القاهرة- يترقب المصريون العاملون في الجهاز الإداري بالدولة دخول أكبر زيادة من نوعها في الأجور، والتي أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرا بنسبة 50%، حيز التنفيذ مطلع الشهر الجديد، وسط مخاوف من خفض آخر للعملة المحلية (الجنيه) بشكل حاد.
وتهدف الحزمة، غير المسبوقة، إلى تخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين بشكل عاجل، واحتواء أكبر قدر من تداعيات الأزمات والاضطرابات الاقتصادية الخارجية وتأثيراتها الداخلية، بحسب بيان مجلس الوزراء.
ومن جانبه نفى وكيل وزارة المالية أحمد السيد ما يتردد حول أن إقرار تلك الحزمة الاجتماعية مرتبط بأي أمور اقتصادية مقبلة، في إشارة إلى قرار خفض الجنيه الوشيك استجابة لشروط صندوق النقد الدولي.
أكبر زيادة من نوعها
وتعد هذه الزيادة الثانية خلال أقل من عام -وتبلغ تكلفتها 180 مليار جنيه (5.8 مليارات دولار). وكانت الزيادة الأخيرة في الأجور بقيمة 500 جنيه لتصل إلى 4 آلاف جنيه في سبتمبر/أيلول الماضي، كما تعد السادسة خلال 5 سنوات في مؤشر على استمرار الوقوع في دوامة الغلاء وانخفاض الجنيه.
وتشمل الحوافز مختلف المستويات الوظيفية بدءا من الدرجة السادسة وحتى الدرجتين العالية والممتازة، ويستفيد منها 4.5 ملايين موظف بتكلفة سنوية بنحو 16.4 مليار جنيه.
كما يستفيد العاملون بالهيئات العامة الاقتصادية -وعددهم نحو 336.4 ألف موظف- من هذه الزيادة أيضًا بتكلفة سنوية تصل لنحو 1.2 مليار جنيه، بحسب وزير المالية.
وأصدر الرئيس السيسي، قبل أيام، حزمة اجتماعية عاجلة، وصفها الإعلام المحلي بالأكبر من نوعها، يتم تنفيذها اعتبارا من الشهر المقبل، تتضمن:
- رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 50%، ليصل إلى 6 آلاف جنيه شهريا (نحو 195 دولارا).
- زيادة أجور العاملين بالدولة والهيئات الاقتصادية ما بين بين ألف و1200 جنيه شهريا بحسب الدرجة الوظيفية.
- تطبيق حافز إضافي يبدأ من 500 جنيه للدرجة السادسة، ويزيد بقيمة 50 جنيها لكل درجة ليصل إلى 900 جنيه.
- زيادة المعاشات 15% لـ13 مليون مواطن، وزيادة معاشات “تكافل وكرامة” 15%.
- زيادات إضافية لأجور أعضاء المهن الطبية والمعلمين وأعضاء هيئة التدريس .
- رفع حد الإعفاء الضريبي إلى 60 ألف جنيه بنسبة 33% لجميع العاملين بالدولة بمن فيهم القطاع الخاص.
وتبلغ مخصـصـات الأجور وتعويضات العاملين في مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2023/2024 نحو 470 مليار جنيه أو ما يعادل نحو 15.2 مليار دولار (4.0% من الناتج المحلي الإجمالي).
تعويم الجنيه والأجور تطير
واستبعدت الخبيرة المصرفية والاقتصادية سهر الدماطي أن يكون قرار الحزمة الاجتماعية مرتبطا بقرار آخر وشيك يتعلق بخفض الجنيه، وقالت إن “خفض الجنيه قرار اقتصادي الغرض منه الوصول إلى سعر توازني بين الطلب والعرض، ولكن ما يحدث هو أن الأسواق تستغل القرارات الحكومية الخاصة بزيادة معدلات الفائدة أو زيادة الأجور من أجل زيادة الأسعار”.
وأعربت الدماطي -في تصريحات للجزيرة نت- عن اعتقادها أن الحزمة الاجتماعية الكبيرة الجديدة ليس من أجل تعويض الزيادات الماضية في الأسعار خاصة أن هناك زيادة قريبة قبل أقل من عام، ولكنها تأتي بعد دراسة تأثير التطورات الاقتصادية على الأسعار ما بين المرتين. مع الأخذ في الاعتبار أن نسبة التضخم وصلت إلى 40% العام الماضي، وأثقلت كاهل الطبقات الهشة والمتوسطة، وكان لابد من إعادة النظر إلى الناحية الاجتماعية حتى يستطيع الناس أن يعيشوا ويواصلوا.
وفيما يتعلق بكيفية تدبير تلك المخصصات في ظل عجز الموازنة، أوضحت الدماطي أن الدولة تعيش على عجز موازنة منذ عقود بسبب الزيادة السكانية المطردة، وحجم مخصصات الدعم، ولكن “أعتقد أن برنامج التقشف الجديد بوقف المشروعات الجديدة، وتقليل فاتورة الواردات، سوف يوفر مبالغ كبيرة لدعم الحزمة الاجتماعية”.
وأشارت إلى أن الاتفاق الوشيك مع صندوق النقد الدولي يتضمن مخصصات مالية لتوفير مظلة حماية اجتماعية للطبقات الفقيرة والهشة، والعمل على تقليل العجز في موازنة الدولة، مع الأخذ في الاعتبار أن مصر تمر بفترة استثنائية بدأت بأزمة تفشي فيروس كورونا مرورا بالحرب الروسية الأوكرانية ثم حرب غزة وتداعياتها، مما أثر على موارد الدولة.
العجز في الميزانية الحالية
- 849 مليار جنيه (27.5 مليار دولار) عجز نقدي (الفرق بين المصروفات والإيرادات).
- 1120 مليار جنيه (36.3 مليار دولار) قيمة فوائد الدين العام المحلي والخارجي.
- 1316 مليار جنيه (42.6 مليار دولار) قيمة الأقساط الواجب سدادها من الدين العام.
- وبذلك تصل أعباء الدين العام ما قيمته 2436 مليار جنيه (نحو 79 مليار دولار) أو ما نسبته 114% من إجمالي الإيرادات العامة للدولة البالغة 2142 مليار جنيه (69.3 مليار دولار).
الزيادة تذهب في الزيادات
ليس بالإمكان أفضل مما كان، كما يقول أشرف حسني، عضو مجلس إدارة شعبة المواد الغذائية بالغرف التجارية بالقاهرة، مشيرا في حديثه للجزيرة نت إلى أن “زيادة جديدة في الأجور لا تعوض الارتفاعات الكبيرة في الأسعار، والقرار هو من أجل مراعاة الظروف الاقتصادية الصعبة بسبب تدني قيمة الجنيه وارتفاع الأسعار”.
ولكنه أعرب عن توقعه أن يكون القرار يمهد لخفض جديد للجنيه، وبالتالي زيادة أسعار السلع والخدمات الأساسية التي أصبحت تكلف الدولة كثيرا مثل الوقود والمياه وغيرها.
وفي الوقت الذي يتوقع أن ينعكس فيه القرار بالإيجاب على موظفي الدولة، يرى حسني أنه لن يستفيد منه العاملون في القطاعات الأخرى وأعدادهم نحو 5 أضعاف موظفي الدولة، ولكنه قد يكون محفزا لموجة جديدة من زيادة الأجور يستفيد منها الجميع وبالتالي سوف تنعكس على أسعار الخدمات المقدمة للمواطنين.
ويٌقدر عدد العاملين بالقطاع الخاص بنحو 21 مليون عامل، بينما يبلغ عددهم في القطاع غير الرسمي (الموازي) نحو 7 ملايين عامل.
ويستوعب القطاع الخاص 80% من المشتغلين في مصر، مقابل 20% يعملون لدى الحكومة والقطاع العام وشركات قطاع الأعمال العام.
وفيما يتعلق بالحد الأدنى للأجور بالقطاع الخاص، قال وكيل المالية إن المجلس القومي للأجور هو المعني بأجور القطاع الخاص لتكون أقرب للزيادات بالقطاع الحكومي.
شعور “كاذب” بزيادة الأجور
في المقابل، يعتقد الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار أن “قرار زيادة الحد الأدنى للأجور محاولة لإنقاذ الموظفين من غول التضخم، ومؤشر مهم على أن الدولة مقبلة على تخفيض قيمة الجنيه، أي تمويل لأي غرض دون موارد حقيقية يسهم في إشعال التضخم وزيادة العجز في الموازنة العامة للدولة”.
وأوضح، في حديثه للجزيرة نت، أنه ونظرا لأن عجز الموازنة يتزايد بالفعل منذ السنة المالية الأخيرة حتى الآن فإن هذه الزيادة ذات طابع تضخمي، ومن المحتمل أيضا زيادة المعاشات لكل الموظفين بمن فيهم الوزراء والسفراء السابقون.
ويعاني كل أصحاب الدخل الثابت من محنة حقيقية -حسب نوار- وكذلك للمستفيدين من مدفوعات الضمان الاجتماعي مثل برنامج تكافل، وهذه الزيادات ذات تأثير سلبي على الاقتصاد، ولكنها تخلف شعورا كاذبا لدى المستفيدين بأن دخلهم زاد، ولذلك يتوقع أن يعود معدل التضخم للارتفاع بعد أن كان قد اتجه للانخفاض الشهرين الأخيرين.