بعد بوادر ازدادت وتيرتها خلال العام الماضي، بشأن إمكانية التوصل إلى سلام ينهي المعاناة التي يعيشها اليمن منذ نحو 8 سنوات، وتحديدا منذ انقلاب الحوثيين الموالين لإيران على الحكومة الشرعية، اندلعت الحرب بين حركة حماس في قطاع غزة وإسرائيل، لتجر معها المنطقة إلى توترات إقليمية زادت المشهد تعقيدا وأثرت على فرص السلام هذه.
وخلال العام الماضي، قبل إقدام الحوثيين على مهاجمة السفن في البحر الأحمر بذريعة دعم الفلسطينيين في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس، كان اتفاق “السلام” بين اليمن والتحالف الذي تقوده السعودية يلوح في الأفق، لكن مع ما يحدث من توترات أمنية، تتضاءل الفرصة يوما بعد يوم.
المبعوث الأميركي الخاص لليمن، تيم ليندركينغ، بدأ مؤخرا جولة إلى منطقة الخليج، لبحث سبل التخفيف من التوترات الإقليمية، ووضع حد لهجمات الحوثيين التي تقوض حرية الملاحة، وتعرقل إحراز التقدم في عملية السلام في اليمن.
وأكد بيان للخارجية الأميركية، أن واشنطن “تعمل بشكل وثيق.. لدعم جهود السلام برعاية الأمم المتحدة، والتخفيف من الأزمتين الإنسانية والاقتصادية المعقدتين، اللتين تثقلان كاهل الشعب اليمني”.
ويجدد ليندركينغ في لقاءاته بمسؤولين في المنطقة، “تركيز” واشنطن على “ضمان تحقيق السلام الدائم للشعب اليمني”.
ويقول محللون تحدثوا لموقع “الحرة”، إن مسار السلام في اليمن قد لا تظهر ملامحه بشكل واضح “إلا بعد انتهاء الحرب في غزة”، وهذا ما يؤكد أهمية الجهود الأميركية في “التهدئة في الشرق الأوسط، واتباع مسار حل الدولتين في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”، لقطع الطريق أمام من يستخدم النزاع كذريعة لـ”تفجير حروب أخرى في المنطقة”.
وقال السفير الأميركي في اليمن، ستيفن فاغن، في منشور عبر منصة إكس: “تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية سيدخل حيز التنفيذ نهاية الأسبوع المقبل، إذا لم توقف الميليشيا هجماتها على السفن”.
السفير الأمريكي فاجن: ”تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية سيدخل حيز التنفيذ نهاية الأسبوع المقبل إذا لم توقف الميليشيا هجماتها على السفن“. pic.twitter.com/s5RVHkxZqc
— U.S. Embassy to Yemen السفارة الأمريكية لدى اليمن (@USEmbassyYemen) February 9, 2024
وأسفرت جهود الوساطة بين الحوثيين والسعوديين عن “خارطة طريق غير رسمية” لنحو 3 أعوام، وهو ما تأمل الأمم المتحدة أن يصبح أساسا لحل طويل الأمد ومستدام للصراع، بحسب ما نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، عن مسؤوليين أميركيين وسعوديين ويمنيين ومسؤولين من الأمم المتحدة، في تقرير سابق لها.
وأشارت الصحيفة إلى أن المحادثات كانت تتجه نحو المزيد من النجاح هذا العام، لكن “الحرب في غزة تهدد بقلب المفاوضات الحساسة بين أطراف الصراع”.
واندلع النزاع في اليمن عام 2014، مع سيطرة الحوثيين على مناطق شاسعة في شمال البلاد، من بينها العاصمة صنعاء. وفي العام التالي، تدخلت السعودية على رأس تحالف عسكري دعماً للحكومة الشرعية في اليمن، مما فاقم النزاع الذي خلف مئات آلاف القتلى. وتراجعت حدة القتال بشكل ملحوظ منذ إعلان هدنة في أبريل 2022.
توترات البحر الأحمر وفرص السلام
محمد الباشا، كبير محللي الشرق الأوسط لدى مجموعة “نافانتي” الاستشارية الأميركية، قال إنه رغم “الاختراقات التي حققتها المفاوضات” مع السعودية، والتي لعبت فيها سلطنة عُمان دورا مهما خلال الفترة السابقة، فإن “التوترات الإقليمية تلقي بظلالها على فرص السلام في اليمن”.
وقال في حديث لموقع “الحرة”، إن مفاوضات السلام كانت قد توصلت لـ”رؤى لحلحلة الأزمة، لا سيما بعد المفاوضات بين الرياض وصنعاء، والتوافق على خارطة طريق لحل أزمة اليمن”.
وأواخر عام 2023، أعلن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أن طرفي النزاع في اليمن “التزما بالانخراط في عملية سلام” تقودها الأمم المتحدة، كجزء من خريطة طريق لإنهاء الحرب.
المبعوث الأميركي الخاص لليمن، ليندركينغ، قال في تسجيل مصور نشر الثلاثاء، إن جهودا دبلوماسية جارية لمحاولة الحد من نشاط مسلحي حركة الحوثي في اليمن، حتى تتوقف هجماتهم على السفن في البحر الأحمر، بحسب تقرير لوكالة رويترز.
وأشار ضمن هذه الجهود، إلى المحادثات التي أجراها في عُمان مؤخرا وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، ونائب وزير الخارجية النرويجي، بالإضافة إلى المبعوث الخاص للأمم المتحدة، هانس غروندبرغ.
واتهم ليندركينغ إيران بدعم هجمات الحوثيين، من خلال تزويدهم بالأسلحة ومعلومات المخابرات “وتحديد الأهداف المهمة”. وتنفي طهران دعم الضربات.
وقال إنه “كلما طال أمد هجمات الحوثيين، زاد خطر تجدد القتال في اليمن وتعطيل شحنات الغذاء والدواء اللازمة في اليمن وغزة”، مضيفا أنه يأمل في إجراء محادثات تفضي إلى خارطة طريق لإنهاء الحرب في اليمن.
من جانبه، اعتبر الباحث السياسي اليمني، نبيل البكيري، أن “فرص السلام تكاد تكون منعدمة”، مضيفا أن ذلك “ليس بسبب ما يحدث من توترات في البحر الأحمر فقط، إذ أن جذور الأزمة اليمنية لا يتم النظر إليها في الحديث عن السلام”، مشيرا إلى وجود تأثيرات لـ”تدخلات إقليمية ودولية”.
وأضاف لموقع “الحرة”: “البنية الفكرية والعقائدية لجماعة الحوثي، هي أكبر عائق أمام أية عملية سلام في اليمن، خاصة أنها قائمة على فكرة الحق الإلهي في حكم البلاد، حيث ينظرون لزعيمهم عبد الملك الحوثي على أنه بمثابة إمام وعالم وملك متوج من السماء، لا يحق لأحد منازعته، بحسب مصطلحاتهم”.
رئيس مركز واشنطن للدراسات اليمنية في العاصمة واشنطن، عبد الصمد الفقيه، قال إن “ما يجري في البحر الأحمر، أحبط فرص السلام التي كانت تقترب من شكلها النهائي”.
وشرح في رد على أسئلة موقع “الحرة”، أنه قبل بدء الهجمات الحوثية (على السفن) في نوفمبر الماضي، “كانت اللمسات الأخيرة توضع على اتفاق السلام، لكن ما حدث في البحر الأحمر تسبب في تعطيلها، إذ تغير الموقف الدولي”.
وأشار الفقيه إلى أن “السعودية كانت داعمة بأن يتعامل المجتمع الدولي من دون تصعيد مع الحوثيين، على أمل طي ملف الخلافات والتوصل لسلام دائم، لكن ضربات الحوثيين المتكررة لم تعط الفرصة للتهدئة، مما دفع دول غربية للرد بالقوة على التهديدات التي تنامت في البحر الأحمر”.
وتابع أن “مصير اتفاق السلام لم يعد معروفا بعد التطورات الأخيرة في المنطقة، والتي فرضت مزيدا من التعقيد على المشهد”.
ورجح الفقيه أن الحوثيين “قد يكونوا راضين عما وصلت إليه الأمور من تعقيد، لأنهم قد يريدون الاستمرار في ممارسات العنف بما يخدم مصالحهم، وركوب موجة ما يحصل في غزة لكسب الشعبية في المنطقة، رغم أن ما تقوم به إسرائيل في غزة لا يقل فظاعة عما يقوم به الحوثي في اليمن”، منوها بأن “ممارسات الحوثيين غير محسوبة على الإطلاق”.
ومنذ نوفمبر الماضي، يستهدف الحوثيون سفنا تجارية يشتبهون في أنها مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إلى موانئ إسرائيلية، قرب مضيق باب المندب الاستراتيجي عند الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، تضامنا مع قطاع غزة الذي يشهد حربا مع إسرائيل منذ السابع من أكتوبر.
ونشرت دول غربية، على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، بوارج في البحر الأحمر. وشكلت واشنطن تحالفا بحريا دوليا لحماية الملاحة في المنطقة الاستراتيجية التي تمر عبرها 12 في المئة من التجارة العالمية.
ووجهت واشنطن ولندن تحذيرات متكررة للحوثيين من “عواقب” ما لم يوقفوا هجماتهم على السفن، قبل شنهما ضربات مستهدفة تحييد قدرات الحوثيين العسكرية.
وكانت الحكومة اليمنية الشرعية المدعومة من السعودية، قد نددت بهجمات الحوثيين في البحر الأحمر، مشيرة إلى أنها تعرض سكان اليمن أنفسهم للخطر.
وكتب وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، في منشور على منصة إكس: “نحذر من المخاطر الجسيمة للهجمات المتكررة التي تشنها مليشيا الحوثي الإرهابية التابعة لايران، على السفن المدنية وناقلات النفط”.
● نحذر من المخاطر الجسيمة للهجمات المتكررة التي تشنها مليشيا الحوثي الإرهابية التابعة لايران، على السفن المدنية وناقلات النفط، والتي تهدد بهجرة شركات الملاحية من البحر الأحمر، وتلحق الضرر بإيرادات قناة السويس التي تمثل الشريان الحيوي والدعامة الأساسية وأحد مصادر الدخل الرئيسية…
— معمر الإرياني (@ERYANIM) December 25, 2023
وحذر من أن شأن تغيير مسارات سفن الشحن بعيدا عن البحر الأحمر وارتفاع أسعار الشحن البحري وتكاليف التأمين أن يؤدي إلى “ارتفاع اسعار المواد الغذائية في بلد يعاني من أزمة إنسانية ويعتمد غالبية سكانه على المساعدات الغذائية”.
التهدئة “ستعيد مسار السلام”
الكاتب والمحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، اعتبر أن “ما يجري من توترات في البحر الأحمر، يجب أن يكون بمعزل عن مشروع السلام في اليمن الذي تدعمه السعودية، برعاية الأمم المتحدة”.
ورجح في حديث مع موقع “الحرة”، أن اتفاق السلام “بانتظار التهدئة في المنطقة”، مشيرا إلى أن التوترات “كانت قد وقعت بعد الاتفاق الذي توسطت فيه عُمان وتدعمه السعودية وترعاه الأمم المتحدة”.
ورأى آل عاتي أن “السعودية قادرة على إدارة مشروع السلام في اليمن”.
واعتبر أن التحركات الأميركية تجاه ما يفعله الحوثي في البحر الأحمر، “ربما جاءت متأخرة.. خاصة أن التحالف الذي تقوده السعودية كان قد حذر سابقا من تهديدات الحوثيين لحركة التجارة في البحر الأحمر”.
وأشار تقرير لوكالة فرانس برس، إلى أن هجمات حماس غير المسبوقة على إسرائيل في أكتوبر والرد العسكري الإسرائيلي المدمر، تسبب في إحباط آمال السعودية في تحقيق سلام مستدام في المنطقة، وهو ما يعتبره المسؤولون “حاسما لأجندة رؤية 2030 الشاملة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي”.
ويعد ساحل البحر الأحمر محورا أساسيا للرؤية، حيث يتطلع المطورون إلى إنشاء عدد كبير من المنتجعات التي يمكن أن تساعد في تحويل المملكة، التي كانت منغلقة في السابق، إلى منطقة سياحية نشطة.
ويجعل ذلك إنهاء العمليات العسكرية في اليمن هدفا مركزيا للسياسة الخارجية للرياض، وهو هدف يأمل المسؤولون أن يكون أكثر جدوى في أعقاب اتفاق التقارب المفاجئ الذي توسطت فيه الصين بين السعودية وإيران، والذي أُعلن عنه في مارس من 2023.
كما لم تنس الرياض، بحسب فرانس برس، “كيف عارضت الولايات المتحدة ملاحقة الحوثيين في السنوات الأخيرة، عندما هاجموا سفنا سعودية”.
وقالت الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، سينزيا بيانكو، للوكالة: “إنهم يرون الآن أن الولايات المتحدة تمضي قدما في الضربات في لحظة غير مناسبة إطلاقا، على صعيد الاستقرار الإقليمي”.
وتابعت بيانكو: “إنهم يستطيعون بوضوح أن يروا المعايير المزدوجة عندما تكون إسرائيل في خطر، وعندما يكونون هم معرضين للخطر – كيف تتصرف الولايات المتحدة بشكل مختلف جذريا”.
وأكد المحلل الباشا أن “الهجمات التي ينفذها الحوثيون ضد السفن في البحر الأحمر تؤثر بشكل سلبي، على الرغم من أنهم يعتبرون هذه الهجمات دعما للقضية الفلسطينية وغزة وفك الحصار عنها”، مضيفا أن ذلك تبعه “إدانات إقليمية ودولية لتلك الهجمات، وتحذيرات من تداعيات خطيرة من تهديد أهم الممرات الملاحية الدولية وعرقلة سلاسل الإمداد العالمية”.
وتابع: “في ضوء كل هذا التوتر والتداعيات، أصبحت جهود السلام شبه متوقفة، ومن الصعب أن نرى تقبل واشنطن وباريس ولندن، أعضاء مجلس الأمن الدولي، لدعم مشروع أممي يرعى اتفاق سلام يشمل الحوثيين بالوقت الراهن”.
رئيس منظمة سام للحقوق والحريات، توفيق الحميدي، اتفق بأن “الممارسات الحوثية تعيق فرص السلام في اليمن”، مشيرا إلى أن الحوثيين يستندون إلى “موقف تعاطفي كبير باستغلال حرب غزة، وتصدر المشهد العسكري في البحر الأحمر”.
وتوقع في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة”، أن الحوثيين “سيستمرون بسلوكياتهم المثيرة لعدم الاستقرار في المنطقة، بهدف تحقيق مكاسب خاصة بهم، من دون إيلاء أي أهمية للجانب الإنساني لليمنيين”.
وأعرب الحميدي عن تخوفه من أن التحركات الحوثية على المستوى الدولي، “قد تعطيهم دفعة للتفكير في تحقيق مكاسب سياسية لحسم معركتهم الداخلية”.
وأعرب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، غروندبرغ، في يناير، عن “قلقه” إزاء التطورات الأخيرة في اليمن، داعيا الأطراف المعنية إلى “ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وتقديم المسارات الدبلوماسية على الخيارات العسكرية، ووقف التصعيد”.
خارطة السلام في اليمن
وربط الباشا بين “مسار السلام في اليمن بانتهاء الحرب في غزة”، إذ يصر الحوثيون على “مواصلة هجماتهم إلى حين توقف الحرب في غزة، وستظل الأجواء ضبابية من دون أي أفق للحل طالما استمر التوتر والتصعيد قائما في القطاع الفلسطيني، وستظل اليمن بشكل خاص ومنطقة الشرق الاوسط بشكل عام مهددة بتصعيد أوسع وتحويل عدة دول إلى ساحة حروب بالوكالة بين محور إيران ووكلائها من جهة والقوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة من جهة ثانية”.
وشدد على أهمية “الجهود التي تقودها واشنطن، وآخرها زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، للمنطقة، سعيا نحو التهدئة في غزة وبلورة رؤى لحل أشمل يضمن إقامة دولتين إسرائيلية وفلسطينية تعيشان بسلام، وأيضا تطبيع العلاقات بين إسرائيل ومحيطها العربي، على اعتبار ذلك ضرورة ملحة، لقطع الطريق أمام كل من يسعى لتفجير حروب دورية تحت شعار نصرة قضية فلسطين”.
وذكر المحلل السياسي الباشا أن “السلام لن يتحقق باليمن إلا بتوفر إرادة جماعية لأطراف الصراع، تغلب مصالح اليمن على ما دونها من مصالح دونية وضيقة وتنأى باليمن عن التجاذبات الإقليمية والدولية”، في إشارة إلى الابتعاد عن الاصطفاف مع محور إيران.
وأعرب الباحث البكيري عن اعتقاده بأن “مسار السلام الممكن تحقيقه في اليمن، لا يمكن أن يحدث من دون العودة للقرارات الدولية ذات الصلة، والتي قاربت جذر المشكلة اليمنية، وهو القرار الدولي 2216”.
وأضاف أن هذا القرار “حدد المشكلة في البلاد بدقة فيما يتعلق بانقلاب جماعة الحوثي، وعرقلتها لمسار الانتقال السياسي والديمقراطي في اليمن، وأنها ميليشيات محتلة لعاصمة اليمن، وعليها المغادرة وإعادة الأسلحة التي استحوذت عليها من مخازن الدولة، وبعد ذلك يمكن النظر في طبيعة تفاعل هذه الجماعة وانخراطها في المجال السياسي اليمني”.
وأكد حميدي أن “إحلال السلام والاستقرار في اليمن مهمة صعبة ومعقدة، لانعدام الثقة بين الأطراف الداخلية والخارجية، وعدم قدرة طرف ما على الحسم العسكري، لذا يظل هذا السلام مرهون بحسابات الأطراف والتقلبات الأساسية الإقليمية والدولية”.
وزاد أنها “مهمة صعبة لكن ليست مستحيلة”، ووضع خارطة للسلام في اليمن تتضمن 10 خطوات، هي:
- وقف إطلاق نار فوري وشامل من قبل جميع الأطراف، ويجب أن يكون هناك ضمانات للالتزام.
- بناء الثقة من خلال إطلاق سراح المعتقلين والإفصاح عن معلومات عن المخفيين قسرا دون قيد أو شرط.
- وضع آلية مستقلة للجانب الإنساني محايدة لصرف الرواتب وفتح الطرقات بين المدن في اليمن.
- وقف المحاكمات السياسية ومصادرة الأموال والأصول.
- تحديد فترة انتقالية لا تتجاوز السنتين تتضمن حكومة انتقالية مشتركة و حوار في الملف السياسي الدستور وشكل الدولة.
- إعادة بناء قوات مسلحة وأمنية جديدة ممثلة للدولة كلها، غير منخرطة في القتال.
- تطبيق نظام عدالة انتقالية يضمن تعويض الضحايا وبمشاركة المجتمع المدني.
- إحالة الملف المالي للدولة للجان فنية مستقلة مختصة.
- إجراء انتخابات حرة ونزيهة لتحديد مستقبل اليمن.
- مشاركة الشعب اليمني جميعه في أي عملية سلام، تمثل جميع الأطياف والفئات والأقليات.
وفي 24 ديسمبر الماضي، أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة، غروندبرغ، عن التزام الأطراف المتحاربة في اليمن بوقف لإطلاق النار والانخراط في عملية سلام تقودها الأمم المتحدة كجزء من خريطة طريق لإنهاء الحرب.
وقال غروندبرغ: “ثلاثون مليون يمني يراقبون وينتظرون أن تقود هذه الفرصة الجديدة لتحقيق نتائج ملموسة والتقدم نحو سلام دائم”.
وتابع: “لقد اتخذت الأطراف خطوة مهمة”، مشيرا إلى أن “التزامهم هو، أولا وقبل كل شيء، التزام تجاه الشعب اليمني”.
ورحبت السعودية وقطر وسلطنة عمان والإمارات بهذا الإعلان الذي يدعم مسار السلام.
وأشار بيان للأمم المتحدة إلى أن المبعوث الأممي “سيعمل مع الأطراف في المرحلة الراهنة لوضع خارطة طريق تحت رعاية الأمم المتحدة تتضمن هذه الالتزامات وتدعم تنفيذها”.
ورحبت وزارة الخارجية اليمنية ببيان المبعوث الأممي، معربة عن “شكرها لكافة الجهود التي بذلها الاشقاء في السعودية وسلطنة عمان للدفع قدما بالتسوية واستئناف العملية السياسية”.
هل يحل “السلام” أزمة اليمن؟
وتتواجه القوات الحكومية المدعومة منذ 2015 من تحالف عسكري بقيادة السعودية، مع الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء وعلى مساحات شاسعة في شمال البلاد وغربها.
وتخوف الباشا من أنه “إذا لم يتم إيجاد حل للأزمة في اليمن، فإن المخاطر تنذر بنشوب حرب أهلية”، إذ أن السعودية لديها “جدية كبيرة” في السلام مع اليمن وحث الأطراف المتنازعة على حل الأزمة.
وأشار إلى أن “الأزمة اليمنية فيها تعقيدات مركبة لها تداخلات إقليمية، ومشاريع داخلية متعارضة مدعومة من أطراف خارجية تنذر بمخاطر مستقبلية إذا لم يتم التوصل لحل شامل لأزمة اليمن ويعيد الدولة العادلة الديمقراطية المنشودة”.
ورأى البكيري أن “إحلال السلام والاستقرار في اليمن ممكن جدا”، إذ أنه “المسار الطبيعي لأي صراع عبر التاريخ، لكن بشرط أن تكون مقاربته حقيقية وصادقة ونابعة من فهم جذور المشكلة”.
واستطرد: “أي سلام يقفز فوق حقيقة أن هذه الجماعة الحوثية انقلابية، وأن بنيتها العقائدية التي تؤمن بحق بالحق الإلهي لزعيمها في الحكم، وأن خصومها مكانهم المقابر والسجون، فهو سلام عبثي لا يمكن أن يبنى عليه شيء”.
وأعرب أيضا عن خوفه من أن “إتاحة فرصة السلام من دون حل جذري للمشكلة في اليمن، يعني فقط أن تأخذ هذه الجماعة فرصة لترتيب وضعها الداخلي، والعودة مجددا لحروب طاحنة لن تتوقف أبدا إلا بانتصارها أو انتصار خصومها”.
وحذر البكيري من انسياق المجتمع الدولي، بما فيه الولايات المتحدة، وراء صفقات كما حصل سابقا، عندما تم تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية ومن ثم تم رفع اسمهم من القائمة، قبل إعادته مؤخرا، معتبرا أن ما يحصل حاليا في البحر الأحمر هو “نتيجة طبيعية لتماهي المجتمع الدولي مع هذه الجماعة” في فترات سابقة.
وقال رئيس مركز واشنطن للدراسات اليمنية، الفقيه، إن استقرار اليمن لن يتم إلا “باتفاق جميع الأطراف، سواء بين الحوثيين والسعودية أو الأطراف المتنازعة الأخرى”.
كما تخوف من سيناريوهات قد تحدث حتى مع توقيع اتفاق سلام مع الحوثيين، “إذ قد تكون مجرد فترة لإعادة تنظيم صفوفهم، خاصة بعد ضربات تحالف السعودية السابقة، أو الضربات الغربية التي تعرضوا لها مؤخرا، أو السيناريو الآخر بأنهم سيضمنون هدوء الجبهة الخارجية، والتفرغ للعنف على صعيد الجبهة الداخلية ومحاولة تحقيق مكاسب”.
واتفق الحميدي بأن السلام الدائم في اليمن رهن “اتفاق استراتيجي ينزع أسباب الصراع، ويمنع تكرار دورات العنف السياسي”، ولهذا رأى أن “أي سلام لن يؤسس إلى توزيع السلطة المركزية والثروة وفق معادلة سياسية جديدة بين المركز والأطراف المحلية، قائمة على العدل والتنمية، لن يكون مفيدا لحل طويل الأمد”.
ولفت إلى أنه “لا يجب إغفال حق اليمنيين في محاسبة ومعاقبة من تسببوا بالأزمة، حتى لا يكون الحل السياسي طوق نجاة لهم يدمجهم في الدولة”.
ومع استمرار الهجمات الحوثية على سفن تجارية في البحر الأحمر، أدرجت الولايات المتحدة في يناير الماضي الحوثيين على لائحتها للكيانات “الإرهابية”.
وقد يتسبب التصنيف في تعقيد الجهود الدبلوماسية الرامية إلى وضع الحرب في اليمن على سكة الحل، بحسب تقرير لوكالة فرانس برس.
وقالت نائبة مدير “برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” في مركز “تشاتام هاوس”، سنام وكيل، للوكالة، إن “التفاوض مع جماعة إرهابية سيكون بشكل واضح صعبًا، حتى بالنسبة للرياض”.
لكن مديرة كلية غورتن في جامعة كامبريدج، إليزابيث كيندال، رأت أنه “سيكون من الصعب بالنسبة للأمم المتحدة مواصلة جهود الوساطة مع جماعة مصنفة إرهابية، من دون الحديث عن دمجها في صيغة لتقاسم السلطة”، بحسب ما قالت لفرانس برس.
وقد تتأثر أيضا المفاوضات المتقطعة التي يجريها منذ أشهر الحوثيون مع السعودية، الراغبة في الانسحاب من النزاع في اليمن.
من جانبه، أكد المحلل السعودي، آل عاتي، أن جميع الأطراف “على قناعة بأن الشعب اليمني يستحق السلام والاستقرار، وأن الجميع يدعم مشروع السلام، والملف اليمني يمر بمرحلة حساسة وخطرة”.
وذكر أن السعودية “لن تتوقف عن دعم مشروع السلام في اليمن، وستبقى ضامنا لذلك”، مشيرا إلى أن “خفض التصعيد من الولايات المتحدة أمر مهم، وهو ما تحتاجه المنطقة من أجل دعم السلام”.
ولفت آل عاتي إلى أن “تحول اليمن إلى دولة مدنية بسلام لن يكون بين يوم وليلة، إذ تحتاج إلى خارطة طريق، ودعم دولي صادق من الجميع، وتوقف التدخلات الإقليمية والدولية، لينعم الشعب اليمني الشقيق بدولة مستقرة”.
وكان الهدف المعلن للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، هو حماية المدنيين من هجمات الحوثيين، والدفاع عن الحكومة اليمنية الشرعية، ومنع اليمن من أن يصبح ملاذا آمنا للقوات المدعومة من إيران.
وبعد 8 سنوات، يسيطر المتمردون الحوثيون على مساحات واسعة من البلاد، كما يملكون ترسانة كبيرة من الأسلحة. وقد استخدموها لمهاجمة السعودية والإمارات المنضوية أيضا في التحالف.