واشنطن- تشهد الولايات المتحدة أزمة غير مسبوقة تتعلق بالمهاجرين غير النظاميين، الذين لا يتوقف وصولهم وعبورهم للحدود الجنوبية للولايات المتحدة مع المكسيك بمعدلات قياسية، حيث بلغ إجمالي من دخل الأراضي الأميركية خلال الشهر الماضي فقط 300 ألف شخص، أي بمعدل يقترب من 10 آلاف مهاجر يوميا.
ومع فشل الإدارات الأميركية المتعاقبة، الجمهوري منها والديمقراطي، في التعامل مع ملف الهجرة، لجأت الولايات الحدودية الأربع، كاليفورنيا، أريزونا، نيو مكسيكو، وتكساس، إلى إجراءات منفصلة لمواجهة هذه الأزمة.
إلا أن ولاية تكساس، وبمبادرة من حاكمها الجمهوري غريغ أبوت، لجأت لنص دستوري قديم يحمل في طياته تعقيدات قد تدفع لمواجهات بين الحرس الوطني للولايات (جيش الولاية ذو التسليح الخفيف) وعناصر أجهزة الهجرة وإدارة الحدود التابعة للسلطات الفدرالية.
ويتيح تعرض الولاية لحالة ما سمي بـ”الغزو” بعض الإجراءات الاستثنائية “للدفاع عن النفس”، وهي الإستراتيجية التي لجأت إليها ولاية تكساس، ما قد يدفع لمواجهة قد تخرج عن نطاقها السياسي والقانوني، الأمر الذي يثير مخاوف ملايين الأميركيين.
تعرض الجزيرة نت في سؤال وجواب جذور هذه الأزمة، والجهود المبذولة لتجنب سيناريوهات كارثية في بداية موسم انتخابات ساخن.
كيف وصلت تكساس إلى هذه المرحلة في مواجهة الحكومة الأميركية؟
تتهم ولاية تكساس، التي يسيطر عليها الجمهوريون، الحكومة الفدرالية تحت حكم إدارة الرئيس جو بايدن، برفض أداء واجباتها بتأمين الحدود الجنوبية للبلاد، بما فيها حدود ولاية تكساس الممتدة على طول 2018 كيلومترا مع المكسيك، وهو ما سمح بدخول 7 ملايين مهاجر غير نظامي للأراضي الأميركية منذ وصول بايدن للحكم.
واعتبر غريغ أبوت، حاكم ولاية تكساس، أن “الحكومة الفدرالية خرقت الاتفاق بين الدولة الأميركية والولايات، لقد أصدر الرئيس بايدن تعليمات إلى وزاراته بتجاهل القوانين الفدرالية التي تنص على احتجاز المهاجرين غير الشرعيين”.
وأمر أبوت قوات الحرس الوطني للولاية ببناء حواجز حدودية، ووضع أسلاك شائكة ضخمة على الحدود، لمنع تدفق المهاجرين غير النظاميين، الذي يقول إنهم “يرهقون المدارس والمستشفيات والبنية الأساسية في الولاية، في وقت لا تستطيع الولاية توفير خدمات صحية واجتماعية وغذائية لهم”.
كذلك منع أبوت قوات ومسؤولي أجهزة الهجرة الفدراليين من دخول مناطق مجاورة لأحد أكبر المعابر الحدودية في الولاية “إيجل باس”، بدعوى أنهم يسهّلون دخول المهاجرين غير النظاميين للولاية، كما قام وعدد من حكام الولايات الجمهورية، بشحن عشرات الآلاف من المهاجرين إلى ولايات ومدن ديمقراطية في شمال أميركا، كنيويورك وشيكاغو وبوسطن، وهو ما خلق أزمة كذلك في هذه المدن.
من المسؤول عن إدارة وتنظيم ملف الهجرة والمهاجرين وحراسة الحدود في الولايات المتحدة؟
يمنح الدستور الحكومة الفدرالية سلطة تنظيم التجنس، وسلطة تنظيم الهجرة وأمن الحدود، إلا أن الكونغرس هو الجهة التي تقر القوانين التي تمنح الحكومة الفدرالية الدور المهيمن على شؤون الهجرة من خلال تنفيذها للقوانين. ومنذ عقود يعجز الكونغرس عن سن وإقرار أي قوانين تتعلق بملف الهجرة، نتيجة الاستقطاب الكبير بين الحزبين، ورغبة كل حزب في استغلال القضية لتحقيق مصالح سياسية انتخابية ضيقة.
ولا تمنع القوانين الفدرالية دخول المهاجرين غير النظاميين من طالبي اللجوء، وهو ما يدفع بمئات الآلاف من المهاجرين غير النظاميين للوصول لنقاط العبور بين المكسيك والولايات المتحدة، ويطالبون بتقديم طلب باللجوء، وفي هذه الحالة يصبح وجودهم نظاميا في الولايات المتحدة، انتظارا لقرار من قاض أو محكمة تبت في طلب اللجوء المقدم منهم، وهو ما يستغرق عدة سنوات.
ورغم أن الدستور الأميركي يُقصر حق التعامل مع ملف الهجرة والمهاجرين غير النظاميين على الحكومة الفدرالية فقط، فإن العديد من الولايات والمدن، الديمقراطية منها والجمهورية، اتخذت إجراءات إدارية تتعلق بإدارة ملف المهاجرين، بعضها داعم للمهاجرين، ويعرقل عمل السلطات الفدرالية في تعقب المخالفين منهم.
وقد أعلنت بعض المدن أنها “مناطق حامية للمهاجرين غير النظاميين”، وعلى النقيض منها اتخذ حكام ولايات جمهورية قرارات بشحن آلاف المهاجرين غير النظاميين للولايات والمدن الديمقراطية الداعمة لحقوق المهاجرين.
ماذا عن ادعاء ولاية تكساس تعرضها للغزو؟
دستوريا، من حق أي ولاية اللجوء للدفاع عن النفس حال تعرضها “للغزو”، وأعلن حاكم تكساس تعرض بلاده لغزو من مئات الآلاف من المهاجرين غير النظاميين، وهو ما اعتبر أنه يمنحه الحق في اتخاذ إجراءات استثنائية لحماية حدود ولايته، وأصدر أبوت بيانا يؤكد فيه “حق تكساس الدستوري في الدفاع عن نفسها وحمايتها، مع استمرار الرئيس جو بايدن في رفض أداء واجباته لتأمين الحدود”.
وفي لقاء بث السبت 27 يناير/كانون الثاني الجاري، مع المذيع تاكر كارلسون على منصة إكس، قال أبوت إن “تجاهل إدارة بايدن لمواجهة تدفق المهاجرين، يأذن لي بإعلان تعرضنا للغزو بموجب المادة 1 القسم 10 من الدستور، والتأكد من أن تكساس ستستخدم كل أداة في ترسانتنا للدفاع عن ولايتنا”.
وأكد أبوت أنه لم يتحدث مع الرئيس حول الوضع الحالي، لكنه تحدث معه سابقا على نطاق أوسع حول أزمة الحدود، وقال أبوت إنه سلم الرئيس بايدن 8 رسائل مع خطط لمواجهة الأزمة المتزايدة على الحدود، لكن بايدن “رفض الرد على كل الرسائل”.
لكن المادة الأولى من الدستور التي يعتمد عليها أبوت في قراره تحد من سلطات الولايات، حيث يحظر على الولايات “الانخراط في الحرب” دون موافقة الكونغرس “ما لم يتم غزوها بالفعل”، حيث تم تبني هذا البند في وقت كان تمتلك الدولة الأميركية جيشا فدراليا صغيرا، وكان تنظيم اجتماع للكونغرس يستغرق أسابيع، فتم السماح للولايات بالدفاع عن نفسها من الغزاة الأجانب حتى وصول القوات الفدرالية.
كيف رد البيت الأبيض على إجراءات تكساس؟
لجأت إدارة جو بايدن إلى المحكمة العليا التي دعمت بدورها موقف بايدن، وأصدرت مؤخرا أمرا ألغى بموجبه أمرا قضائيا لمحكمة الاستئناف الأدنى بمنع الضباط الفدراليين من قطع حواجز الأسلاك الشائكة وإزالة الحواجز، فأقرت حق الحكومة الفدرالية بنزعها.
إلا أن المحكمة لم تشر إلى ضرورة أن توقف ولاية تكساس بناء الأسوار ووضع الحواجز، فاستمرت بالقيام به، كما أن المحكمة لم تتعرض بعد لمنع ولاية تكساس وعرقلتها عمدا قدرة المسؤولين الفدراليين على العمل في منطقة معبر “إيجل باس” وحولها بطريقة لا تتفق مع سيادة القانون الفدرالي.
ويعتبر غياب التفسير إحدى القضايا الحقيقية مع المحكمة العليا، التي تصدر مثل هذه الأحكام المهمة، ومن الواضح تماما أن أبوت يثير معركة حول المدى الذي يمكن أن تذهب إليه الولايات لتحل محل سلطة إنفاذ القانون الفدرالية، وليس فقط تكميلها، وإلى أن تجيب المحكمة العليا بشكل قاطع على كل جوانب الأزمة، يبقى هناك احتمال الانزلاق لمواجهة عنيفة ين مسؤولي ولاية تكساس والمسؤولين الفدراليين.
وطرح بعض النواب الديمقراطيين فكرة إضفاء الطابع الفدرالي على قوات الحرس الوطني لولاية تكساس، وهو إجراء استثنائي نادر، يضع قوات الولاية تحت إمرة الرئيس الأميركي، ورد أبوت بالقول إن “هذه ستكون خطوة خطيرة من جانب بايدن، هذه كارثة كاملة”.
كما حث الرئيس بايدن الكونغرس على تمرير مشروع قانون لإصلاح الحدود، وقال إنه سيكون على استعداد “لإغلاق الحدود تماما” إذا أصبحت مكتظة بالمهاجرين، مشيرا إلى مفاوضات تجري في مجلس الشيوخ حول هذه المعضلة.
ويصر الجمهوريون على إجراء تغييرات في سياسة الحدود كشرط لتمرير المساعدات المتوقفة لأوكرانيا ولإسرائيل، في إطار حزمة مساعدات وأسلحة مقترحة بقيمة 110.5 مليارات دولار.
أما عن موقف الولايات الأخرى، فقد أيد حكام 25 ولاية من الجمهوريين الإجراءات التي اتخذتها ولاية تكساس لتأمين حدودها، وتعهد حكام 10 ولايات بإرسال قوات من الحرس الوطني من ولاياتهم لدعم ولاية وتكساس، واعتبروا أن هذه معركة من أجل مستقبل أميركا كلها.
ما موقف الرأي العام الأميركي حول هذه القضية؟
أظهر العديد من استطلاعات الرأي الأخيرة أن الناخبين لا يوافقون بشدة على تعامل بايدن مع قضية الهجرة، بما في ذلك استطلاع أجرته شبكة “سي بي إس”، حيث وجد أن 63% من المستطلعين قالوا إنهم يريدون أن يكون الرئيس أكثر صرامة على الحدود.
كما أظهر استطلاع للرأي أجرته جامعة تكساس وجود دعم قوي لأي تدابير لتأمين الحدود، ويُظهر أن 61% من المستطلعين، بمن فيهم 90% من الجمهوريين، يفضلون زيادة التمويل لبناء الجدار الحدودي، ووقف دخول المهاجرين غير النظاميين.
ما موقف ترامب من هذه الأزمة؟
يدعم الرئيس السابق دونالد ترامب موقف ولاية تكساس، إلا أنه أخبر بعض أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين بشكل خاص أنه “مستاء من بحث الجمهوريين عن صفقة تحتوي على أمن الحدود”، لأنها ستمنح منافسه بايدن فوزا سياسيا في المواجهة المرتقبة معه، في قضية اعتبر موقف ترامب الصارم تجاهها أحد أهم عناصر جذب فئات كبيرة من الناخبين إليه.
وسبق أن تعهد ترامب بالترحيل الجماعي للمهاجرين غير النظاميين، وأظهرت المحكمة العليا تاريخيا احتراما واسعا لسياسات الهجرة في الفرع التنفيذي، بغض النظر عما إذا كانت هذه السياسات قد وضعها رؤساء ديمقراطيون أو جمهوريون.
وتبرز مخاوف في حال فوز ترامب بفترة حكم ثانية، حيث يمكن أن تنتهك سياساته حقوق المهاجرين، على عكس التحديات الحالية لإدارة بايدن، والتي تم تأطيرها بشكل أكبر من حيث حقوق الحكومة الفدرالية وحقوق الولايات.
وإذا كان ما تفعله تكساس يدفع لمنح الولايات مساحة كبرى للتدخل في سياسة الهجرة الفدرالية، فمن الصعب معرفة سبب عدم اتباع الولايات الديمقراطية لنفس الإستراتيجية خلال إدارة ترامب الثانية.