إيمرس فاي، لاعب خط وسط دولي سابق مع منتخب فرنسا، ثم مع المنتخب الإيفواري. خاض مع “الفيلة” خلال 8 سنوات 44 مباراة دولية، وشارك في 3 نسخ من كأس أمم إفريقيا.
عين مساعدا لمدرب ساحل العاج لما بلغ الـ40، ثم أصبح مدربا مؤقتا في منتصف البطولة الأفريقية التي احتضنتها بلاده عام 2023/2024، ونجح في قيادة “الفيلة” إلى لقبهم القاري الثالث.
المولد والنشأة
ولد إيمرس فاي يوم 24 يناير/كانون الأول 1984 في مدينة نانت شمال غرب فرنسا، من أبوين مهاجرين من ساحل العاج بحثا عن ظروف عيش أفضل.
نشأ في “شارع إنجلترا” بحي “مالاكوف” الصغير بضواحي مدينة نانت، الذي يضم جالية أفريقية كبيرة، حيث كان يعيش في سكن بسيط بالطابق العاشر من المبنى الذي كانت تقيم به عائلته.
وقال “فاي” -الذي يحمل جنسية مزدوجة من فرنسا وساحل العاج- إنه حَلُم وهو طفل بأن يكون لاعبا أو طبيبا لإرضاء والديه. بينما كانت كرة القدم عشقه، من دون أن يعلم أنه سيكون لاعبا محترفا أو مدربا.
عشق مبكر لكرة القدم
بين الخامسة والسابعة من عمره ظهرت موهبته الكروية عندما كان يشارك أصدقاءه اللعب في الشوارع، حيث كانت كرة القدم تشغل معظم أوقاتهم، وتبقيهم خارج المنازل إلى أوقات متأخرة من الليل.
ويقول عن تلك الفترة “كنت ألعب الكرة مع أبناء الحي في صالة للألعاب الرياضية بالمنطقة، وكثيرا ما طردتنا الشرطة منها، وفي بعض الأحيان كنا ندخلها من السقف عندما تغلق في وجهنا”.
وكان فاي حارس مرمى جيدا لفريق حيه، لكنه توقف بسرعة عن ذلك، فقد كان يحتاج المال لشراء القفازات في كل حين. وبعد أن تعلم أبجديات لعب كرة القدم في حي “مالكوف”، الذي كان خزانا للمواهب الكروية، ومنه تخرج كثير من النجوم مثل الغينيين “عبد الله توري” متوسط ميدان نادي لوهافر الفرنسي، و”مختار دياكابي” مدافع نادي فالنسيا الإسباني، اللذين قادا منتخب بلدهما إلى ربع نهائي كأس أمم أفريقيا لكرة القدم 2023.
انضم الطفل فاي لأكاديمية نادي نانت عام 1995، واعتاد أبناء حيه حينها وصفه بأنه فخرهم في البطولات بين الأحياء، لأنه كان الوحيد الذي نجح في الانضمام إلى الأكاديمية المذكورة.
كانت الكرة بالنسبة له مجرد متعة، لكن حياته تغيرت فور انضمامه لنادي مدينته “إف سي نانت” في سن الـ11، حيث تدرج ضمن جميع الفئات الصغرى، وبرز لاعب وسط ميدان دفاعيا متميزا، واشتهر بقدراته القتالية وجودة تمريراته.
وقال “كنت جادا ولم تكن لي أي حسابات على أرض الملعب، لكن الأمر استغرق مني 4 سنوات لأدرك أن كرة القدم لم تكن مجرد مزحة”، وبدأ في كسب القليل من المال عندما بلغ الـ16.
المسيرة الكروية في فرنسا
وقع الشاب عقده الاحترافي الأول مع فريق الكبار بنادي نانت، وشارك في أول مباراة له يوم 26 يوليو/تموز 2003، بالجولة الثالثة من كأس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم.
ولعب مع النادي خلال 4 مواسم 126 مباراة سجل خلالها 7 أهداف، ثم عاش فترة تراجعه إلى آخر ترتيب الدوري الفرنسي، قبل أن يهبط إلى الدرجة الثانية عام 2007.
انتقل إلى نادي ريدينغ الإنجليزي، بقيمة 2.5 مليون جنيه إسترليني لـ3 سنوات، غير أنه لم يتمكن في موسم (2007- 2008) من اللعب سوى في 11 مباراة رسمية، وكان ذلك بسبب قوة المنافسة على مراكز اللعب الأساسية في النادي، إضافة إلى معاناته من مضاعفات الملاريا بعد عودته من غانا شهر فبراير/شباط 2008، حيث شارك رفقة منتخب بلاده في كأس أفريقيا.
وفى يونيو/حزيران 2008، تمت إعارته لـ3 أشهر إلى فريق نيس الفرنسي، وسجل 10 أهداف في 97 مباراة، قبل أن يشتري الفريق عقده بشكل نهائي في يناير/كانون الثاني 2009.
لم يمر تألق الفتى دون أن يلفت انتباه مدربي المنتخبات الفرنسية الشابة، حيث لعب بقميص منتخب فرنسا تحت سن الـ17 عاما، وتُوّج معه ببطولة العالم لكرة القدم للناشئين عام 2001.
وخلال هذه النسخة انهزم “الديوك” ضد نيجيريا في دور المجموعات، ثم حققوا اللقب بالفوز على المنتخب نفسه في النهائي، وضمت تشكيلة فرنسا آنذاك في صفوفها مراد مغني وحسان يبدة، اللاعبين اللذيْن تحولا فيما بعد للعب ضمن منتخب الجزائر.
وفي يونيو/حزيران 2004، تُوّج بلقب دورة تولون الدولية، رفقة منتخب فرنسا (أقل من 21 عاما)، ولعب بعض المباريات إلى جانب فرانك ريبيري، تحت إشراف المدرب رونيه جيرار.
من الملاعب إلى التدريب
في الأول من فبراير/شباط 2012، أعلن “فاي” بعد مسيرة كروية دامت 12 عاما، اعتزاله ممارسة كرة القدم في سن الـ28، بسبب تعرضه لالتهاب الوريد الخثاري (جلطة دموية) في الساق.
وقبل ذلك، كان يتلقى علاجا مضادا للتخثر منذ 2008 عندما كان في الـ24 عاما، ولعب في سنواته الأربع الأخيرة مع جلطة دموية، كادت أن تؤدي إلى انسداد رئوي مميت. وتعرض بعد 6 أشهر من الرعاية الطبية لـ3 انتكاسات، فنصحه الأطباء بالتوقف عن ممارسة كرة القدم.
فكان العمل في التدريب النافذة التي اقتحم بها “فاي” المشهد الكروي من جديد، وخاض تكوينا منهجيا إلى أن حصل على دبلوم للتدريب، وبالموازاة مع ذلك انخرط في تدريب تطبيقي مساعدا للمدرب ضمن مختلف الأجهزة الفنية لفرق الفئات العمرية الصغرى لنادي نيس 3 سنوات بدءا من عام 2012.
وفي موسم 2018-2019، عينته إدارة نادي نيس مدربا رئيسيا لفريق الناشئين (أقل من 17 عاما)، ثم مدربا لفريق الشباب (أقل من 19 عاما). وفي عام 2020 حصل على شهادة مدرب كرة القدم، وخلال موسم 2021-2022، أصبح مدربا للفريق الرديف لنادي كليرمون فوت الفرنسي.
المشوار الكروي مع ساحل العاج
اختار لاعب فرنسا السابق تمثيل المنتخب الأول لبلده الأصلي، وانضم إليه رسميا عام 2005 إلى حين اعتزاله عام 2012. ولعب خلال هذه المدة بقميص الفيلة نحو 44 مباراة، سجل خلالها هدفا وحيدا أمام سويسرا في 27 مايو/أيار 2006 بعد دقيقتين من دخوله أرضية الملعب.
وظهر الدولي العاجي أول مرة في مباراة فوز بلاده على بنين في إطار تصفيات كأس العالم، يوم 27 مارس/آذار 2005، ثم شارك في 3 نسخ من كأس الأمم الأفريقية أعوام 2006 و2008 و2010.
وكان النجم السابق لنادي نيس الفرنسي جزءا من الجيل الذهبي إلى جانب الشقيقين كولو ويايا توريه وديدييه دروغبا وكانجا أكالي، الذي وصل إلى نهائي كأس الأمم الأفريقية عام 2006 في مصر.
في أبريل/نيسان 2022، تولى مسؤولية المنتخب الوطني للشباب، الذي فشل في التأهل لبطولة كأس الأمم الأفريقية تحت سن 23 سنة المقامة في الجزائر.
واحتفظ به الاتحاد الإيفواري حتى نهاية الموسم، قبل أن ينضم بشكل دائم إلى الجهاز الفني للفيلة، مساعدا للمدرب الفرنسي المخضرم جان لويس جاسكيه، خلال مباريات التصفيات والدور الأول لكأس أفريقيا للأمم 2023 التي تستضيفها بلاده.
واستهلت ساحل العاج بطولة 2023 من بين المرشحين للقب، وفازت على غينيا بهدفين نظيفين. لكنها انهارت في المباراتين التاليتين، وخسرت أمام نيجيريا بهدف، ومن غينيا الاستوائية برباعية.
واحتاج منتخب “الفيلة” إلى نتائج منتخبات أخرى لتحقيق مراده، واستغرق الأمر 3 أيام من الانتظار المؤلم إلى حين نهاية مباريات دور المجموعات قبل أن يحسم أمر التأهل.
وتحقق له ذلك، بعد أن تعادلت موزامبيق مع غانا 2-2، ثم قدّم المغرب لساحل العاج هدية بفوزه على زامبيا، فتأهل “الفيلة” بين أفضل 4 منتخبات تحتل المركز الثالث.
وبحلول ذلك الوقت، تمت إقالة المدرب الفرنسي لويس جاسكيه، وكان منتخب ساحل العاج يأمل الحصول على خدمات مدربه السابق هيرفي رونار، على سبيل الإعارة من منتخب فرنسا للسيدات لإكمال المهمة لكن طلبه قوبل بالرفض.
وفي لحظة أزمة أعلن المنتخب في 24 يناير/كانون الثاني 2024، أنه سيكمل بقية البطولة القارية، تحت قيادة مؤقتة لإيميرس فاي، وصادف ذلك عيد ميلاده الـ40.
استعادة الحلم الغائب
قاد فاي “الفيلة” في وقت كان عليه التحضير فيه لمباراة الدور الـ16، دون وقت كاف لاستيعاب اللاعبين فكره التخطيطي.
لكنه أمسى بطلا قوميا إلى حد أن وصفه كثيرون بـ”المنقذ”، وقيل إنه جاء في حالة طوارئ، فجعل القارة السمراء بأكملها في حالة طوارئ، وسار مشوار “الفيلة” تحت إدارته لتحقيق “المعجزة”.
غير أن المدرب الشاب شدد على أن “المعجزة لم تنزل من السماء وإنما هي من صنع اللاعبين”، حين صنع بكتيبة “الفيلة” نسخة مختلفة في منتصف البطولة القارية، وأظهر ثباتا ذهنيا مبهرا في التغلب على منتخبات كانت مرشحة للفوز باللقب.
وبعدما لم يكن أكثر المتفائلين بتألق ساحل العاج يتوقع لهم تجاوز دور الثمن، بعد الدور الأول المخيب للآمال، إلا إن الحقيقة في الميدان كان لها رأي آخر، وأصحبت ساحل العاج أول بلد مضيف يتوج باللقب منذ 18 سنة على فوز مصر في أرضها بلقب 2006.
وأتم المدرب -الذي أطلقت عليه الصحافة لقب “الاستثنائي”- المهمة باعتلاء العرش القاري مساء الأحد 11 فبراير/شباط 2024 بملعب “الحسن وتارا” في العاصمة أبيدجان، بنهائي كان الأكثر مشاهدة في تاريخ البطولة، إذ نقل عبر 173 إقليما حول العالم.
نجح الشاب “فاي” في نسخة البطولة للعام 2023 في حين فشل فيه لمّا كان لاعبا عام 2006، وتُوّج وهو مدير فني مؤقت بلقب المسابقة القارية للمرة الثالثة في تاريخ منتخب بلاده بعد نسختي 1992 و2015.
وقبل هذا الإنجاز التاريخي، كان لدى لاعب خط الوسط السابق هدف واحد في ذهنه، وهو القيام بعمل أفضل، بعدما ورث “فريقا ميتا” كما وصفه بعد الهزيمة أمام غينيا الاستوائية، واعترف قائلا “مررنا بأيام صعبة نفسيا وذهنيا وعبرنا من الباب الخلفي”.
العودة من الجحيم بوصف الصحافة المحلية والعالمية، منحت منتخب ساحل العاج دافعا معنويا وقوة ذهنية كبيرة، ويحسب لفاي نجاحه في بث روح جديدة إلى اللاعبين داخل غرفة الملابس، ليصبحوا أقوى على مستوى القتال واللعب حتى آخر دقيقة، وتعامل بذكاء على مستوى التبديلات.
وهكذا أصبح “فاي” أحد مهندسي نهضة المنتخب الإيفواري في كأس الأمم الأفريقية، وأصبح أول مدرب يفوز باللقب دون أن يبدأ النسخة مدربا لفريقه، وصاحب اللقب الثالث على التوالي الذي يحققه مدرب وطني مع منتخب بلاده، بعد الجزائري جمال بلماضى عام 2019، والسنغالي أليو سيسيه عام 2021.