مذا لو اندلعت حرب نووية شاملة بين الولايات المتحدة وروسيا؟ مثل هذه الحرب كفيلة بتقليل الزراعة العالمية المتبعة حاليا بنسبة تصل إلى 90%، مما يتسبب بمجاعة عالمية على نحو مؤكد.
وفي سبيل البحث عن نوع غذاء مرن قد ينقذ البشرية من بؤسها في وقت مثل هذا، وجدت مجموعة دولية من الباحثين أنه يمكن لنوع واحد من الأعشاب البحرية أن ينمو في ظل الظروف القاسية الناتجة عن الشتاء النووي (التغيرات الشديدة في درجات الحرارة وأشعة الشمس وهطول الأمطار) بما يوفر ما يصل إلى 45% من الغذاء العالمي خلال 9 إلى 14 شهرا.
وأظهرت نتائج دراسة نُشرت في مجلة “مستقبل الأرض” في يناير/كانون الثاني 2024، أن نمو الأعشاب البحرية يزداد مع شدة الحرب النووية كذلك، حيث يتوفر المزيد من العناصر الغذائية في المحيط. وهذا يعني أن الأعشاب البحرية لديها القدرة على أن تكون مصدرا غذائيا مرنا وقابلا للحياة لسيناريوهات الحد المفاجئ من أشعة الشمس.
وكتب الباحثون: لقد قمنا بدراسة نمو الأعشاب البحرية على مستوى العالم باستخدام نموذج يعتمد على نوع واحد من الأعشاب البحرية “غراسيلاريا تيكفاهياي” المعروفة باسم الأعشاب الحمراء الرشيقة، ووجدنا أنها يمكن أن توفر ما يعادل ما يصل إلى 45% من الغذاء العالمي خلال 9 إلى 14 شهرا، وهو ما يساهم في إنقاذ حياة 1.2 مليار شخص حتى تتعافى درجات الحرارة العالمية، كما يمكن لأعشاب البحر أن توفر 50% من إنتاج الوقود الحيوي الحالي و10% من علف الحيوانات.
ولتنفيذ عملية الإنقاذ هذه، يوجد تحد واحد رئيسي يكمن في بناء مزارع جديدة للأعشاب البحرية بسرعة كافية.
الشتاء النووي بعد سيناريو يوم القيامة
تقول شيريل هاريسون -المعدة المشاركة في الدراسة والأستاذة المساعدة في علم المحيطات وعلوم السواحل في جامعة ولاية لويزيانا- لموقع لايف ساينس العلمي، “سيكون أكثر من ملياري شخص معرضين لخطر المجاعة بعد حرب نووية معتدلة بين الهند وباكستان، وخمسة مليارات شخص بعد حرب نووية بين الولايات المتحدة وروسيا، وبالتالي هناك حاجة لاستكشاف الأطعمة البديلة”.
وتعد النتيجة الأكثر فتكا حتى لو اندلعت حرب نووية على نطاق صغير هي التأثير الذي قد تخلفه على الزراعة. وفي سيناريو ما يعرف بـ “يوم القيامة” المتمثل في “الشتاء النووي”، فإن الغبار والدخان المشع سيحجبان جزءا كبيرا من ضوء الشمس، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض درجات الحرارة، مما يؤدي إلى اختناق العديد من المحاصيل في العالم، ومن المحتمل أن يخلق مجاعة عالمية يمكن أن تقتل مليارات البشر.
وتوجد ثلاثة سيناريوهات قد تتسبب بمجاعة لسكان الأرض إذا أصبح سطح الأرض يتلقى فجأة كمية أقل بكثير من ضوء الشمس الحالي، وتتمثل في قيام حرب نووية، أو تأثير اصطدام الكويكبات والمذنبات بالأرض، أو الانفجارات البركانية الكبيرة.
ووفقا لمؤلفي الدراسة، فإنه إذا اندلعت حرب نووية تبادلت القوى النووية آلاف الرؤوس الحربية، فمن الممكن إطلاق ما يقدر بنحو 150 تيراغراما من انبعاثات السخام إلى الغلاف الجوي مما يحجب ضوء الشمس لسنوات.
لكنهم وجدوا أنه سيظل هناك ما يكفي من ضوء الشمس للأعشاب البحرية للقيام بعملية التمثيل الضوئي والنمو، حتى مع وجود الكربون الأسود في الغلاف الجوي.
يقول المعد المشارك في الدراسة مايكل روليدا لشبكة سيديف نت: “قد تصل متطلبات الضوء لبعض أنواع الأعشاب البحرية لتُشبع عملية التمثيل الضوئي إلى ما بين 50 و100 ميكرومول فوتون، بينما يمكن أن يصل ضوء الشمس في المناطق الاستوائية خلال فترة الظهيرة في يوم صاف إلى نحو 2000 ميكرومول فوتون.
لماذا الأعشاب البحرية؟
إذا حدث أحد سيناريوهات الانخفاض المفاجئ لضوء الشمس، فإن القمح -وهو الغذاء الأكثر تخزينا على نطاق واسع- لن يكفي إلا لبضعة أشهر، وبالتالي قد تكون الأعشاب البحرية هي الحل لإنقاذ البشرية لعدة أسباب.
وفقا لما جاء بالدراسة، فإن العشب البحري سريع النمو وقابل للتطوير بشكل كبير، وقد جرى تسليط الضوء عليه من قبل منظمة الأغذية والزراعة “فاو” لعقود من الزمن كإضافة قيمة إلى الإمدادات الغذائية العالمية، لأنه لا يتنافس مع الزراعة التقليدية عندما يتعلق الأمر بالمياه العذبة أو الأراضي أو الأسمدة أو المبيدات الحشرية.
كما أنه كان جزءا مهما من الغذاء البشري لآلاف السنين، وقد استُخدم في شكله المجفف في الرحلات الطويلة منذ مئات السنين.
كما أن الأعشاب البحرية تعطي عوائد جيدة حتى في البيئات منخفضة التقنية التي تتكون بشكل أساسي من الحبال والتي تُثبت في مكانها بواسطة المراسي والعوامات.
وبالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي الصراع النووي والانفجارات البركانية الكبيرة إلى زيادة كثافة الأشعة فوق البنفسجية على سطح الأرض، مما قد يؤدي إلى استنفاد طبقة الأوزون. وعلى النقيض من الزراعة البرية فإن الأعشاب البحرية محمية جزئيا من هذه الأشعة بالمياه التي تنمو فيها.
الأعشاب البحرية والأمن الغذائي
وفقا لموقع فيز المتخصص بالاعلوم، فإنه وبصرف النظر عن سيناريو الحرب النووية الشاملة، يشير الباحثون إلى أن الأعشاب البحرية يمكن أن تكون إضافة قابلة للتطبيق للأمن الغذائي العالمي الآن، وتكون مفيدة كذلك في الحرب النووية على مستوى صغير والانفجارات البركانية.
وأثبتت الأبحاث الحديثة أن الأعشاب البحرية يمكن أن تساهم بما يصل إلى 100٪ من احتياجات البروتين البشري، وأن نحو 20 إلى 48 مليون كيلومتر مربع على مستوى العالم مناسبة لإنتاج الأعشاب البحرية.
وغالبا ما تُتناول الأعشاب البحرية في السلَطات أو في أغلفة الطعام المجففة، وهي غنية بالبروتينات والمعادن والفيتامينات والأحماض الأمينية الأساسية والأحماض الدهنية.
ووفقا لتقرير منظمة الأغذية والزراعة فاو في عام 2021، فإن إنتاج الأعشاب البحرية المزروعة في آسيا ساهم بنسبة 97% من 34.7 مليون طن يجري إنتاجها عالميا. وبالإضافة إلى استهلاكه كغذاء، يُستخدم في المضافات الغذائية الحيوانية ومستحضرات التجميل.
وتنتج الصين حاليا أكثر من 50% من الإمدادات العالمية من الأعشاب البحرية، تليها إندونيسيا ثم كوريا الجنوبية والفلبين.
وعما إذا كانت الأعشاب البحرية صالحة للاستهلاك البشري بعد حرب نووية، يقول روليدا إنها تمتص الملوثات من البيئة بشكل طبيعي، لكن المواد السامة المرتبطة والمتركزة في الأعشاب البحرية يمكن خفضها إلى مستويات آمنة.
فقد وُجد أن معالجة ما بعد الحصاد والتحضير قبل الاستهلاك مثل الغسيل والتجفيف والتفاعل الإنزيمي والسلق أو الطهي من بين أمور أخرى؛ تقلل بشكل كبير من تركيز اليود والمعادن الثقيلة في الأعشاب البحرية.