في قرية مغربية نائية، ضربها كغيرها من القرة المحيطة في جبال الأطلس، الزلزال المدمر في التاسع من سبتمبر، وأصبحت شاهدة على حجم المأساة التي لا يزال السكان يواجهونها، إلا أن “فاطمة الزهراء” بعثت الأمل في نفوسهم، بعد أن وُلدت تحت الأنقاض.
واستعرضت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، تفاصيل ما حدث، موضجة أنه أثناء الهروب من الدمار والموت الذي خلفه الزلزال في وادٍ بإقليم تارودانت، كانت عائلة مغربية تأمل في الترحيب بحياة جديدة لجنين لا يزال في بطن أمه.
وأدى الزلزال، وهو الأقوى الذي يضرب المغرب منذ أكثر من قرن، إلى مقتل أكثر من 2900 شخص، معظمهم في القرى الصغيرة النائية في الجبال، بالقرب من مدينة مراكش جنوب غربي البلاد.
هناك، كانت تعيش السعدية بوكدير (32 عاما)، التي يعمل زوجها إبراهيم بلحاج (38 عاما)، في أغادير، وجاء قبل وقوع الكارثة بـ3 أيام، لاستقبال مولوده الجديد.
ويقع الوادي الذي يعيشون به، في إقليم تارودانت، على بعد أقل من 100 كيلومتر من مركز الزلزال، والذي لا يمكن الوصول إليه إلا عن طريق السفر لساعات صعودا ونزولا على الطرق الترابية المتعرجة والوعرة.
“كنت خائفة جدا”
كانت بوكدير تشعر بالقلق من أن يموت جنينها كما مات جيرانها جراء الزلزال الذي أدى إلى تشقق الجدران وقذف صخور عملاقة أسفل المنحدرات، ودفن الناس في منازلهم المبنية من طوب اللبن والصخر.
وقالت بهدوء لصحيفة “نيويورك تايمز”: “كنت أتمنى فقط أن أبقى على قيد الحياة. كنت خائفة جدا من أن الصدمة التي عانينا منها ستقتل الطفل”.
عندما وقع الزلزال، كان معظم أفراد الأسرة في الفناء الخارجي للمنزل، لكن ابنتهما إلهام البالغة من العمر 8 سنوات، نامت داخل المنزل، وكانت محاصرة تحت السقف والجدار المائل.
في المناطق النائية.. زلزال المغرب يضاعف معاناة المزارعين
لم يبق من قريته سوى ركام، وفرغ حقله المزروع بأشجار التفاح من الثمار قبل أوانه، لكن محمد المتوكل “لن يبارح أرضه” التي تشكّل شريان حياة لهذا القرويّ على غرار كثر في هذه المنطقة الجبلية من المغرب المدمرة جراء الزلزال.
وساعد إلهام اثنان من أقاربها، بما في ذلك عمها، لحسن بلحاج، وهو أحد السكان القلائل الذين تجاهلوا الهزات الارتدادية بسبب نداءات المساعدة، وغامروا بالعودة إلى داخل المنازل المنهارة. وقال لحسن: “كان هدفي الوحيد هو إنقاذ الناس”.
وأنقذ لحسن بلحاج 8 أشخاص من جيرانه، وجمع بعض البطانيات لعائلته حتى لا يتجمدوا في الليالي الباردة، وفقا للصحيفة الأميركية.
لكن بوكدير على وشك الولادة، وكان يجب عليهما المغادرة، للتوجه إلى المكان الوحيد في القرية الذي تحول إلى مخيم للمشردين ممن لا مأوى لهم، حيث وضعت العائلات الأقمشة لتحمي ممتلكاتها القليلة التي انتشلتها من المنازل.
وقال بلحاج عن زوجة أخيه: “كنا نعلم أنها إذا بقيت هنا فستموت. لم يكن هناك شيء مؤكد”.
وساعد لحسن شقيقه إبراهيم في محاولة النزول إلى أقرب مستشفى مع زوجته عبر طريق صخري شديد الانحدار، فوق جدول كان يغمر الطريق.
وكان إبراهيم يسند زوجته بوكدير على أحد جانبيها أثناء محاولتهما النزول، فيما يدعمهما لحسن من جهة أخرى، قبل أن يصلوا إلى منطقة رملية بعد ساعة ونصف.
“40 دقيقة ثمينة”
ووصل الثلاثة إلى قرية واوزراكت المدمرة جراء الزلزال هي الأخرى، بعد أن تضررت جميع المنازل الـ30 في القرية، وتوفي فيها 5 أشخاص، وفقا لما ذكره، حسن أوبوقدير، وهو رئيس إحدى منظمات التنمية المحلية.
وقال أوبوقدير: “لقد كان الأمر رائعا، لكن كل شيء تغير في 6 ثوان”.
غضب وترقب.. سكان القرى النائية في انتظار “المساعدات البطيئة” بعد زلزال المغرب
بعد أكثر من 48 ساعة على الكارثة، لا يزال رجال الإنقاذ في المغرب يكافحون للوصول إلى القرى الجبلية النائية التي تضررت بشدة جراء الزلزال المدمر.
في تلك القرية وأثناء وجود بوكدير، وصلت مجموعة من مدينة أولاد تايمة إلى الجنوب الغربي، محملة بالإمدادات الإغاثية للسكان المنكوبين.
وفي طريق عودة هذه المجموعة نزولا، حملوا فراشا في الجزء الخلفي من شاحنتهم الصغيرة لنقل بوكدير إلى المستشفى.
كان طريق النزول وعرا أيضا، ولم يكن المسار الرملي مناسبا لحالات طارئة مثل وضع بوكدير التي تقترب من المخاض. وكان الطريق عبارة عن مسار واحد، مما تطلب من الشاحنة مواجهة مركبات أخرى كانت تحمل مساعدات للقرى الجبلية.
وقال إبراهيم بلحاج: “في مرحلة ما انتظرت الشاحنة 40 دقيقة ثمينة، قبل أن تستطع إكمال مشوارها، بسبب قدوم مركبات بالاتجاه المعاكس”، مضيفا: “كنت أفكر فقط في إنقاذ زوجتي”.
وعقب وقت قصير من وصولها إلى المستشفى، أنجبت بوكدير طفلة أطلقا عليها اسم “فاطمة الزهراء”. وبعد بضعة أيام، استُقبل إبراهيم بالتهاني والأحضان بينما كان يسير على نفس الطريق الذي تعثرت فيه زوجته بعد الزلزال.
وخلال الوقت الراهن، سيقيمون في الوادي بمنزل أحد أقاربهم، كون الملاجئ القماشية المؤقتة ليست آمنة للرضيعة التي وصفها والدها بـ “النعمة”.