غزة- “إن الكوارث التي خلفتها (اتفاقية) أوسلو تفسّر لنا لماذا قال المفكر إدوارد سعيد إن الذين وقّعوا أوسلو يستحقون المحاكمة من الشعب الفلسطيني”، هكذا وصف المؤرخ غسان وشاح واقع الحال الذي آلت إليه القضية الفلسطينية بعد 30 عاما من توقيع اتفاقية أوسلو.
وعدّد رئيس الاتحاد الدولي لمؤرخي فلسطين -في حديث للجزيرة نت- أبرز “الكوارث” التي خلفتها أوسلو على الشعب والقضية الفلسطينيين، وهي:
الكارثة الأولى: أن أوسلو “قامت على مبدأ اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بحق إسرائيل في الوجود على 78% من أراضي فلسطين، وعلى نبذ المنظمة المقاومة المسلحة وانتهاج نهج السلم والمفاوضات كحل وحيد لاسترداد الحق الفلسطيني”.
الكارثة الثانية: أن إسرائيل -كونها قوة احتلال- “تخلصت من عبء المسؤولية عن الفلسطينيين أمام المجتمع الدولي والمواثيق الدولية واتفاقية جنيف وألقتها على عاتق السلطة الفلسطينية، فليس غريبا أن نسمع أن مدير الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي شلومو غازيت يقول: هو استعمار فاخر ومريح”.
الكارثة الثالثة: أن أوسلو “وضعت حجر الأساس للانقسام الفلسطيني الذي لم يحدث بعد أحداث غزة 2007، بل منذ توقيع أوسلو وقيام حركة واحدة من حركات الشعب الفلسطيني بإدارة الظهر لكل القوى والفصائل الفلسطينية بتوقيع اتفاق منفرد مع الاحتلال شكل صدمة للفلسطينيين وخطأ تاريخيا”.
الكارثة الرابعة: أنها “وضعت مرحلة انتقالية أقصاها 5 سنوات للاتفاق على قضايا الوضع النهائي الأهم والأخطر، وفرض الاحتلال الأمر الواقع بالقوة في هذه القضايا الحساسة لعدم وجود ضمانات أو شروط جزائية في أوسلو”.
وأضاف المؤرخ وشاح “لم توقف أوسلو اعتقال الفلسطينيين، بل فشلت في الإفراج عن أسرى ما زالوا (في الأسر) منذ ما قبل توقيع الاتفاق، وعشرات الآلاف دخلوا سجون الاحتلال منذ أوسلو، ولم توقف الاستيطان الذي تضاعف 4 مرات حتى الآن”.
وأكد أن “أوسلو منحت السيطرة للاحتلال على الحدود بشكل كامل، فأنشأ الاحتلال جدار الفصل العنصري الذي يعزل قرابة 12% من أراضي الضفة، وقسمها وملأها بالحواجز، وما زال يسيطر على 60% من الضفة، في حين تم بناء وشقّ طرق جديدة بين المستوطنات”.
تهويد
وتابع وشاح “لم توقف أوسلو تهويد القدس والاعتداء على المسجد الأقصى، بل إن الاحتلال التَهم المدينة، وضاعف حركة التهويد وأصدر عشرات القرارات والقوانين لهذا الغرض، وضاعف عدد المستوطنين فيها، بينما تتضاءل نسبة الوجود الفلسطيني في المدينة، ونشطت الحفريات تحت المسجد الأقصى بقوة وعلنا”.
وبشأن فلسطينيي الخارج، يقول وشاح إن أوسلو “عملت على تهميشهم، إذ ركزت الاتفاقية على الفلسطينيين في الضفة وغزة، الذين لا يمثلون سوى 38% من عدد الفلسطينيين”.
الكارثة الخامسة: أن أوسلو أعطت “الحقّ لإسرائيل لاقتحام ومطاردة من تشاء في الأراضي الفلسطينية تحت بند ما تسمى “المطاردة الساخنة” التي تعني حق إسرائيل في ملاحقة من يعرض أمنها ومستوطناتها للخطر، “فلا غرابة في أن آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى سقطوا في الاعتداءات الإسرائيلية منذ أوسلو”.
الكارثة السادسة: أنها “جرّمت المقاومة واعتبرت هذا الحق الشرعي إرهابا، وتجاهلت تأكيد الأمم المتحدة مرارا أن من حق الشعوب التي تقع تحت الاحتلال مقاومته بكل الطرق حتى تحصل على تقرير المصير”.
الكارثة السابعة: أنها “حسّنت وجه إسرائيل التي كانت تعاني قبل أوسلو من اندلاع انتفاضة الحجارة، التي كشفت عن وجه الاحتلال القبيح أمام العالم، فجاءت أوسلو وعبّدت الطريق ورفعت الحرج أمام العرب للدخول في حركة التطبيع التي يشهدها العالم العربي الآن بشكل علني”.
انقلاب
من جهته، يقول المحلل السياسي حسام الدجني -للجزيرة نت- “كان ينبغي لاتفاقية أوسلو أن تؤسس لدولة فلسطينية عام 1999، لكن وصلنا اليوم إلى أن حل الدولتين لم يعد ممكنا، وانقلبت إسرائيل على أوسلو، ولم تعمل ببنودها إلا في المجال الأمني الذي يخدم مصالحها”.
ويرجع تمسك السلطة الفلسطينية بأوسلو إلى أنها بوصفها “إفرازا لأوسلو ارتبطت بها أبعاد مصلحية وجهوية وحزبية، وأخرى مرتبطة بجماعات مصالح سواء كانت أشخاصا أو فصائل، إضافة إلى بعض القناعات بأن هذا قد يؤسس لدولة”.
ووصف الدجني الحكم الذاتي الذي نصت عليه أوسلو “بالمحدود والواقع تحت سيطرة الاحتلال والفاقد لعنصر السيادة الذي كان يأمل الرئيس الراحل ياسر عرفات -عندما وقع أوسلو- الوصول إليه، ولم تتعاط إسرائيل مع السلطة إلا بوصفها سلطة ذات دور وظيفي”.
وبشأن الانتخابات، رأى أنها “إحدى إيجابيات أوسلو، لكن إسرائيل رفضت الانتخابات في القدس، وفق الاتفاق بعد قرارات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب”.
وأكد الدجني أنه “ينبغي لنا -نحن الفلسطينيين- أن ننتزع الانتخابات في القدس انتزاعا من الاحتلال، وينبغي للسلطة ألا تبقى متمسكة بأوسلو ما دامت إسرائيل انقلبت عليها، خصوصا في بند الانتخابات”.
وبشأن الملحق الاقتصادي باتفاقية أوسلو، أوضح الخبير الاقتصادي مازن العجلة أن البروتوكول “عزز حالة التبعية والارتهان للاقتصاد الإسرائيلي، ولم يستطع الاقتصاد الفلسطيني الاستقلال بذاته، وباتت السياسات الإسرائيلية التي تعتمدها في تطبيق الاتفاق هي المرجعية في تطورات الاقتصاد الفلسطيني”.
وتشير دراسة للبنك الدولي إلى أن التجربة المكتسبة من اتفاق باريس الاقتصادي تؤكد مدى تداخل العوامل السياسية والاقتصادية، إذ أدت الضغوط السياسية الناجمة عن الهاجس الأمني الإسرائيلي إلى معاناة اقتصادية كبيرة في أوساط الفلسطينيين، وهددت الحكم الذاتي الفلسطيني الوليد.
وقال العجلة -للجزيرة نت- إن بعض نصوص الاتفاق “لم تكن ذات أهمية عملية، لأن الممارسات الإسرائيلية أفرغتها من مضمونها، ولم تعمل النصوص التي كرست حرية التجارة بين الطرفين من دون جمارك على زيادة الصادرات الفلسطينية لإسرائيل، لأن الاحتلال استعمل أساليب العوائق غير الجمركية لإعاقة الصادرات الفلسطينية”.
تبعية
وأفاد الخبير الاقتصادي بأن أضرار التبعية الاقتصادية الفلسطينية للاحتلال تمثل التحدي الرئيسي للوصول إلى اقتصاد فلسطيني مستقل، إذ “تتبدى ملامح التبعية في كل مفاصل الاقتصاد الفلسطيني، منها قطاع التجارة الخارجية، واستخدام العملة الإسرائيلية، والالتزام بالنظام الجمركي الإسرائيلي، إلخ”.
وأوضح أن “العامل الأهم في التأثير على نمط التجارة الفلسطينية يتمثل في القيود التي يفرضها اتفاق باريس بإلزام الجانب الفلسطيني بالعمل وفقا للنظام الجمركي الإسرائيلي وفي إطار سياسته التجارية التي تلائم بنيته الاقتصادية وأهدافها، وتتعارض مع الأهداف والمصالح الفلسطينية”.
وأكد العجلة أن “منهجية الحصار الشامل الذي تمارسه إسرائيل على الأراضي الفلسطينية من خلال آليات عسكرية وأمنية واقتصادية، واتفاق باريس -الذي أسس لعلاقات اقتصادية غير متكافئة ومحابية وغير عادلة- أضرت بشكل جوهري بالمصالح الفلسطينية”.