قالت صحيفة “غارديان” البريطانية إن إسرائيل أحالت أكثر من 200 مبنى ذي أهمية ثقافية وتاريخية في غزة إلى أنقاض، بما في ذلك المساجد والمقابر والمتاحف، حتى أصبحت الثقافة والتاريخ بالنسبة للفلسطينيين القلائل الذين بقوا، وللنازحين الذين يأملون في العودة، مجرد ذكريات.
وأوضحت الصحيفة -في تقرير للكاتب كامل أحمد- أن المسجد العمري أو المسجد الكبير في غزة الذي يعود تاريخه إلى القرن السابع، انهارت جدرانه وانقطعت مئذنته، ومن حوله كانت المدينة التاريخية نقطة محورية في تاريخ وثقافة القطاع، لكن الضرر الذي لحق بتراثها على مدى أكثر من 100 يوم من القصف الإسرائيلي امتد عبر أنحاء المدينة.
لن ترى سوى الذكريات
وقال بدر الزهارنة الذي يعيش في مدينة غزة مع كثافة العملية البرية الإسرائيلية فيها، إن “المدينة أصبحت مدينة أشباح، يتجول فيها الناس بوجوه شاحبة وأرواح متعبة بعد أن مروا بهذه الحرب. إذا مشيت إلى مدينة غزة القديمة، فلن ترى سوى الذكريات وستشعر بالاشمئزاز والحزن بسبب حجم الدمار الذي لحق بالمواقع الثقافية والدينية. من يمشي في غزة يبدو وكأنه في فيلم، في قصة خيالية، المشهد مروع”.
وتقول وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن حماية الثقافة (اليونسكو) إنها تحققت من الأضرار التي لحقت بما لا يقل عن 22 موقعا، بما في ذلك المساجد والكنائس والمنازل التاريخية والجامعات والأرشيفات والموقع الأثري لميناء أنثيدون، أول ميناء بحري معروف في غزة، وأضافت أنها تلقت تقارير عن أضرار لحقت بمواقع أخرى لكنها لم تتمكن من التحقق منها بسبب الحرب.
207 مبانٍ قيمة ثقافيا وتاريخيا
وذكر تقرير حديث لوزارة الثقافة الفلسطينية حول الأضرار الإسرائيلية التي لحقت بالتراث الفلسطيني أن القصف الإسرائيلي لغزة دمر 207 مبانٍ ذات أهمية ثقافية أو تاريخية، بما في ذلك 144 في المدينة القديمة و25 موقعا دينيا، وشملت الأضرار مقبرة رومانية قديمة ومقبرة حرب الكومنولث التي دُفن فيها أكثر من 3 آلاف جندي من بريطانيا ودول الكومنولث خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية.
وحذرت منظمة اليونسكو من أن المزيد من المواقع معرضة للخطر، بما في ذلك أحد أقدم الأديرة المسيحية في المنطقة، وهو دير سانت هيلاريون، وأوضحت “تشعر اليونسكو بقلق عميق بسبب الأضرار التي لحقت بالمواقع الثقافية والتاريخية في غزة، وإذ تعتبر حالات الطوارئ الإنسانية أولوية مشروعة، فإن حماية التراث الثقافي بجميع أشكاله يجب أيضا ضمانها، وفقا للقانون الدولي”.
وقال وسام نصار، وهو مصور يعيش الآن في كندا وقد غطى عدة حروب في غزة ووثق ثقافتها أيضا، إن الأضرار التي لحقت بالمسجد العمري ومحيطه أصابته شخصيا بالحزن.
وأضاف أنه، كمصور، سيحمل الحزن طوال حياته لأن هذه المباني التاريخية يصعب ترميمها، وخسارتها لا تعوض، “ولكن الحزن الأكبر سأشعر به عندما أنظر إلى الصور التي التقطتها داخل هذه المواقع الأثرية. وقال: “للأسف، إسرائيل دمرت كل شيء جميل في غزة. لم تهدف إلى تدمير البشر فحسب، بل أيضا الحجارة والبنية التحتية والمباني التاريخية. تريد القضاء على الحياة البشرية والتراث الثقافي”.
ضرر دائم
وقال إسبر صابرين، رئيس منظمة التراث من أجل السلام غير الحكومية، إن الضرر الذي لحق بتراث غزة سيكون دائما ويصل إلى ما هو أبعد من المباني المادية، وقال إن ما حدث للمواقع الدينية سيؤثر على الحياة الاجتماعية للمسلمين والمسيحيين على حد سواء وسيستغرق إعادة تأهيلها وقتا طويلا.
وقال صابرين “إن تدمير التراث في غزة هو أيضا تدمير للتقاليد، وهو تدمير لعاداتهم وثقافتهم. إنه تدمير هائل للتراث أن يتم فصل سكان غزة عن أرضهم عمدا. من المهم الحفاظ عليها واستعادتها. عندما تتوقف الحرب ستكون هناك حاجة لتقييم ما تم تدميره”.