القدس المحتلة- حمل مؤتمر “العودة للاستيطان في قطاع غزة والتهجير الطوعي للفلسطينيين” الذي نظمته جمعيات استيطانية وأحزاب اليمين المتطرف في القدس المحتلة، رسائل كثيرة تُجمع على تحول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى رهينة لسياسات وأيدولوجيا هذا اليمين.
والمؤتمر، الذي عقد الأحد، وجاء عقب قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي ومطالبتها حكومة الاحتلال باتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية وتجنب استهداف المدنيين الفلسطينيين في الحرب على غزة، عكس الخلافات وتباين المواقف الإسرائيلية حيال اليوم التالي للحرب، وكذلك حالة الإرباك التي تشهدها الخارطة السياسية الإسرائيلية في ظل استمرار القتال.
ويدعو المؤتمر إلى الاستيطان في كل فلسطين التاريخية لدوافع دينية توراتية، ويقول المحللون إنه عمق الشرخ والصراع في المجتمع الإسرائيلي بشأن هوية “الدولة اليهودية”، وعكس حالة الاستقطاب ما بين التيار الديني والعلماني التي خفتت حدتها قليلا مع اندلاع معركة “طوفان الأقصى”.
ضوء أخضر
واتفقت تقديرات بأن هذا المؤتمر أتى بضوء أخضر من نتنياهو الذي انتدب بعض وزراء وأعضاء الكنيست عن حزب الليكود للمشاركة بالمؤتمر إلى جانب تحالف “الصهيونية الدينية الجديدة” و”القومية المسيحانية” ومجلس المستوطنات في الضفة الغربية.
ورجّحت تحليلات إسرائيلية أن دعم نتنياهو الخفي لهذا المؤتمر يعكس الاستقطاب بالمشهد السياسي والحزبي بتل أبيب، وكذلك خضوعه لابتزازات التيارات الدينية واليمين المتطرف لمنع تفكك ائتلاف حكومته، وخشية إنهاء مسيرته السياسية والإطاحة به عن كرسي رئاسة الوزراء.
وتحت عنوان “حفلة الشاي المسمومة”، كتب المحلل السياسي أمير بار شالوم، مقالا في الموقع الإلكتروني “زمان يسرائيل” انتقد فيه المؤتمر وتوقيت انعقاده. وقال إن “الكاهانية احتفلت بأعظم انتصار في تاريخها في كرنفال مسعور من الخطب والأغاني والرقصات التي تعجز كلمة خزي عن وصفها”.
وأضاف “يأتي مؤتمر اليمين المتطرف في وقت يخاطر فيه عشرات الآلاف من الجنود بحياتهم في قطاع غزة، فيما يبقى مصير أولئك الذين تم اختطافهم ويُحتجزون في أنفاق حركة حماس مبهما، بينما مناطق بأكملها من البلاد هجرها سكانها الذين أصبحوا نازحين داخليا، والاقتصاد في خطر”.
وأوضح المحلل السياسي أن المؤتمر، الذي شارك فيه وزراء وأعضاء كنيست من اليمين والليكود، يأتي عقب قرار محكمة لاهاي حيث أصبحت مكانة إسرائيل الدولية أكثر غموضا من أي وقت مضى.
وتابع “ما لا يقل عن 26 وزيرا ونائبا بالكنيست تحدثوا وغنوا ورقصوا بنشوة في “مؤتمر النصر” الذي يدعو إلى تجديد الاستيطان اليهودي في قطاع غزة، بعد ترحيل الفلسطينيين فيما بات يُعرف لدى اليمين المتطرف بالهجرة الطوعية”.
ويعتقد بار شالوم أنه إذا لم يتم كبح جماح الأشخاص الذين رقصوا حول “العجل الذهبي” في “مباني الأمة” في القدس، ودفعهم إلى هامش المجتمع الإسرائيلي، “فسيُغرقون إسرائيل في هاوية أعمق بكثير من تلك التي سقطنا فيها جميعا في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023”.
جنون
بدوره، أكد الحاخام داني دانييلي، في مقالة بالموقع الإخباري “واللا”، أن ما يسمى “مؤتمر النصر والعودة للاستيطان في غزة يعكس النزعة المسيانية التي سيطرت على السلطة في إسرائيل، وأنه بمثابة جنون ولا يعبر عن حضور الجمعيات والمنظمات اليهودية فقط، بل عن ائتلاف حكومة نتنياهو الفاشل والخطير”.
وأوضح دانييلي العضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة “حاخامات لحقوق الإنسان”، أن هذا المؤتمر يشير إلى أن “الشعب اليهودي” لم يستخلص العبر من التجارب وما حصل معه في الماضي. وقال “وكأننا لم نتعلم شيئا من الفظائع التي عاشها شعب إسرائيل”.
وأضاف أن هذا المؤتمر سبقته، في الأسابيع الأخيرة، تصريحات كثيرة لشخصيات إسرائيلية عديدة تحدثت وكتبت صراحة عن احتلال قطاع غزة وضم أجزاء كبيرة من شماله وترحيل “طوعي” للفلسطينيين، وإقامة مستوطنات يهودية في الأراضي المزمع احتلالها وضمها.
وأكد أن “كل ذلك يترافق مع لغة انتقامية متطرفة للإسرائيليين تجاه جميع سكان غزة دون تمييز، ومطالبة الحكومة بعدم السماح بإدخال المساعدات الغذائية والإنسانية، وعدم إنهاء الحرب دون تحقيق أهدافها غير الواضحة أصلا”.
إن انعقاد هذا المؤتمر في الوقت الحاضر، يقول الحاخام دانييلي “يعكس ويعبر بشكل جيد عن صورة وجوهر اليهودية الإسرائيلية المسيانية المتطرفة التي أكسبتها قبضة محكمة على أنظمة ومقاليد الحكم في إسرائيل، والتي تولي أفضلية للتفوق اليهودي العنصري”.
حالة إحراج
في الجانب السياسي، تقول محللة الشؤون السياسية في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، موران أزولاي، إن انعقاد المؤتمر وسط القتال في خان يونس ومناطق أخرى في قطاع غزة تسبب في حالة إحراج لبعض قيادات الليكود وحتى نتنياهو الداعم الخفي لهذا التوجه .
ولفتت أزولاي إلى أن حالة الإحراج انعكست في الشعارات والنصوص والتصريحات التي أُسمعت في المؤتمر، والتي كانت ذات يوم ملكا للمتطرفين اليمينيين والأشخاص المهمشين في المشهد السياسي الإسرائيلي.
“معظم وزراء الحزب الحاكم الذين لم يحضروا مؤتمر اليمين شعروا بعدم الارتياح”، تقول أزولاي “لكن، لماذا يخشون الوقوف ضد المؤتمر علنا؟ ولماذا يرفض العديد من أعضاء الليكود طرح وجهة نظرهم المتطرفة؟”.
ورجحت أن الصمت في الليكود والتحفظ الخجول من قبل نتنياهو بشأن المؤتمر وتوقيت انعقاده، وحتى مضامينه وشعاراته، يعكس حالة الضرر التي تسبب بها المؤتمر الذي يزيد من الخلاف الداخلي في إسرائيل، وبالتالي الانخراط في سياسة أكثر إثارة للانقسام، كما يمكن أن تنتج عنه تحديات دولية معقدة.
وتعتقد محللة الشؤون السياسية أن نتنياهو محاصر، وبات رهينة لدى تحالف الصهيونية الدينية برئاسة وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، وحزب “عظمة يهودية” برئاسة الوزير إيتمار بن غفير. ورجحت أن التحدي الأكبر لنتنياهو لم يأت بعد، وأن ذلك سيكون مقابل صفقة تبادل ووقف الحرب وهو ما يهدد ائتلاف حكومته.