دمشق- “ما زلت أستيقظ من نومي ليلا مرعوبة على وقع زلزال يحدث، أهرع إلى غرفة الأطفال فورا، ولكن بعد أن أنظر إلى الأشياء وأراها ثابتة في مكانها، أدرك أن ما شعرت به كان مجرد وهم”، تقول فاطمة ذات الـ42 عاما، وهي ناجية من الزلزال المدمر الذي ضرب مناطق في شمالي سوريا وجنوبي تركيا في السادس من فبراير/شباط الماضي.
وتضيف فاطمة، في حديث للجزيرة نت، “لازمتني حالة دوار على مدى 4 أشهر بعد الحادثة، فكنت كلما استلقيت للنوم شعرت بدوار قوي يشبه ذلك الذي انتابني ليلة الكارثة، فأصاب بالأرق ولا أنام إلى حين الفجر، أسمع صوت الأذان فأشعر بالسكينة وأغفو”.
آثار نفسية لا تزال فاطمة تتعامل معها حتى بعد مضي عام على واقعة الزلزال المدمر، وتواجه الأربعينية الوافدة وابناها (نهى 14 عاما وقيس 11 عاما) إلى ريف دمشق من اللاذقية عددا من التحديات الأخرى التي ليس أصعبها تدبر معيشة الأسرة بعد وفاة زوجها العام الماضي.
وفي الذكرى الأولى للزلزال، لا تزال الآثار الكارثية التي خلفها ترخي بظلالها على آلاف العائلات السورية في مناطق سيطرة النظام، لا سيما مع بقاء العدد الأكبر ممن تهدّمت منازلهم بشكل كلي، أو ممن لم تعد منازلهم صالحة للسكن بسبب التصدّعات والتشققات في بنيانها، من دون تعويض عن خسارتهم.
المساكن البديلة
وعلى الرغم من إعلان محافظة اللاذقية، في الشهور الأولى التي أعقبت الزلزال، عن تحديدها 7 مواقع لبناء وحدات سكنية مسبقة الصنع لإيواء المتضررين، فإن مرحلة إعداد البنية التحتية لغالبية هذه الوحدات السكنية لم تنته بعد، وحتى مع اكتمالها فإن الطاقة الاستيعابية لهذه المساكن لا تكفي لأعداد المتضررين في المحافظة (نحو 142 ألف متضرر).
وتتوزع المساكن البديلة التي تسعى المحافظة لتوفيرها للمتضررين على 350 وحدة سكنية في منطقة الغراف الأولى، و133 في منطقة الغراف الثانية، و123 في مدينة جبلة، و205 في منطقة دمسرخو وغيرها من المناطق المدمرة.
وإلى جانب معاناة المتضررين في اللاذقية وجبلة من غياب الحلول لمشكلة السكن البديل، فإنهم يعانون أيضا من ارتفاع إيجار الشقق السكنية بشكل كبير منذ حدوث الزلزال على إثر “ارتفاع الطلب على الشقق في المحافظة، وانخفاض قيمة الليرة السورية، وارتفاع تكلفة المعيشة”، بحسب ما ذكر باسل -وهو متعهد بناء في اللاذقية- للجزيرة نت.
ويقول الحاج مصطفى اللاذقاني (اسم مستعار لمتضرر من الزلزال) “كان إيجار الشقة في فبراير/شباط الماضي 250 ألف ليرة (17 دولارا)، أما اليوم فوصل إلى 800 ألف ليرة (55 دولارا)”.
ويضيف، في حديث للجزيرة نت، “دفع أصحاب الأيادي البيضاء إيجار الشقة لستة أشهر بعد الحادثة، ولكن منذ 6 أشهر أصبحت أنا من يدفع الإيجار الذي يرتفع كل شهرين”.
وأوضح اللاذقاني “أستأجر شقة مفروشة لعدم قدرتي على شراء مفروشات ومعدات كهربائية، ومع أني سجلت على وحدات السكن المسبقة الصنع هنا في الغراف، فإن البيوت القليلة الجاهزة للسكن تم تسليمها إلى عائلات أخرى”، ولم أنل شيئا.
محسوبيات تبدد الحلم
ويشكو إسماعيل، أحد الذين تهدمت منازلهم بالزلزال في اللاذقية، من البطء الحكومي في تنفيذ مشاريع الأبراج السكنية في المدينة لغرض تعويض المتضررين عن مساكنهم، كما يشكو من “المحسوبيات والوساطات” التي تهيمن على توزيع الوحدات السكنية البلديلة.
يقول إسماعيل، في حديث للجزيرة نت، “إن استمر الوضع على هذا النحو في مركز خدمة المواطن فلن أحصل على الشقة قبل مضي 10 سنوات. سجلت على شقة سكنية في المركز مباشرة بعد الإعلان، ولكن لم يتواصل معي أحد، أما الشقق التي اقترب تجهيزها فالتسجيل عليها يعتمد على المحسوبيات، أحدهم سجل على واحدة مع أن منزله لم يتهدم”.
ويختتم إسماعيل حديثه بالقول “كنت أحلم بالكثير، أما اليوم فأصبح حلمي أن أمتلك منزلا نعيش أنا وعائلتي تحت سقفه كما كنا في السابق”.
وكان مدير فرع المؤسسة العامة للإسكان في محافظة اللاذقية كنان سعيد أكد في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن المؤسسة تعمل على تنفيذ مشروع مؤلف من 8 أبنية برجية تضم 320 شقة موزعة بين المحافظة ومدينة جبلة.
ولا تزال هذه المشاريع قيد التنفيذ حتى بعد مرور عام على الزلزال. وتجاوز عدد المتضررين في اللاذقية 142 ألفا، وبلغ عدد المباني المنهارة بشكل كامل 967 مبنى، إضافة إلى 3833 بناء بحاجة إلى التدعيم والترميم.
إهمال شرائح متضررة
وتفوق احتياجات المتضررين من الزلزال في مناطق سيطرة النظام المأوى أو المسكن، وتصل إلى كل ما يتعلق بشؤون الحياة من مأكل ومشرب ورعاية صحية ولوازم عيش ضرورية.
يقول رمضان (42 عاما)، أحد الذين فقدوا منازلهم إثر الزلزال في حلب، إنه على الرغم من تلقيه بشكل دوري سلالا غذائية من مصادر متعددة أبرزها المنظمات الإنسانية، فإن إيجار الشقة التي استأجرها بعد الزلزال، والغلاء الهائل الذي شهدته أسعار السلع خلال العام الماضي، جعلا نفقات أسرته تفوق استطاعته بكثير.
ويضيف، في حديث للجزيرة نت، “تسلمت مبلغ 3 ملايين و150 ألف ليرة (225 دولارا بحسب سعر صرف سابق) في أكتوبر/تشرين الأول الماضي من منظمة الهلال الأحمر السوري لمساعدتي كمتضرر من الزلزال، أنفقت معظمها في شراء بعض الأغراض الضرورية التي فقدناها في شقتنا المهدمة كالهاتف الخليوي وبطارية الإنارة، وسددّت بما تبقى من المبلغ ديونا تراكمت علي طوال السنة الماضية. وأبحث الآن عن عمل إضافي لإعالة أسرتي”.
وتفاقم الأزمة المعيشية في مناطق سيطرة النظام من مأساة متضرري الزلزال، فيلجأ كثيرون منهم إلى بيع بعض مستحقاتهم الغذائية والصحية التي يستلمونها من المنظمات المعنية لشراء احتياجات أكثر ضرورة.
وأشار تقييم أممي إلى أن إجمالي الأضرار والخسائر في سوريا نتيجة الزلازل بلغت قرابة 9 مليارات دولار، وأن هناك حاجة لنحو 15 مليار دولار للتعافي في المناطق المتضررة.
في حين استعرض مجلس إدارة الصندوق الوطني لدعم المتضررين من الزلزال، المُنشأ وفق المرسوم التشريعي رقم 7 لعام 2023، في اجتماعه الأحد الماضي نتائج ونسب الدعم التي قدمها في المرحلة الأولى من عمله، وأوضح المجلس أنه تقدم دعما ماليا يقارب 21 مليار ليرة (قرابة 143 ألف دولار) إلى 381 متضررا من إجمالي 1378 متضررا من الشريحتين “أ” و “ب” اللتين تشملان من هُدمت منازلهم بالكامل.
ولم يلتفت المجلس إلى ما تبقى من شرائح المتضررين، سواء ممن تصدّعت منازلهم، أو دمِّرت محالهم، أو خسروا سياراتهم بسبب الزلزال.
ويرزح نحو 90% من السوريين منذ عام 2021 (قبل الزلزال) تحت خط الفقر، في حين يعاني نصف السكان من انعدام الأمن الغذائي بحسب تقارير أممية.