ألمانيا تدعو إسرائيل لتوفير “ممرات آمنة” للمدنيين في رفح

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 10 دقيقة للقراءة

اعتبرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية في تقرير لها أن “هوس الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بتاريخ أوكرانيا والشعوب السلافية دفعته إلى إطلاق الصراع الأكثر دموية في القارة منذ الحرب العالمية الثانية”.

وذكرت الصحيفة أن “الدرس المطول الذي ألقاه بوتين في التاريخ الأوروبي خلال مقابلة استمرت ساعتين مع (المذيع الأميركي)، تاكر كارلسون، قبل بضعة أيام، ربما بدا غامضا في نظر العديد من المشاهدين”.

لكن بينما كان بوتين يسرد أحداث القرون الماضية ويستعرض وثائق تعود إلى القرن السابع عشر، كان يشرح وجهات نظر اعتبرها راسخة بشأن الماضي، لكن مؤرخين اختلفوا في العديد منها على نطاق واسع، وهي التي دفعته لغزو أوكرانيا، وفقا للصحيفة.

وفي عام 2008، عندما جلس بوتين مع سفير الولايات المتحدة لدى موسكو آنذاك، ويليام بيرنز، الذي يشغل الآن منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، كان صريحا في التعبير عن رؤيته. وخلال اللقاء تساءل بوتين قائلا: “ألا تعلم أن أوكرانيا ليست دولة حقيقية؟”، بحسب بيرنز.

بوليتيكو: 5 “كذبات” لبوتين وحقيقة واحدة في مقابلته مع إعلامي أميركي شهير

تضمنت المقابلة النادرة التي أجراها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، مع مذيع التلفزيون الأميركي تاكر كارلسون، جملة من المغالطات التي رصدها موقع “بوليتيكو” في تقرير نشره، الجمعة.

وبحسب الصحيفة، فإن تحركات بوتين منذ عام 2008 وغزوه الأولي لأوكرانيا عام 2014 وضم شبه جزيرة القرم، وصولا إلى الحرب واسعة النطاق التي شنتها موسكو في عام 2022، “تنبع جميعها من هذه القناعة”.

وتقاوم الدولة الواقعة في أوروبا الشرقية التي يصفها بوتين بأنها “مصطنعة”، محاولات موسكو منذ ما يقرب من عامين، لإنهاء استقلالها وطمس هويتها، حيث استعادت نصف الأراضي التي كانت محتلة في البداية.

ووفقا لما نقلته صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين استخباراتيين غربيين، فقد أمضى الرئيس الروسي قدرا طويلا من الوقت خلال جائحة كورونا في دراسة نصوص تاريخية.

وكانت النتيجة أطروحة بعنوان “حول الوحدة التاريخية بين الروس والأوكرانيين”، نُشرت في يوليو 2021 وقُرئت على كل فرد من أفراد القوات المسلحة الروسية قبل الغزو الذي بدأ في فبراير 2022.

ووفقا لرواية بوتين، فإن “الهوية الأوكرانية هي من اختراع عدو روسيا، الإمبراطورية النمساوية المجرية، في أوائل القرن العشرين”.

وقال لكارلسون في المقابلة إن فكرة “أن الأشخاص المقيمين في تلك المنطقة لم يكونوا روسا حقا، بل ينتمون إلى مجموعة عرقية خاصة، الأوكرانيين، بدأ الترويج لها من قبل هيئة الأركان العامة النمساوية”.

وفي أوائل القرن العشرين، أصبحت أجزاء من أوكرانيا الخاضعة للحكم النمساوي آنذاك، مثل مدينة لفيف، مراكز للحياة الفكرية الأوكرانية – ولكن هذا جاء فقط لأن الكتاب والمؤرخين والشعراء من كييف اضطروا إلى البحث عن ملجأ هناك بسبب حظر روسيا استخدام اللغة الأوكرانية.

وفي عام 1847، تم اعتقال الشاعر الأوكراني، تاراس شيفتشينكو، بسبب كتابته قصائد وطنية وتم تجنيده وإرساله قسرا إلى آسيا الوسطى. وسُمح له بالعودة إلى أوكرانيا بعد أكثر من عقد من الزمن، ليتم اعتقاله مرة أخرى.

وقالت “وول ستريت جورنال”، “إن بوتين، الذي تحدث ذات يوم عن قراءة شيفتشينكو باللغة الأوكرانية عندما كان طالبا، لم يعد يذكره في نسخته من التاريخ؛ لأن هذا من شأنه أن يعترف بأن الأدب الأوكراني يسبق المكائد المزعومة لهيئة الأركان العامة النمساوية المجرية.

وبحسب الصحيفة، يبقى الاعتراف بأن اسم أوكرانيا كان مستخدما لقرون من الزمن، وصار من المحرمات في روسيا في عهد بوتين، مشيرة إلى أن رئيس المحكمة الدستورية الروسية، فاليري زوركين، سلمه في مايو الماضي، خريطة تعود إلى القرن السابع عشر تم العثور عليها في أرشيف المحكمة، وقال المسؤول الروسي، إنها لا تظهر أي وجود لأوكرانيا في ذلك الوقت.

ووفقا للمصدر ذاته، كان بوتين سعيدا وهو يتفحص الخريطة، موضحا مرة أخرى كيف نشأت أوكرانيا نتيجة للثورة الروسية في عام 1917، وهي الفكرة التي كررها خلال لقائه الصحفي الأخير، قائلا: “لقد خلقت السلطات السوفييتية أوكرانيا السوفييتية. الجميع يعرف ذلك جيدا. وقبل ذلك، لم تكن هناك أوكرانيا في تاريخ البشرية”.

“خرافات بوتين”

وفي قراءته للمحاضرة المطولة التي ألقاها بوتين خلال لقائه مع كارلسون، يقول الكاتب الصحفي بيتر ديكنسون، في مقال على موقع مركز “أتلانتيك كاونسل” للبحوث، إنها، تحمل رسالة أساسية “بسيطة إلى حد مخيف”، ومفادها بأنه: “ليس لأوكرانيا الحق في الوجود”، وبأن “مبرراته كانت قوية لشن حرب عدوانية لاستعادة الأراضي الروسية تاريخيا”.

ويورد ديكنسون في مقاله الذي رد فيه على ما اعتبره عددا من “الأكاذيب التي روجها بوتين بشأن تاريخ أوكرانيا”، أن “الحجج التاريخية المحرفة” التي دفع بها “مؤشر واضح على الأوهام الخطيرة والطموحات الإمبريالية التي دفعته إلى غزو أوكرانيا”.

وأوضح أن تصريحات الرئيس الروسي الأخيرة “ليست غريبة أو جديدة”، لافتا إلى أنه سبق له أن أخضع جماهيره في روسيا، لـ”خطب طويلة تتناول بالتفصيل مظالم روسيا التاريخية والمظالم التي ارتكبت في تسوية ما بعد الاتحاد السوفييتي، وكانت فيها أوكرانيا دائما محور تركيزه الرئيسي”.

من جهته، سلط مقال للصحفي والكاتب الروسي، ميخائيل زيغار، نشر في صحيفة “التايمز”، الضوء على ما اعتبره “هوس بوتين بالتاريخ”، موضحا أنه منذ عام 2023، أُجبر جميع طلاب المدارس الثانوية الروسية على دراسة التاريخ من خلال كتاب مدرسي، ألفه وزير الثقافة السابق، فلاديمير ميدينسكي، فيما اعتبره “مثالا للدعاية المرعبة”، التي شبهها بأحد الكتب المدرسية التي تحدث عنها جورج أورويل في روايته 1984”.

وعدّد زيغار صاحب كتاب “كل جيش الكرملين”، مجموعة من “الخرافات” التي ذكرها بوتين خلال المقابلة الصحفية الأخيرة، خاصة حديثه عن أنه “لا يوجد شعب أوكراني”، وأن الأوكرانيين روس”.

في هذا الجانب، يقول زيغار، إن هذه الفكرة ليست جديدة، حيث أن العديد من الكتاب والمؤرخين الروس متواطئون في نشر هذه الأسطورة الكاذبة، على مدى الـ 350 سنة الماضية.

ويضيف أن وصف الأوكرانيين بأنهم روس، بدأ في القرن السابع عشر، مع راهب ألماني، يُدعى إينوكينتي جيزل، وهو مواطن من كونيغسبيرغ نشأ في عائلة بروتستانتية، لكنه انتقل إلى كييف في شبابه واعتنق الأرثوذكسية، في الوقت الذي كانت فيه أوكرانيا جزءا من الكومنولث البولندي الليتواني، وهي دولة سابقة تشكلت بعد اتحاد لوبلين بين مملكة بولندا ودوقية ليتوانيا في 1569.

وكان الراهب الألماني الذي يرأس الدير الرئيسي في كييف، شخصية سياسية مهمة، يرى أن المسلمين، أي الإمبراطورية العثمانية، وكذلك الغرب، والكاثوليك، وخاصة أولئك الذين يعيشون في بولندا والنظام اليسوعي، يشكلون تهديدا كبيرا للأرثوذكسية، ولكييف، وأوكرانيا بأكملها.

وبحسب زيغار، قرر الراهب جيزل العثور على شريك سياسي موثوق من أجل حماية أوكرانيا، وكان أن لجأ إلى “قيصر موسكو”، ومارس عليه ضغطا أخلاقيا، وتلاعب بالحقائق في كتاب ألفه لإثبات أن صلات موسكو وكييف قوية وأنهما أمة وشعب واحد يجمعهما تاريخ مشترك، وبالتالي فإن من واجب القيصر مساعدة كييف، والدخول في تحالف عسكري مع الأوكران في حربهم ضد بولندا.

وبحسب الكاتب، تحول الكتاب الذي ألفه الراهب الألماني من أجل إقناع القيصر والساسة الروس إلى مرجع تاريخي اعتمده باقي المؤرخين الذين أعقبوه واستندوا إليه من أجل كتابة تصورهم للتاريخ الروسي، وفي القرن الحادي والعشرين، يصدق بوتين ذلك ويعمل على الترويج لهذه الأسطورة.

وتحدث الكاتب ميخائيل زيغار، أيضا عن “خرافة” أن شبه جزيرة القرم روسية، وأنها مهد الحضارة الأرثوذكسية الروسية، التي رددها بوتين في اللقاء.

واعتبر زيغار، أن ملكية شبه الجزيرة، كانت مثار نقاش سياسي حاد في روسيا، خلال القرن الحالي، حيث تؤكد دعاية بوتين على الدور الكبير الذي لعبته، كاثرين العظيمة، في تنمية شبه جزيرة القرم وجنوب أوكرانيا، وكأن الحياة لم تكن موجودة هناك قبلها، وفق الكاتب الروسي.

ويوضح زيغار عبر سرد مجموعة من المعطيات والأحداث التاريخية، أن أراضي روسيا الحديثة كانت لفترة طويلة تابعة لشبه جزيرة القرم، وليس العكس، حيث كانت خانية القرم لعقود، منطقة قوية يتمتع زعماؤها بقوة كبيرة، وكانوا محل إشادة قياصرة موسكو حتى في عهد بطرس الأكبر.

وفيما يتعلق بمزاعم بوتين بدعم الأوكرانيين للنازية والحاجة لتطهيرها منها، يقول زيغار، إنها تستند على أسطورة “شعبية وخبيثة”، تتعلق بتحالف زعيم منظمة القوميين الأوكرانيين خلال الحرب العالمية الثانية، ستيبان بانديرا، مع النازية، إبان الحكم السوفياتي، مشيرا إلى أن القادة السوفيات وأجهزة مخابراتهم، روجوا لهذه المؤامرة في مواجهة مطالب الأوكران بالاستقلال، من خلال كتب ومؤلفات وأعمال فنية أخرى.

من جانبها، اعتبرت صحيفة “واشنطن بوست”، أن المحاضرة التاريخية “المليئة بالأكاذيب” التي ألقاها بوتين، كانت موجهة إلى التركيبة السكانية التي تتابع المذيع المحافظ تاكر كارلسون، والذين قالت إنها تتشكل من المؤيدين الجمهوريين للرئيس السابق، دونالد ترامب، والذين لا يخفي الكثير منهم إعجابهم بالزعيم الروسي ويعبرون عن رفضهم لدعم الولايات المتحدة لأوكرانيا.

ووفقا للصحيفة، بدا بوتين حريصا على إقناعهم بأن أوكرانيا تنتمي بحق إلى روسيا، وبأن الرئيس الأميركي، جو بايدن، والأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، هما اللذان يطيلان أمد الحرب.

وفيما ذكرت الصحيفة، أن هدف بوتين من المعلومات التي استعرضها لم يكن الدقة أو الموضوعية، ولكن بالأحرى إغراق المشاهدين بـ”تسونامي من الحقائق والتواريخ، وإثارة إعجابهم بسعة اطلاعه”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *