جريمة قتل ذات طابع سياسي تهز أميركا.. شاب يعرض فيديو لرأس والده المقطوع

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 12 دقيقة للقراءة

هزّت جريمة قتل ذات طابع سياسي الشارع الأميركي بعدما أقدم شاب في ولاية بنسلفانيا على قتل والده وعرض رأسه المقطوع في مقطع فيديو على يوتيوب، داعيا إلى قتل جميع المسؤولين الفدراليين في الولايات المتحدة.

وجاء مقطع الفيديو الذي بثه جاستن موهن (32 عامًا)، من قرب مركز تدريب للحرس الوطني في بنسلفانيا بمنطقة فورت إنديانتاون جاب، بمثابة بيان دعا خلاله “الوطنيين الأميركيين لحمل السلاح ضد الحكومات الفدرالية”.

نقاط عديدة وردت في حديث موهن أعادت إلى الأذهان موضوعات شائعة غالبا ما يركز عليها الناشطون اليمينيون المتطرفون، فيما تداخلت بعض طروحاته مع نظريات المؤامرة التي تتبناها بعض الحركات المتطرفة مثل حركة “قنون” (QAnon).

موهن قال في مقطع فيديو تزيد مدته على 14 دقيقة (حذف بعد ساعات من نشره) إن والده كان موظفًا فدراليًّا لمدة 20 عامًا، “وهو الآن في الجحيم إلى الأبد باعتباره خائنًا لبلاده”، داعيا المواطنين إلى “مهاجمة الموظفين الفدراليين، وقتل جهات إنفاذ القانون الفدرالية، ومهاجمة الصحفيين، وقرأ اسم وعنوان قاضي المحكمة الأميركية في مقاطعة مونتغومري”.

واشتكى موهن من المهاجرين الذين يأتون إلى البلاد بشكل غير قانوني، والرئيس جو بايدن، وغيره من المسؤولين الفدراليين رفيعي المستوى، والشيوعيين، و”الغوغاء اليساريين المتطرفين”، وأنصار حركة “حياة السود مهمة”، وحركة “أنتيفا” المناهضة للفاشية.

وقال موهن، “أنا الآن رسميا القائم بأعمال رئيس أميركا في ظل الأحكام العرفية”، وتحدث عن الكتاب المقدس، وإلغاء الديون، وتحويل البلاد إلى القيم اليهودية المسيحية، والاتجار بالبشر، معترضاً على ما وصفه بـ “تهرب شركات التكنولوجيا العملاقة من الضرائب”، وداعيًا إلى “ثورة أميركية ثانية”.

موهن أكد في الفيديو أن مكتب التحقيقات الفدرالي هدد سابقًا باعتقاله، مشيرا إلى أن الحزبين الديمقراطي والجمهوري كانا يعتقدان أنه أفضل مرشح للرئاسة في عام 2020 وأن “هناك أشخاصا” يعتقدون أنه المسيح.

وألقت السلطات القبض على جاستن موهن فجر الأربعاء 31 يناير/كانون الثاني 2024، بعد ما اتصلت زوجة الضحية بالطوارئ، وعثرت على جثة والده مايكل موهن (68 عاما) في حمام منزله الكائن بمنطقة أبر أوركارد درايف قرب نيوجيرسي.

نظريات المؤامرة اليمينية في أميركا

حادثة جاستن موهن أعادت للأذهان أحداث 6 يناير/كانون الثاني عام 2021 التي أصبحت رمزا لليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما خرجت مجموعات من المتطرفين اليمينيين ممثلة بجماعة “الصبيان الفخورين” (Proud Boys)، وجماعة “حراس القسم” في احتجاجات على ما ادعوه من “سرقة الانتخابات بمؤامرة نفذتها الدولة العميقة”.

وحسب خبراء فإن جماعات اليمين المتطرف، مثل تلك التي شاركت في اقتحام مبنى الكابيتول، باتت تمثل خطرا جديا ومتزايدا في عموم أميركا، حيث زادت مشاركة الجماعات المسلحة في المظاهرات بشكل كبير منذ فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

وفي مطلع سبتمبر/أيلول 2021، أقر الأميركي أنطوني تشانسلي -المعروف بلقب “شامان كيو أنون”- بالذنب أمام محكمة فدرالية بتهمة مشاركته في أعمال الشغب خلال أحداث اقتحام مبنى الكونغرس الأميركي في يناير/كانون الثاني 2021.

وخلال الحادثة التي وُصفت قانونياً بأنها واقعة تمرُّد وإرهاب داخلي، توفي 4 أشخاص، وثارت فوضى سياسية وسط تحذيرات من اندلاع حرب أهلية ونهاية وشيكة للديمقراطية الأميركية.

ولفت تشانسلي انتباه العالم بصدره المُغطى بالوشوم التي تحمل رموزا دينية من التراث الإسكندنافي، بعضها يُشير إلى تفوُّق العِرق الأبيض، إلى جانب غطاء رأسه المصنوع من قرون الجاموس، والفرو المتدلي على كتفه.

بعد البحث في سجله تبيَّن أنه مؤسس لصفحة على فيسبوك تدعو أعضاءها للوصول إلى درجة من درجات الصحوة، والتسامي، والاستيقاظ من السبات الذي يغرق فيه العالم.

وعلى الرغم من أن جماعات اليمين المتطرف عادة ما تكون ضد الحكومة، فإن الكثير منها وقف في صف الرئيس السابق ترامب، وحسب ما تقول الباحثة في شؤون المليشيات، آمي كوتر: “ترى معظم هذه الجماعات أن ترامب أقرب شخص، حصلوا عليه حتى الآن، إلى نموذجهم المثالي للرئيس”.

ويناصر ترامب مجموعات كبيرة من الإنجيليين المسيحيين والبيض العنصريين والفئات الأكثر ثروة ومجمعات الصناعات العسكرية، ويؤمن أغلبهم بأن ترامب هو هدية الرب لهم لاستعجال عودة المسيح المنتظر.

ويرى خبراء أن سياسات ترامب -المرشح بقوة للعودة إلى البيت الأبيض مرة أخرى في انتخابات 2024-، أسهمت في التناحر الاجتماعي داخل الولايات المتحدة الأميركية خلال السنوات القليلة الأخيرة مع تزايد ظاهرة المجموعات المسلحة التي تعتنق معتقدات سياسية معينة.

وأسس أبرز هذه الميليشيات أميركيون من أصحاب البشرة البيضاء ينتهجون سياسات عرقية ويمينية متطرفة، أبرزها مجموعات “بوغالو” التي تأسست كحركة يمينية عام 2012، إلا أنها اشتهرت عام 2019، ومؤخرا برزت جماعات أخرى من أمثال “ذا براود بويز” (الأولاد الفخورون) و”ذا بوغالو بويز”.

وتعد “ذا بوغالو بويز” جماعة غير محكمة التنظيم يعبر أفرادها عادة عن رغبتهم في القيام بانقلاب مسلح ضد الحكومة، بينما تركز جماعة “ذا براود بويز” التي أنشئت في عام 2016 على معاداة المهاجرين.

ومن بين هذه المليشيات أيضا “حفظة القسم” التي يقدر عدد أعضائها بحوالي 35 ألف عضو، وشعارهم “حماية الدستور الأميركي بكل السبل السلمية والمسلحة”، وهي جماعة يمينية متطرفة تؤمن أيضا بتفوق العرق الأبيض، وهناك أيضا جماعة “الثلاثة في المائة”.

وحذرت وزارة الأمن الوطني الأميركية في تقييمها السنوي عام 2020 من أن عنف نزعة تفوق البيض كان “التهديد الأكثر فتكا واستمرارا في البلاد”، وقد جاءت معظم المؤامرات والهجمات الإرهابية خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2020 من اليمين المتطرف، أكثر بكثير من اليسار المتطرف أو الجماعات “الجهادية” المسلحة، بحسب مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن.

وأظهر المتطرفون الجدد من اليمينيين غضبهم من الحكومة الاتحادية، بممارسات تشبه تلك التي أشعلت الحربَ الأهلية الأميركية ما بين عامي 1861 – 1865، مثل معارضتهم للمساواة والديمقراطية، وادعائهم الشعور بالإقصاء بسبب بيروقراطية الحكومة الاتحادية والضرائب التي تفرضها، وسيطرة النخب الليبرالية، والتصريح بمخاوفهم من التهديدات المتوقعة بسبب التطور التكنولوجي، والاعتماد على الإبداع التقني، والانشغال بالكفاءة والخبرة.

وزعم اليمين المتطرف بأن الأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية تسببوا في انتشار الجريمة، وفتحوا الحدود للمهاجرين القادمين من مختلف البلدان، ودمَّروا الروحَ المعنوية لأفراد الشرطة، حسبما أكدت دراسة حديثة لستيفن إريك برونر المدير المشارك للمجلس الدولي للدبلوماسية والحوار تحت عنوان “اليمين المتطرف في الولايات المتحدة – فكر أسطوري وعنف سياسي”.

من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة روتغرز، إن توغل اليمين المتطرف في المجتمع الأميركي أدى إلى انتشار ظاهرة العنف كسبيل وحيد لحل النزاعات والخلافات، وأصبح ما يزيد على 500 مليون سلاح في قيد التداول والانتشار في عموم الولايات المتحدة ما تسبب في المئات من حوادث إطلاق النار الجماعية والفردية.

وتصب سياسات اليمين المتطرف في مصلحة تيار الإنجيليين المسيحيين، وغيرهم من المتعصبين الدينيين، والقوميين البِيض، والمتطرفين من مناصري حمل السلاح، والنازيين الجدد، والمولعين بنظرية المؤامرة، وفق الدراسة.

ويقول برونر إن الخرافات والأساطير هي التي شكلت نظرة اليمين المتطرف إلى العالم والحياة، وكلما تعمق اليمين في الفكر العقائدي أصبحت انتماءاته السياسية أكثر تعصبا، حيث يرون أن العصر الذهبي مرتبط بهيمنة الرجل الأبيض، وسيادة الديانة المسيحية، وباستمرار سيطرة أصحاب الأموال من الأثرياء والملاك.

وأضاف، “يعتقد أتباع اليمين المتطرف أن الوعد بالسعي لتحقيق السعادة عند إعلان الاستقلال كان موجها إليهم وحدهم دون العمال وأصحاب البشرة الملونة (السوداء والصفراء) والنساء والأميركيين الأصليين (الهنود الحمر) والآسيويين وفئات الشعب الأخرى”.

وانتشرت الحركات العنصرية، والمليشيات الرافضة لاندماج السود، خاصة في الولايات الجنوبية. وكثرت الحركات المناهضة للاندماج ومن أهمها “مجلس المواطنين المحافظين” الذي أنشئ عام 1985 ويدعو إلى المواطنة الحصرية للبيض، كما يؤمن بتفوقهم.

وبحسب الدراسة، كانت بدايات تصاعد هذا النشاط في نهاية الحقبة الرئاسية للرئيس جورج بوش الابن، وبعد أن أثقلت البلاد بآثار غزو العراق، والكساد الاقتصادي في عامي 2007 – 2008، برزت “حركة الشاي” ذات الإطار الاقتصادي المحافظ، والتوجهات اليمينية المتطرفة، والميول الجمهورية في المشهد السياسي.

وبوصول الرئيس أوباما لسدة الحكم عام 2008، احتدم التنافس السياسي بين الحزبين، ونما الخطاب العنصري التحريضي وارتفع صوته، وأدى إلى ظهور مناخ يسوده الاستقطاب، ويزدهر فيه اليمين المتطرف، وسرعان ما أصبحت القومية جزءًا من الحياة السياسية اليومية، وازدادت كراهية الأجانب والمهاجرين، وفق الدراسة.

“رجلٌ أبيض متعلمٌ أكثر مما ينبغي”

بالعودة إلى جاستن موهن مرتكب واقعة بنسلفانيا فهو يعد امتدادا لتيار اليمين المتطرف في أميركا، والذي ينشر نظريات المؤامرة التي يقول إنه أحد ضحاياها منذ أن فشل في العثور على عمل، ما أجبره على العودة للعيش مع والديه، حيث بدأ بعد تخرجه في سداد أقساط قرض بقيمة 80 دولارًا شهريًا ما سبب له “أضرارًا نوعية في حياته”، وبعد مرور عام، انتقل إلى كولورادو للعمل.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2016، انتقل للعمل في وظيفة أخرى مقابل أجر أعلى، قبل أن يفصل منها وتبلغ ديونه 12 ألف دولار، ما أثر سلبًا على سجله الائتماني.

خريج إدارة الأعمال الزراعية رفع 3 دعاوى قضائية ضد الوكالات الفدرالية، بما في ذلك الحكومة الأميركية، زاعمًا أن إهمالها تسبب في حصوله على قروض طلابية بين عامي 2010 و2014 بحسب ملف المحكمة.

وبحسب الصحف الأميركية، فإن موهن أقام دعوى قضائية في عام 2020 ضد الحكومة الأميركية مطالبا بتعويض قيمته 10 ملايين دولار، ودفع في دعواه بأن الحكومة ضللته هو ووالديه بشأن المخاطر التي ينطوي عليها قرض الطالب الخاص به، نظرًا لأنه لن يتمكن من العثور على عمل باعتباره “رجلا أبيض متعلمًا أكثر مما ينبغي”.

ويدعي الشاب الأميركي أن “وزارة التعليم تشجع طلاب المدارس الثانوية على الالتحاق بالجامعة، لكنها لا تكشف للطلاب الذكور البيض مخاطر التعليم الجامعي الممول من خلال قروض الطلاب”، كما كتب في الدعوى.

وبعد رفض ادعاءاته، سعى إلى استبعاد القاضي من القضية بسبب ما ادعى أنه تحيز شخصي ومصالح مالية شخصية متضاربة.

وكان موهن نشطا للغاية على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قام بالترويج لموسيقاه وكتبه التي أصدرها بنفسه، قائلا “إنه يرغب فقط في إحداث تغيير إيجابي في العالم”.

ويحتوي كتاب أصدره عام 2017، بعنوان “دليل بقاء زعيم الثورة”، على نسخة من رسالة موجهة إلى الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب، تحذر من “ثورة سلمية شجع عليها المؤلف إذا لم يحدث تغيير إيجابي في أميركا والعالم قريبا”.

وفي عام 2020، نشر موهن كتابًا عن قصة رجل انتقل إلى كولورادو سبرينغز، بعنوان “المسيح الثاني: ملك الأرض” تحدث فيه عن طائفة شيطانية واسعة النطاق، والحزب الديمقراطي، والحرب الباردة، موضحا أن الكتاب مستوحى من حياته التي عاشها في كولورادو.

المصدر : الجزيرة + الصحافة الأميركية + الصحافة البريطانية + مواقع إلكترونية

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *