غزة– يصعد عبد الهادي عوكل فوق سطح منزل مدمر في منطقة تل الزعتر بمخيم جباليا شمال قطاع غزة، من أجل الحصول على إنترنت عبر شريحة إلكترونية، باتت هي الوسيلة الوحيدة لتواصل الغزيين في شمال القطاع مع العالم.
وجراء الانقطاع المتكرر لخدمات الاتصالات والإنترنت منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عرف الغزيون أو غالبيتهم -لأول مرة- الشرائح الإلكترونية “إي- إس آي إم” (E-SIM) أو بطاقات “إس آي إم” (SIM) الافتراضية، للبقاء على اتصال بالإنترنت لأغراض إنسانية أو مهنية.
وبالنسبة لعوكل، فإن هذه “الشريحة بمثابة كنز لكل من يمتلكها في مناطق شمال قطاع غزة”، المعزولة عن العالم جراء القطع التام للاتصالات والإنترنت عنها، بفعل الدمار الهائل الذي تسببت به آلة الحرب الإسرائيلية.
مهمة تهدد الحياة
يقع منزل عوكل في منطقة منخفضة بمخيم جباليا، فيضطر للصعود يوميا فوق سطح منزل مدمر جزئيا، جراء غارة جوية إسرائيلية في منطقة “تل الزعتر” القريبة، ليتمكن من التقاط إشارة توصله بالإنترنت، للاطمئنان على أهله، وأحبته النازحين في جنوب القطاع، والمقيمين خارجه.
رفض الرجل النزوح عن منزله، وتمسك مع عدد من أفراد أسرته وعائلته بالبقاء في مخيم جباليا، فيما نزحت والدته وشقيقاته وآخرون إلى مدينة رفح في جنوب القطاع.
ويقول للجزيرة نت “بفضل هذه الشريحة أصبحت أنا الوسيط بين الشمال والجنوب، وكذلك مع أبناء العمومة والأصدقاء في الضفة الغربية وخارج البلاد، يتواصلون معي كي يطمئنوا على بعضهم بعضا عن طريقي، في ظل تردي خدمات الاتصالات والإنترنت عبر الشبكات الفلسطينية”.
وتعتبر مهمة عوكل وغيره في مدينة غزة وشمال القطاع للحصول على الإنترنت مهمة ليست سهلة، وتحفّها الكثير من المخاطر، فمنهم من دفع حياته ثمنا لها جراء استهداف جيش الاحتلال له، وكان من بينهم صحفيون أصيبوا بجروح أثناء البحث عن مكان مرتفع تتوفر به إشارة إرسال، عبر شبكة اتصالات متاحة للحصول على الإنترنت.
يمكث عوكل لنحو ساعتين فوق سطح ذلك المنزل المدمر، يتابع الأخبار والتطورات، ويتواصل مع الأهل والأصدقاء، ويصف هذه المهمة اليومية بالخطيرة، ولا يأمن على نفسه من طائرات الاحتلال التي تجوب أجواء القطاع على مدار الساعة، غير أنه يقول “المغامرة تستحق، من أجل البقاء على تواصل مع أهلي وأصدقائي ومتابعة عملي”.
“نقطة تواصل”
وللحصول على إنترنت عبر هذه الشريحة، يسير المصور الصحفي عمر القطّاع مسافة طويلة من حي الدرج إلى شارع الجلاء، حيث منزل مرتفع لأقاربه. ويقول للجزيرة نت “أضطر للصعود فوق سطح الطابق الرابع، والمكوث فترة طويلة، وبصعوبة أحصل على إشارة للاتصال بالإنترنت، وجودته ضعيفة ويستنزف وقتا وجهدا كبيرين لتحميل صور بجودة عالية وإرسالها”.
يقيم عمر وأسرته حالياً لدى عائلة زوجته، في حي الدرج شرقي مدينة غزة بعد دمار شقته السكنية، ويحرص على إنهاء عمله قبل مغيب الشمس، لما يحمله الليل معه من مخاطر شديدة.
يصف عمر نفسه بأنه بات “نقطة تواصل” بين الأهل والأصدقاء في داخل القطاع وخارجه بفضل هذه الشريحة، ويقول “الناس في غزة كالغريق الذي يتعلق بقشة من أجل النجاة، وهذه الشريحة بمثابة هذه القشة التي تبقيهم على قيد الإنترنت واستمرار التواصل والاطمئنان على بعضهم البعض”.
أما أم قصي، فكانت الشريحة الإلكترونية وسيلتها الوحيدة للبقاء على اتصال مع أبنائها الأربعة الذين يدرسون ويقيمون في دول عربية وأوروبية. وتقول للجزيرة نت “عشت أياما من الرعب والقلق على أبنائي، عندما قطع الاحتلال الاتصالات والإنترنت بشكل كلي عن غزة لأول مرة في الأسابيع الأولى للحرب”.
وتضيف هذه المرأة الأربعينية النازحة من شمال القطاع إلى مدينة رفح “كانت تجربة غير مسبوقة، فقدت كل وسيلة تواصل مع أبنائي، ولم أكن أعلم من قبل بالشرائح الإلكترونية، حتى عرفتني صديقة على حملة لمتطوعة مصرية تدعم أهل غزة بهذه الشرائح”.
ولأن هذه الشرائح لا تعمل إلا على أنواع متقدمة من أجهزة الهواتف النقالة الذكية، لا تمتلك أم قصي أحدها، فقد احتاجت إلى ضبطها وتفعيلها على هاتف زوجها، وتكابد من أجل التقاط إشارة اتصال لإحدى شركات الاتصالات الإسرائيلية للحصول على الإنترنت.
“توصيل غزة”
المتطوعة المصرية التي أشارت لها أم قصي، هي الناشطة ميرنا الهلباوي، التي أسست مبادرة “توصيل غزة”، وهي مبادرة شعبية تستخدم شرائح إلكترونية “إي- إس آي إم” (E-SIM) أو بطاقات “إس آي إم” (SIM) الافتراضية، لمساعدة الغزيين على تجنب انقطاع الاتصالات، والبقاء على تواصل مع بعضهم البعض والعالم الخارجي، في ظل حرب إسرائيلية طال دمارها أبراج ومحطات إرسال وشبكات لشركات الاتصال الفلسطينية.
وهذه المبادرة هي إحدى مبادرات كثيرة فردية وجماعية، ظهرت منذ قطعت الاتصالات والإنترنت لأول مرة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وزادت أهميتها مع تكرار القطع 10 مرات ولفترات متفاوتة، آخرها لـ7 أيام خلال يناير/كانون الثاني الجاري.
وفي مقطع فيديو باللغة الإنجليزية نشرته على حسابها بمنصة إنستغرام، بمناسبة مرور 90 يوما على إطلاق المبادرة، تقول ميرنا إنه “من يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول (الماضي) للنهاردة (حتى اليوم)، تم توزيع أكثر من 150 ألف شريحة إلكترونية لأهل غزة، لأنها وسيلة التواصل الوحيدة، سواء بينهم، أو مع العالم، بسبب قطع إسرائيل للاتصالات والإنترنت بشكل مستمر”.
وللتسهيل على الراغبين بالحصول على هذه الشريحة، وضعت ميرنا في صندوق الرسائل الخاص بها عبارة مثبتة “ممكن شريحة إلكترونية” وبالضغط عليها يصل الطلب للمبادرة.
وبعثت ميرنا برسالة شكر وامتنان لداعمي المبادرة، التي بلغت كلفتها حتى الآن حوالي 4 ملايين دولار، وقالت “دعمكم يحفظ الحياة.. دعمكم يبقي الاتصال بين العائلات والأحباب، ودعمكم هو الوسيلة الوحيدة للصحفيين والطواقم الطبية لكشف ما تتعرض له غزة، وهو الطريقة الوحيدة ليبقى صوت غزة، حافظوا على الاتصال لغزة والإنسانية”.