تجريها للمسؤولين الحكوميين، شيئا، مؤكدا أن بايدن الذي أنقذ الديمقراطية الأميركية قد لا يذكر إلا كونه الرئيس الذي ضحى بها من أجل بنيامين نتنياهو في 2024.
وليست مدينة ديربورن الوحيدة التي تدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة، إذ أظهر استطلاع للرأي أن 66% من الأميركيين و80% من الديمقراطيين يريدون وقف إطلاق النار، ومع ذلك، يبدو أن الرئيس وممثلينا المنتخبين في الكونغرس راضون بتجاهل إرادة الشعب الأميركي.
وذكر العمدة بأنهم قبل عامين، عندما احتشد الأميركيون في جميع أنحاء البلاد لتقديم الدعم والمساعدة لأوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي، “فعلنا نحن -أيضا- ذلك. لا تزال هناك أعلام زرقاء وصفراء ترفرف على واجهات المنازل والشركات في جميع أنحاء مدينتي (في إشارة للعلم الإسرائيلي). ولكن عندما رفع سكان ديربورن العلم الفلسطيني في الخريف الماضي، قوبلوا بالتهديدات”، كما لو أن رئيسنا وأعضاء الكونغرس أداروا لنا ظهورهم، وحتى الحزب الديمقراطي أدار لنا ظهره كذلك.
أختار الأمل
وافقت هذا الشهر على الاجتماع بكبار المسؤولين السياسيين في إدارة بايدن؛ بشرط أن يكونوا منفتحين على سحب دعمهم للحكومة الإسرائيلية اليمينية التي تقصف غزة الآن –كما يقول العمدة- و”كما قلت للمسؤولين الذين التقيت بهم، فإن الكلمات ليست كافية.
وأضاف “إن الطريقة الوحيدة لضمان دخول المساعدات الإنسانية غير المقيدة إلى غزة، هي من خلال وقف فوري لإطلاق النار. إن الطريقة الوحيدة لإقامة دولة فلسطينية عادلة ومشروعة، هي من خلال وقف فوري لإطلاق النار”.
وبعد 4 أيام من اجتماعنا في ديربورن، شاهدت حكومة الولايات المتحدة إسرائيل، التي حاصرت المدنيين الفلسطينيين الأبرياء في رفح، أحد آخر الملاذات الآمنة في غزة، وهي تحاصر المدينة بين عشية وضحاها، مما أسفر عن مقتل العشرات، وأنا، مثل العديد من زملائي الأميركيين، لا أستطيع بضمير حي أن أؤيد استمرار الإبادة الجماعية.
وقد أثقل هذا الأمر قلبي، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات التمهيدية الرئاسية في ميشيغان، ولهذا السبب سأضع علامة في المربع بجوار كلمة “غير ملتزم” في الاقتراع التمهيدي الرئاسي يوم الثلاثاء المقبل، ومن خلال فعلي هذا، فإنني أختار الأمل.
أختار الأمل في أن يستمع بايدن، وأن يختار هو ومن هم في القيادة الديمقراطية إنقاذ ديمقراطيتنا، بدلا من المساعدة والتحريض على جرائم الحرب التي يرتكبها نتنياهو، الأمل في أن تحظى عائلاتنا في غزة بالطعام والمياه النظيفة للشرب والرعاية الصحية والإنترنت، وقبل كل شيء، دولة عادلة يكون لهم فيها الحق في تقرير مستقبلهم، الأمل في أن تتمكن ديربورن في يوم من الأيام من النوم مرة أخرى، على حد قوله.