غزة- بالتزامن مع تعالي الأصوات في إسرائيل تلويحا بعملية عسكرية واسعة في مدينة رفح تشهد هذه المدينة في أقصى جنوب قطاع غزة على الحدود مع مصر استهدافا لدوريات الشرطة المكلفة بحفظ الأمن وتأمين شاحنات المساعدات الإنسانية.
وخلال الأيام الأربعة الماضية استشهد 12 من قادة وعناصر الشرطة التابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في مدينة رفح جراء غارات جوية إسرائيلية استهدفت سياراتهم الشخصية وسيارات رسمية مميزة بألوان وعلامات الشرطة وتعمل على ضبط الحالة الأمنية وتأمين شاحنات المساعدات الواردة من معبر رفح البري مع مصر.
وتضع أوساط فلسطينية هذا الاستهداف في سياق “مخطط ممنهج” هدفه إرباك الجبهة الداخلية وخلق حالة من الفوضى والفلتان الأمني تسعى إليها إسرائيل، تزامنا مع تلويحها بشن عملية عسكرية برية واسعة في مدينة رفح التي تؤوي -بحسب المكتب الإعلامي الحكومي- زهاء 1.4 مليون نسمة يمثلون أكثر من نصف سكان القطاع.
وتعقيبا على عمليات الاستهداف المتنامية ضد شرطة رفح، قال مديرها العميد رياض القاضي إنها “جريمة مخالفة للقانون الدولي والإنساني”، وتهدف إلى “ضرب الجبهة الداخلية”.
وفي تصريحات له عممتها الشرطة، قال القاضي إن “عناصر الشرطة معروفون ومنتشرون في الشوارع والأماكن العامة بزيهم الرسمي (..)، والشرطة بكافة إدارتها تواصل العمل على مدار الساعة لتأمين الجبهة الداخلية، وتنظيم الأمور الحياتية اليومية، وحماية المؤسسات العامة والأسواق في ظل العدوان الإسرائيلي الغاشم على الشعب الفلسطيني”.
وطمأن مدير الشرطة سكان رفح والنازحين إليها بأن قوى الشرطة “ستواصل القيام بمهامها للحفاظ على الأمن والاستقرار، وستبقى إلى جانبهم رغم الاستهداف، ولن نتراجع عن ذلك مهما كانت التضحيات”.
لماذا شرطة رفح؟
بدوره، يرى أستاذ العلوم السياسية الدكتور حسام الدجني في هذا الاستهداف المركز والمتنامي ضد الشرطة مخططا من إسرائيل تسعى من خلاله إلى “خلخلة الأمن الداخلي وضرب الحاضنة الشعبية والجبهة الداخلية في قطاع غزة”.
وهذا الاستهداف -برأي الدجني- هو حلقة من مسلسل إسرائيلي كبير لم يستثن شاحنات المساعدات، ومن بينها مساعدات تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) واستهداف 120 شخصا من القائمين بالعمل الإغاثي في المؤسسات الدولية، وكذلك استهداف موظفين تابعين لوزارة التنمية الاجتماعية في السلطة الفلسطينية برام الله.
واستنادا إلى ذلك يعتقد الدجني في حديثه للجزيرة نت أن العملية متكاملة ضمن إطار حرب على الإنسانية، وهي جزء من حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل للشهر الخامس على التوالي.
ولا يستبعد الدجني أن يكون استهداف الشرطة والتضييق على منظومة العمل الإنساني محاولة من إسرائيل لـ”تقليم أظافر كل منظومة العمل الشرطي والأمني والإنساني في رفح من أجل التمهيد لعملية برية واسعة، وقد يكون من أجل الضغط لتحقيق مكاسب في عملية التفاوض (صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار) بالقاهرة”.
تقويض حكم حماس
من جهته، يقول المحلل السياسي إبراهيم المدهون للجزيرة نت إن “الاحتلال معني بإحداث فراغ في قطاع غزة والضغط على الحاضنة الشعبية عن طريق الفوضى وزعزعة الأمن من أجل أن يتحول الشعب الفلسطيني من حالة صمود وتماسك وتنظيم إلى حالة تشتت وتشريد وفوضى”.
ومن بين أهداف الاحتلال لاستهداف الشرطة -وفقا للمدهون- “ضرب جميع مشاهد ومظاهر سيادة الحكومة التي تقودها حماس لإظهار أنه حقق إنجازا ملموسا، وبعدما استهدف المنظومة الصحية والتعليمية وكل مفاصل الحياة ومرافقها في قطاع غزة يريد الآن تدمير المنظومة الأمنية من أجل تقويض أي استقرار عنوانه حركة حماس”.
وقال “إن الاحتلال يريد خلق وقائع جديدة يستطيع من خلالها التحكم بشكل ومستقبل قطاع غزة بعد الحرب، ولذلك يحارب كل مظاهر الأمن والاستقرار بكل السبل”.
مخططات الفوضى
وفي بيان موقف، قالت “الجبهة الداخلية” -وهي منصات رقمية تساند المقاومة الفلسطينية- إن الشرطة شكلت “درع المقاومة الحصين ووقفت سدا منيعا أمام محاولات العابثين بالأمن الداخلي والساعين لإثارة الفوضى والتعدي على الحقوق وتجاوز القانون، وقامت بتأمين شاحنات المساعدات الإنسانية -ولا سيما إلى محافظتي غزة والشمال- رغم الخطورة الشديدة التي ترافق تلك المهمات”.
وثمنت الجبهة الداخلية “دور الشرطة والأجهزة الأمنية في حماية ظهر المقاومة والتصدي للمخالفات الأمنية والاقتصادية ومكافحة الجرائم وملاحقة المشبوهين”.
ومن أجل استمرارية هذا الدور دعت إلى “تكاتف الجهود من مختلف شرائح شعبنا وأطيافه، وليقف الجميع أمام مسؤولياته من أجل الحفاظ على الأمن والسلم المجتمعي وحماية ظهر المقاومة”.
وكأحد الحلول لمواجهة هذا المخطط يقترح الدجني تشكيل “خلايا ولجان أحياء في المناطق والحواري والمخيمات لكبح كل من تسول له نفسه القيام بأفعال لا تخدم إلا الاحتلال وتدعم مخططاته بإشاعة الفوضى”.
وليس بعيدا عما اقترحه الدجني يدعو المدهون المنظومة الأمنية والشرطية إلى ابتكار أدوات لتجنب الاستهداف الإسرائيلي بالتمويه وإخفاء التحرك اللافت في الميدان، وابتداع سبل جديدة تستطيع من خلالها القيام بدورها في التعاون مع القوى الشعبية والعشائر بالمدن والأحياء.