تعتبر الولايات المتحدة أقوى حليف لإسرائيل، وكانت من أكثر البدان التي وقفت إلى جانبها منذ الهجوم الدامي الذي نفذه مسلحون من حركة حماس عليها في السابع من أكتوبر الماضي، لكن الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، كشفت عمق التباين بين البلدين وفق تقرير لصحيفة “فاينانشال تايمز”.
وبعد يوم من الاجتماعات بين مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، عقد كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، وبلينكن مؤتمرا صحفيا منفصلا، وهو ما قد يكشف عن تباينٍ بين الطرفين حول قضايا تتعلق أساسا، بالمرحلة التالية من الحرب في غزة وكيفية تأمين إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حماس في القطاع، وفق تقدير الصحيفة.
الصحيفة نقلت عن الزميل البارز في مؤسسة كارنيغي، آرون ديفيد ميلر، قوله في الصدد لقد عكست زيارة بلينكن مدى صعوبة سير العملية الدبلوماسية برمتها.
ميلر، الذي كان أيضا في السابق، مسؤلا في وزارة الخارجية الأميركية، قال كذلك “في حين أن الولايات المتحدة كانت، ولا تزال، تلعب دوراً مهماً، أعتقد أنه يتعين علينا أن نكون يقظين للغاية بشأن تقييم الدرجة التي يمكن لواشنطن أن تغير بها مسار هذه الأزمة بشكل أساسي”.
“فجوة”
في علامة أخرى على الفجوة بين الحليفين، وجّه الرئيس الأميركي، جو بايدن، الخميس، انتقادا ضمنيا نادرا لإسرائيل.
وقال خلال مؤتمر صحفي، إن “الردّ في غزة.. مفرط”، مؤكدا أنه بذل جهودا منذ بدء الحرب لتخفيف وطأتها على المدنيين.
إلى ذلك، حذّرت الولايات المتحدة، أبرز داعمي إسرائيل سياسيا وعسكريا في الحرب، من وقوع “كارثة” في رفح.
وقال نائب المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل إنّ واشنطن “لم ترَ بعد أيّ دليل على تخطيط جاد لعملية كهذه”، محذّراً من أنّ “تنفيذ عملية مماثلة الآن، من دون تخطيط وبقليل من التفكير في منطقة” نزح إليها مليون شخص، “سيكون كارثة”.
بالعودة إلى إسرائيل، “كان التباين صارخا” وفق تعبير الصحيفة، بين بلينكن ونتانياهو في تقييمهما للشروط الأخيرة التي عرضتها حماس في إطار اقتراح الإفراج عن رهائن، حيث لا يزال ما يقرب من 130 رهينة لدى حماس.
وقال بلينكن إنه في حين أن الاقتراح -الذي دعا إلى وقف الأعمال العدائية لمدة 135 يوما، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، والإفراج عما لا يقل عن 1500 سجين فلسطيني من السجون الإسرائيلية- صعب التحقيق، إلا أنه عرض مع ذلك “مساحة للتوصل إلى اتفاق”.
لكن نتانياهو رفض هذه المقترحات ووصفها بأنها “وهمية”.
وبدلاً من ذلك، أصر على أن الطريقة الوحيدة لتحرير المختطفين هي “النصر الكامل” على حماس.
وأضاف أنه لتحقيق ذلك، ستوسع إسرائيل عملياتها العسكرية لتشمل مدينة رفح في جنوب غزة، حيث يعيش أكثر من مليون نازح في ظروف مزرية.
“وهذا بدوره يتعارض مع الجهود التي بذلها المسؤولون الأميركيون خلال الأشهر القليلة الماضية لإقناع إسرائيل بتخفيض حدة القتال” وفق الصحيفة.
يذكر أن واشنطن تعتبر حماس حركة إرهابية.
“إحباط ” و”رسائل إيجابية”
في إشارة أخرى إلى ما تصفته الصحيفة بـ”الإحباط المتزايد” لدى إدارة بايدن تجاه نتانياهو وأعضاء اليمين المتطرف في ائتلافه، مثل الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، قال بلينكن أيضا إنه أثار “مخاوفنا العميقة بشأن التصرفات والخطابات، التي تؤجج التوترات، وتقوض الدعم الدولي لإسرائيل بما في ذلك من المسؤولين الحكوميين”.
ولم تكن إسرائيل هي المحطة الوحيدة في جولة بلينكن التي شملت أربع دول في الشرق الأوسط والتي سلطت الضوء على التحديات التي تواجه الدبلوماسية الأميركية، وفق “فاينانشل تايمز”.
وكانت هناك أيضًا “دلائل” على أن السعودية – التي زارها بلينكن، الاثنين – أرادت التحقق من الرسائل الإيجابية للولايات المتحدة حول فرص تطبيع المملكة علاقاتها مع إسرائيل.
وتستخدم إدارة بايدن طموح إسرائيل للتطبيع مع السعودية كجزء من جهودها للتوسط في اتفاق “عادل وسلام دائم” بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يتضمن في نهاية المطاف إنشاء دولة فلسطينية مستقلة – وهو الأمر الذي قاومه نتانياهو منذ فترة طويلة.
وردا على تعليقات أميركية مفادها أن واشنطن “تلقت ردود فعل إيجابية من الجانبين”، أصدرت الرياض بيانا قالت فيه إنه “لن تكون هناك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم يتم الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967”.
وفي رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، دعت الرياض أيضًا جميع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى “التعجيل بالاعتراف بالدولة الفلسطينية”.
وصدر البيان السعودي، بعد أن أجرى بلينكن محادثات مع ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان.
وشدد البيان على أنه في حين أن الرياض مستعدة لمناقشة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل كجزء من خطة سلام أوسع، فإنها تريد أيضا أن توضح أنه سيتعين على إسرائيل والقوى الغربية تقديم تنازلات كبيرة للفلسطينيين.
تعليقا على ذلك، قالت رئيسة برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة “تشاتام هاوس”، سنام فاكيل، إن جولة الوزير الأميركي تظهر أن الولايات المتحدة لا تمارس بعد، ضغوطا كافية على نتانياهو” وفق تعبيرها.
وتابعت “ربما يجب أن تكون الاستراتيجية أكثر دولية ومتعددة الأطراف”.
تأثير واشنطن
مع ذلك، يرى المسؤولون الأميركيون أن دبلوماسية واشنطن كان لها تأثير.
وأصر بلينكن، الأربعاء، على أن الضغوط الأميركية دفعت إسرائيل إلى السماح بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة – على الرغم من أن منظمات الإغاثة تقول إن ذلك لا يزال أقل بكثير مما يحتاجه المدنيون في القطاع المحاصر.
وفي الوقت نفسه، قال شخص مطلع، للصحيفة، إنه على الرغم من رفض نتانياهو لشروط حماس، إلا أن المسؤولين الإسرائيليين مستمرون في المشاركة في الاجتماعات حول الخطوات التالية نحو صفقة محتملة.
وقال مسؤول إسرائيلي لم تذكر الصحيفة هويته “ربما يكون نتانياهو قد أغلق الباب أمام الفكرة التي طرحتها حماس، لكن هذا لا يعني أن يغلق الباب أمام صفقة من أي نوع”.
من جانبه، قال جوناثان رينهولد، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بار إيلان، إن الولايات المتحدة نجحت أيضًا في ثني إسرائيل عن الانجرار إلى صراع أوسع مع أعداء آخرين في المنطقة، مثل حزب الله اللبناني، الذي يتبادل مسلحوه إطلاق النار عبر الحدود مع القوات الإسرائيلية منذ أكتوبر.
في غضون ذلك، يحذر متابعون من أن نافذة تحقيق اختراقات بشأن صفقة الرهائن، ناهيك عن التوصل إلى حل أوسع للصراع،” آخذة في التراجع”.
وبدأت حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية في التسارع، وقال ميلر “بمجرد أن بدأت بشكل جدي، زادت شهية إدارة بايدن لاستثمار رأسمالها السياسي في محاولات بعيدة المدى للتوسط في اتفاق سلام.. يتضاءل.”