تكشف التصريحات الإسرائيلية أن هجوما يلوح في الأفق يستهدف مدينة رفح في غزة، والتي يتكدس فيها نصف سكان القطاع البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة.
وطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، من الجيش وضع خطة لـ”إجلاء” المدنيين من رفح على ما أفاد مكتبه، الجمعة، في بيان.
وأشار البيان إلى أن رئيس الوزراء طلب من مسؤولين عسكريين “تقديم خطة مزدوجة لإجلاء السكان والقضاء على كتائب” حركة حماس في المدينة التي تمثل الملاذ الأخير للنازحين الهاربين من الحرب في قطاع غزة.
وذكر البيان أنه “من المستحيل تحقيق هدف الحرب المتمثل في القضاء على حماس وبقاء أربع كتائب تابعة لحماس في رفح”.
وأضاف “من ناحية أخرى، من الواضح أن عملية واسعة النطاق في رفح تتطلب إجلاء السكان المدنيين من مناطق القتال”.
وأعلن نتانياهو، الأربعاء، أنه أمر الجيش بـ”التحضير” لهجوم على رفح.
وشنت إسرائيل غارات مكثفة، الجمعة، على رفح في أقصى جنوب قطاع غزة مع تلويحها بهجوم بري، فيما تحذر جهات دولية من التبعات “الكارثية” لهذا الهجوم.
اندلعت الحرب في غزة عندما شن مسلحو حركة حماس هجوما على جنوب إسرائيل مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، بحسب الاحصاءات الإسرائيلية.
وردا على ذلك، شنت إسرائيل هجوما عسكريا أدى إلى تدمير القطاع ومقتل أكثر من 27900 فلسطيني، بحسب السلطات الصحية في غزة.
مدينة رفح
ورفح الواقعة جنوب قطاع غزة، هي مدينة قديمة يعود تاريخها إلى العصر البرونزي تمتد على الحدود المصرية، وتضم المعبر الحدودي الوحيد في القطاع الذي لا يؤدي إلى إسرائيل.
ونزح أكثر من 85 في المئة من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من منازلهم، وتدفق نحو مليون شخص إلى رفح القريبة من الحدود المصرية. ويعيش كثيرون منهم في خيام مكتظة بمساحات شاغرة في العراء أو على الشواطئ وفقا لوكالة رويترز.
ويتكدس النازحون في المدينة والتي أصبحت محاصرة من جميع الجهات أكان من المنافذ البرية أو البحرية وحتى الجوية.
ويقول النازحون الذين يتواجدون في هذه المدينة التي تقع جنوب القطاع على الحدود مع مصر، إنهم يخشون هجوما جديدا فيما لم يتبق لهم مكان يفرون إليه.
وباعتبارها الجزء الوحيد من غزة الذي تصله المساعدات الغذائية والطبية المحدودة عبر الحدود، أصبحت رفح والمناطق القريبة من خان يونس منطقة تعج بالخيام المؤقتة.
وزادت الرياح والطقس البارد من حالة البؤس حيث أطاحت الرياح بالخيام أو أغرقتها الأمطار التي حولت المنطقة إلى برك من الطين.
ومع تعطل خدمات الهاتف في معظم أنحاء غزة تقريبا، تسلق سكان ساترا رمليا عند السياج الحدودي وجلسوا بجانب الأسلاك الشائكة على أمل التقاط إشارة من شبكات الهاتف المحمول المصرية.
ونشرت وكالة أسوشيتد برس صورا ملتقطة من الفضاء لإحدى المناطق في رفح والتي تكدست فيها الخيم في العراء بشكل كبير.
تقول الأمم المتحدة إن عمال الإنقاذ لم يعد بإمكانهم الوصول إلى المرضى والجرحى في ساحة المعركة في خان يونس، وإن احتمال وصول القتال إلى رفح أمر لا يمكن تصوره.
وقال ينس لايركه من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في إفادة صحفية مطلع فبراير “رفح بمثابة طنجرة ضغط مملوءة باليأس، ونخشى مما سيحدث لاحقا”.
نتانياهو يطلب من الجيش وضع خطة لـ”إجلاء” المدنيين من رفح
طلب رئيٍس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو من الجيش وضع خطة لـ”إجلاء” المدنيين من رفح حيث يتكدس حاليا نصف سكان غزة البالغ عددهم الإجمالي 2,4 مليون نسمة، على ما أعلن مكتبه، الجمعة.
وتكتظ المناطق الغربية لرفح بالنازحين الذين نصبوا الخيم وهياكل من أنابيب معدنية أو عصي وأغصان. ونصبت بعض الخيم على أعمدة صغيرة من الخشب غطيت بالنايلون أو القماش.
وآثر العديد من النازحين البقاء في غرب المدينة القريب من البحر، خشية تعرضها لاجتياح من الجهة الشرقية القريبة من الحدود مع إسرائيل، بحسب وكالة فرانس برس.
تحذيرات دولية
ويأتي التلويح الإسرائيلي بشن عملية في رفح في وقت تكثف الولايات المتحدة وقطر ومصر جهودها لدفع طرفي الحرب الى هدنة جديدة طويلة تتيح الإفراج عن مزيد من الرهائن الاسرائيليين وإطلاق معتقلين فلسطينيين، وإيصال مزيد من المساعدات الانسانية لسكان القطاع.
وتدرجت العمليات العسكرية الإسرائيلية بداية من شمال القطاع ومدينة غزة، وصولا إلى المناطق الوسطى خصوصا مخيمات اللاجئين، وبعدها خان يونس كبرى مدن الجنوب والتي تشهد منذ أسابيع قصفا مكثفا ومعارك ضارية.
وحذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من “تداعيات إقليمية لا تحصى” للهجوم على رفح، ورأى أن “عملا مماثلا سيزيد في شكل هائل ما هو أصلا كابوس إنساني”.
وقال غوتيرش أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤلفة من 193 عضوا: “مثل هذا الإجراء من شأنه أن يفاقم ما هو بالفعل كابوس إنساني، كما أن له عواقب إقليمية لا توصف”.
وقال: “الوضع في غزة جرح متقيح في ضميرنا الجماعي يهدد المنطقة بأسرها. لا شيء يبرر الهجمات الإرهابية المروعة التي شنتها حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر. كما لا يوجد أي مبرر للعقاب الجماعي للشعب الفلسطيني. ومع ذلك، أسفرت العمليات العسكرية الإسرائيلية عن دمار وسقوط قتلى في غزة على نطاق وسرعة دون مثيل منذ أن أصبحت أمينا عاما”.
ودعا مرة أخرى إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية والإفراج غير المشروط عن الرهائن.
“أسوأ أزمة إنسانية في العالم”.. مدينة قد تستضيف نصف سكان غزة
مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة أصبحت مدينة رفح القريبة من الحدود المصرية مركزا لواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، بحسب تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال.
وحذرت الولايات المتحدة، الخميس، من أن أي عملية عسكرية إسرائيلية في رفح، دون تخطيط أو بالقليل من التفكير ستكون “كارثة”.
وقال فيدانت باتيل، نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية للصحفيين: “لن ندعم القيام بشيء كهذا دون تخطيط جاد وموثوق به، لأنه يتعلق بأكثر من مليون شخص يحتمون هناك، وأيضا دون النظر في آثاره على المساعدات الإنسانية والمغادرة الآمنة للأجانب”.
وأضاف باتيل، يوم الخميس، أي قبل تصريحات نتانياهو الأخيرة، أن الولايات المتحدة لم تر دليلا على أن إسرائيل وضعت تخطيطا جادا لمثل هذه العملية.
وقال البيت الأبيض، الخميس، إنه لن يدعم أي خطط إسرائيلية للقيام بعمليات عسكرية كبيرة في رفح، مؤكدا أن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أوضح مخاوف الولايات المتحدة بشأن مثل هذه العمليات.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، جون كيربي، للصحفيين: “أي عملية عسكرية كبيرة في رفح في هذا الوقت، وفي ظل هذه الظروف، ومع وجود أكثر من مليون وربما أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني يلتمسون اللجوء ويبحثون عن مأوى في رفح دون إيلاء الاعتبار الواجب لسلامتهم ستكون كارثة، ولن نؤيدها”.
وقال وزير الخارجية الأميركي، بلينكن، الخميس، إنه اقترح على الإسرائيليين سبلا لضمان حماية المدنيين في رفح بغزة.
ووصف الرئيس الأميركي، جو بايدن، رد إسرائيل على هجمات حماس في السابع من أكتوبر تشرين الأول بأنه “مبالغ فيه”.
من جهته، أعلن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الجمعة، أن الخطة الاسرائيلية لمهاجمة مدينة رفح، آخر ملاذ للنازحين بسبب الحرب في قطاع غزة، “تثير القلق” بحسب تقرير لوكالة فرانس برس.
وكتب بوريل على منصة إكس أن “المعلومات التي تتحدث عن هجوم عسكري اسرائيلي على رفح تثير القلق”، مضيفا أن “هذا الأمر ستكون له تداعيات كارثية، تفاقم الوضع الإنساني الكارثي أصلا، فضلا عن خسائر لا تحتمل في صفوف المدنيين”.
قال موظفون في مجال الإغاثة، الجمعة، إن أي تقدم عسكري إسرائيلي في منطقة رفح بجنوب قطاع غزة قد يتسبب في سقوط أعداد كبيرة من القتلى بين أكثر من مليون فلسطيني محاصرين هناك، في الوقت الذي قد تتوقف فيه المساعدات الإنسانية تماما، وفقا لرويترز.
وتقول وكالات الإغاثة إنها لا تستطيع نقل الناس إلى مناطق أكثر أمنا، لأن القوات الإسرائيلية متمركزة في الشمال وإن المساعدات المسموح بدخولها إلى القطاع لا تكفي.
وحذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، الجمعة، من أن أي عملية عسكرية إسرائيلية كبيرة على رفح، في أقصى جنوب قطاع غزة، قد تجلب المزيد من الدمار للسكان المدنيين.
المفوض العام لـ”الأونروا”، فيليب لازاريني، قال إن الوضع الإنساني في رفح ميؤوس منه بشكل متزايد، وإن المدينة تشهد الآن اكتظاظا مع أكثر من 1.2 مليون شخص أي نصف سكان قطاع غزة، حيث ينام الناس في العراء أو في أماكن إقامة مؤقتة، في ظل ندرة للمياه والطعام.
وقال لازاريني للصحفيين في القدس إن “أي عملية عسكرية واسعة النطاق بين هؤلاء السكان لن تؤدي إلا” إلى مزيد من “المأساة”.
وأضاف “هناك شعور بالقلق والذعر المتزايد في رفح. ليس لدى الناس أي فكرة على الإطلاق عن المكان الذي سيذهبون إليه بعد رفح”.
مخاوف من تهجير قسري
وقال مكتب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس، الجمعة، إن خطة نتانياهو بالتصعيد العسكري في رفح بجنوب قطاع غزة تستهدف تهجير الفلسطينيين من أرضهم.
وأضافت السلطة الوطنية الفلسطينية أنها تحمّل الحكومتين، الإسرائيلية والأميركية، مسؤولية تداعيات تلك الخطة.
ودعت في بيان “مجلس الأمن الدولي لتحمل مسؤولياته، لأن إقدام الاحتلال على هذه الخطوة يهدد الأمن والسلم في المنطقة والعالم، وإن ذلك تجاوز لكل الخطوط الحمراء”.
وقالت الأمم المتحدة، الجمعة، إن المدنيين في رفح بجنوب قطاع غزة يحتاجون إلى الحماية، لكن لا ينبغي تنفيذ أي تهجير قسري جماعي.
وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم المنظمة، الجمعة: “نحن قلقون جدا على مصير المدنيين في رفح”.
وأضاف “من الواضح أن الناس بحاجة إلى الحماية، لكننا لا نريد أيضا رؤية أي تهجير قسري، تهجير جماعي قسري، للناس، وهو بالتعريف ضد إرادتهم… لن ندعم بأي شكل التهجير القسري الذي يتعارض مع القانون الدولي”.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الجمعة، إن “الكثافة غير المسبوقة لسكان رفح تجعل من شبه المستحيل حماية المدنيين في حالة وقوع هجمات برية… بلغ التكدس في رفح حدا أصبحت فيه الطرق العادية تحتلها خيام نصبتها عائلات تبحث عن أي مساحة مسطحة ونظيفة متاحة”.
مصر تتأهب لخيارات سيئة
وقال مصدران أمنيان مصريان لوكالة رويترز إن القاهرة أرسلت نحو 40 دبابة وناقلة جند مدرعة إلى شمال شرق سيناء خلال الأسبوعين الماضيين في إطار سلسلة تدابير لتعزيز الأمن على حدودها مع قطاع غزة.
وجرى نشر الآليات قبل توسيع إسرائيل عملياتها العسكرية لتشمل مدينة رفح، الأمر الذي زاد مخاوف مصر من احتمال إجبار الفلسطينيين على الخروج على نحو جماعي من القطاع، وفق رويترز.
ومنذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في السابع من أكتوبر، أقامت مصر جدارا حدوديا خرسانيا تعلوه أسلاك شائكة. وقال المصدران الأمنيان إن مصر أقامت أيضا حواجز رملية وعززت المراقبة عند مواقع التمركز الحدودية.
تقوم علاقات سلام بين مصر وإسرائيل منذ أكثر من أربعة عقود، وفي السنوات القليلة الماضية تعززت العلاقات من خلال صادرات إسرائيلية من الغاز الطبيعي وتنسيق أمني حول حدودهما المشتركة وقطاع غزة.
وساعدت مصر في فرض الحصار على غزة، مما وضع قيودا صارمة على حركة الأشخاص والبضائع عبر حدودها، بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، عام 2007.
لكن العلاقات توترت بسبب الاقتحام الإسرائيلي الحالي لغزة الذي جاء ردا على هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر، وانتقدت القاهرة اتهامات بحقها زعمت منعها من إدخال المساعدات الإنسانية إلي القطاع.
ودأبت مصر على التحذير من احتمال أن يؤدي الهجوم الإسرائيلي إلى نزوح سكان غزة اليائسين إلى سيناء وعبرت عن غضبها من اقتراح إسرائيلي مفاده أن تعيد إسرائيل سيطرتها الكاملة على الممر الحدودي بين غزة ومصر لضمان خلاء الأراضي الفلسطينية من السلاح.
ووضعت مصر معارضتها لتهجير الفلسطينيين من غزة ضمن إطار الرفض العربي الأوسع لأي تكرار لما يعرف باسم “النكبة” حين فر نحو 700 ألف أو أخرجوا من ديارهم في الحرب التي اندلعت مع قيام دولة إسرائيل عام 1948.
ويقول دبلوماسيون ومحللون لرويترز إن مصر تشعر بالقلق أيضا من تسلل حماس واستضافة عدد كبير من اللاجئين. وفي أكتوبر، حذر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، من أن النزوح قد يحول سيناء إلى قاعدة لهجمات ضد إسرائيل.