جاكرتا- اجتاحت موجة احتجاجات أكاديمية إندونيسيا، مؤخرا، وانطلقت من عشرات الجامعات داعية القوى والشخصيات السياسيّة جميعها إلى “إنقاذ التجربة الديمقراطية في البلاد”، وأن تكون الانتخابات التشريعية والرئاسية المقرّر إجراؤها في 14 فبراير/شباط الجاري، “عادلة ونزيهة ومحكومة بالقيم والأخلاق وقوانين البلاد”.
وكانت البداية في جامعة “غاجه ماده” الشهيرة في منطقة “جوغ جاكرتا” وسط جزيرة جاوا في 31 يناير/كانون الثاني الماضي، وفي اليوم التالي بالجامعة الإسلامية الإندونيسية في المدينة ذاتها.
وتلا مئات الأساتذة من عشرات الجامعات البيانات، التي انتشرت تسجيلاتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي لاحقًا، مطالبين الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو (المعروف باسم جوكوي) وسياسيين آخرين بالرجوع إلى المسار الديمقراطي وقيمه قبيل موعد الإنتخابات التي يترشح فيها نجله غِبران راكابومينغ راكا، والي مدينة صولو، لمنصب نائب الرئيس مع وزير الدفاع الحالي الجنرال المتقاعد برابوو سوبيانتو.
ترشّح نجل الرئيس
وكان تحالف “تقدم إندونيسيا” أعلن ترشح نجل الرئيس في 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد أيام من قبول تعديل قانوني بشأن الحد الأدنى لعمر المتقدم لمنصبي الرئيس ونائبه أقرته المحكمة الدستورية يوم 16 من الشهر ذاته.
وصادقت المحكمة الدستورية على تعديل بقانون الانتخابات لعام 2017، يسمح لمن هم دون 40 عاما بالترشح إن كان لديهم تجربة في منصب تنفيذي منتخب على مستوى الأقاليم أو المحافظات أو المدن، وفي هذه الحالة فإن نجل الرئيس البالغ من العمر36 عاما سيتمكن من الترشح وفق التعديل.
وساد جدل واحتجاجات في أوساط الأكاديميين والمثقفين في ظل اهتمام واسع بالإعلام المحلي بعد قرار المحكمة الدستورية، وما تبعه من عزل رئيسها القاضي أنور عثمان -وهو صهر الرئيس جوكو ويدودو- عن منصبه بقرار من الهيئة الأخلاقية للمحكمة، بسبب ما عدّته الهيئة وقوعا في مخالفات القواعد الإجرائية والأخلاقية التي يجري وفقها عمل المحكمة.
منعطف مهم
جاءت بيانات الأكاديميين من مختلف التوجهات والتيارات، فمنها الحكومية، والإسلامية والمسيحية، والأهلية، أو تلك المرتبطة بمؤسسات كبرى كجامعات “المحمدية” على امتداد الأقاليم الإندونيسية، في موجة خطاب مطلبي أكاديمي واسع غير مسبوق منذ سنوات طويلة.
وانطلقت الاحتجاجات في أكثر من 40 جامعة حسب إحصاءات صحف محلية، وشبهها المؤرخ أصفي وارمان آدم بما حصل قبل إسقاط الرئيس السابق سوهارتو عام 1998 في حراك عشرات من الأكاديميين والمثقفين وبيان مطالبهم الإصلاحية آنذاك.
واستذكر محرر صحيفة كومباس كيف أن “صوت الشباب والمثقفين لطالما سُمع عاليا في اللحظات المفصلية بتاريخ إندونيسيا، وفي لحظة النهضة القومية لعام 1908 خلال عهد الاستعمار، وقسم الشباب الإندونيسي عام 1928، وإعلان الاستقلال عام 1945، وأحداث عامي 1965 و1966 الدامية، وغيرها”.
وتُجمع البيانات على مطالبة الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو وساسة الدولة، بالالتزام بالحياد في منصبه وألا يُحشد أي من مؤسسات الدولة وعناصرها لصالح مرشح أو تحالف معين، كما طالبوا بعدم تسييس أي معونات اجتماعية من ميزانية الدولة توزع قبل الانتخابات.
كما طالب الأكاديميون كبار المسؤولين المترشحين أو الذين ضمن فرق الحملات الانتخابية في التحالفات السياسية، بالاستقالة من مناصبهم أو الخروج بإجازات من وظائفهم خلال فترة الانتخابات.
ودعوا إلى أن يعي المسؤولون في الدولة أهمية أن تكون الانتخابات عادلة ونزيهة، وأن تجري مفوضية الانتخابات الاقتراع بموضوعية واستقلالية وحرفية ومسؤولية دون تحيز لأي طرف، وأن تقدم هيئة رقابة الانتخابات على التعامل بحزم مع أية مخالفات، وأن يشارك المواطنون ومؤسسات المجتمع المدني في مراقبة سير عمل الانتخابات خلال كل مراحلها.
وأكدت بيانات الجامعات على أن من إنجازات الإصلاح السياسي -الذي تحقق عام 1998 وما بعده في إندونيسيا بعد استقالة الرئيس الأسبق سوهارتو إثر 32 عاما من حكمه- هو إجراء انتخابات عادلة ونزيهة.
الرئيس جوكوي يستدرك
وكان الرئيس الإندونيسي صرح في 24 يناير/كانون الثاني الماضي وخلال مرافقته المرشح الرئاسي الذي يدعمه ووزير الدفاع الحالي برابوو سوبيانتو في مطار حليم العسكري بجاكرتا، بأن من حقه أن يدعم مرشحا معينا وأن يشارك في الحملات الانتخابية خارج أوقات عمله الرسمي في الرئاسة دون استخدام تسهيلات الدولة وممتلكاتها، ودافع عدد من وزرائه عن حقه في إعلان موقفه السياسي كأي مواطن.
ونفى القصر الرئاسي أن تكون زيارات الرئيس إلى الأقاليم، وتوزيع معونات اجتماعية خلالها، مرتبطة بالحملات الانتخابية، وجذب أصوات الناخبين.
لكن اللافت أن أحد الاستطلاعات الذي نشرته صحيفة “كومباس” في ديسمبر/كانون الأول الماضي، يشير إلى أن نسبة رضا الشارع عن الرئيس جوكوي تتراوح ما بين 60-80%، مما يجعل تأثير حكمه خلال 9 سنوات ماضية وصورته في أذهان الناخبين من العوامل المهمة لنجاح نجله غبران، في الفوز بمنصب نائب الرئيس مع مرشح الرئاسة ووزير الدفاع برابوو.
وخرج الرئيس جوكوي في تصريح ثانٍ، لاحقا، يشرح بشيء من التفصيل فقرات قانون الانتخابات لعام 2017 التي تسمح له بالوقوف إلى جانب مرشح أو المشاركة في الحملات الانتخابية، مما وسع دائرة الجدل السياسي والقانوني بهذا الشأن، ثم استدرك الرئيس جوكوي على تصريحه السابق بتصريح ثالث له يوم 6 فبراير/شباط الجاري قال فيه إنه لن يشارك في الحملات الانتخابية رغم أحقيّته بفعل ذلك.
وكان لافتا تواجد أسرة الرئيس جوكوي خلال تجمع انتخابي كبير، الأربعاء، في إقليم سومطرا الشمالية للمرشح الرئاسي وزير الدفاع برابوو سوبيانتو ونجل الرئيس جوكوي المرشح لنائب الرئيس غبران، ومنهم ثاني أبنائه كايسانغ بانغاريب الذي تسلم حديثا رئاسة حزب التضامن الإندونيسي، إضافة إلى بوبي ناسوتيون زوج ابنة الرئيس جوكوي وهو والي مدينة ميدان.