إسلام آباد- من المقرر أن يزور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان باكستان غدا الاثنين بدعوة من وزير الخارجية الباكستاني جليل عباس جيلاني.
وتحمل هذه الزيارة أهمية كبيرة، خاصة أنها تأتي بعد أيام من دخول البلدين في جو من التوتر في أعقاب الضربات المتبادلة ضد أهداف لـ”جماعات إرهابية” متمركزة في المناطق الحدودية بينهما.
وكانت هناك مخاوف من زيادة التصعيد بين البلدين، حيث اعتُبرت ضربة إيران ضد أهداف في باكستان انتهاكا لسيادة الأخيرة، وبالمثل كان ينظر إلى الضربات الباكستانية ضد الأهداف الإيرانية.
خفض التوتر
جاء تخفيف التوتر بعد اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الباكستاني ونظيره الإيراني في 19 يناير/كانون الثاني الجاري، وعقب رد باكستان العسكري على الضربة الإيرانية التي شنتها في وقت متأخر من يوم 16 يناير/كانون الثاني.
ووفقا لبيان الخارجية الباكستانية، فقد أعرب الوزير جيلاني خلال اتصاله مع نظيره عبد اللهيان عن استعداد باكستان للعمل مع إيران في القضايا كافة على أساس روح الثقة والتعاون المتبادلين، كما شدد على الحاجة إلى تعاون أوثق في القضايا الأمنية.
وكانت باكستان في أعقاب الضربة الإيرانية قد سحبت سفيرها من إيران، وأوقفت عودة السفير الإيراني الذي كان يزور بلاده في ذلك الوقت، كما أوقفت جميع الزيارات الدبلوماسية رفيعة المستوى مع طهران.
وفي خطوة أولى لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين توجه السفير الباكستاني لدى إيران محمد مدثر تيبو أول أمس الجمعة إلى طهران لمباشرة مهامه الدبلوماسية، كما وصل السفير الإيراني إلى إسلام آباد في اليوم نفسه.
وفي تغريدة على منصة “إكس” أول أمس الجمعة قالت المتحدثة باسم الخارجية الباكستانية ممتاز زهرة بلوش إنه وفقا للتفاهم بين البلدين وصل إلى طهران السفير مدثر تيبو، فيما كان السفير الإيراني في باكستان رضا أميري مقدم وصل إلى إسلام آباد.
من جانبه، عبر السفير الباكستاني لدى إيران في تغريدة له وهو في طريقه إلى طهران عن ضرورة وأهمية العلاقات الباكستانية الإيرانية للمنطقة ولتعزيز العلاقات التاريخية، وقال إنه قد حان الوقت لفتح صفحة جديدة.
وبالمثل أعرب السفير الإيراني لدى باكستان لدى وصوله إلى إسلام آباد عن ترحيبه بالإجراءات الدبلوماسية السريعة والفعالة التي اتخذتها الدولتان لمعالجة التوترات الأخيرة.
ترحيب باكستاني
بدوره، اعتبر جاويد حفيظ الدبلوماسي الباكستاني السابق ورئيس مركز إسلام آباد للدراسات السياسية أن زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى باكستان مرحب بها لتخفيض التوتر بين البلدين، وأن باكستان تنظر إليها بإيجابية كبيرة.
وأشار حفيظ في حديث للجزيرة نت إلى أن هذه الزيارة تمثل المبادرة الصحيحة على المستويين السياسي والدبلوماسي من جانب إيران، وستعمل على تخفيض التوتر بين البلدين، ولكنها في الوقت نفسه خطوة على المدى القصير.
وأوضح حفيظ أن الزيارة تمثل قيمة رمزية أكبر من كونها زيارة لحل المشكلات والخلافات طويلة المدى بين البلدين، مضيفا أن الخلافات طويلة المدى تحتاج مزيدا من التركيز، لأنها تتعلق بمكافحة “الإرهاب” على جانبي الحدود وخطوات منسقة لاستقرار هذه المناطق.
في المقابل، عدّ الخبير في العلاقات الخارجية محمد مهدي أن زيارة وزير الخارجية الإيراني تتم بطريقة تجعل إيران تدرك أنها ارتكبت خطأ كبيرا، وتريد إزالة النتائج السيئة لهذا الخطأ.
وفي حديث للجزيرة نت، قال محمد مهدي إنه خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى باكستان سيُفهم ما إذا كان قرار مهاجمة باكستان صادرا عن المؤسسة العسكرية الإيرانية وحدها، أم أن قيادتها السياسية كانت ضالعة فيه أيضا.
ويرى مهدي أنه إذا شاركت المؤسسة العسكرية والقيادة السياسية في ذلك فسيكون من غير المرجح استعادة العلاقات، ولكن إذا كان هذا عمل المؤسسة العسكرية وحدها فإن باكستان ترغب في عدم الضغط على القيادة السياسية الإيرانية وتمكينها من وضع المؤسسة العسكرية على المسار الصحيح في ما يتعلق بباكستان.
ملفات أخرى
وفي السياق ذاته، قالت قناة “هم نيوز” الباكستانية إن المشاركة الدبلوماسية مهيأة لإحداث تأثير إيجابي على العلاقة الشاملة بين باكستان وإيران.
ومن المتوقع أن تكون زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى باكستان لحظة محورية في الحوار الدبلوماسي الجاري وأن تفتح سبل تعزيز التعاون والتفاهم.
كما قالت القناة إنه من المتوقع أن يؤدي هذا التبادل الدبلوماسي إلى تعزيز التعاون والتآزر على مختلف الجبهات، بدءا من العلاقات الاقتصادية إلى الأمن الإقليمي، ومن المتوقع أن تمهد الزيارة الطريق لمزيد من المناقشات بشأن المصالح المشتركة والتحديات التي تواجه البلدين الجارين.
ويرى جاويد حفيظ أن أهم الملفات التي يمكن مناقشتها خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى باكستان -إلى جانب مناقشة عدم توفير الملاذ الآمن للانفصاليين- هي وسائل زيادة التعاون في القضايا التجارية والاقتصادية المشتركة بين البلدين.
ويوضح حفيظ أن من بين هذه القضايا إنهاء تهريب البترول والمخدرات وحتى الأشخاص عبر الحدود بين البلدين، وهي خطوات تحتاج تركيزا مستقبليا طويل المدى.
وأضاف أنه يتوقع مناقشة كيفية زيادة التبادل التجاري بين البلدين والتنسيق لجعل العلاقات بين البلدين أكثر استقرارا وإيجابية.
من جانبه، يرى محمد مهدي أنه يمكن مناقشة القضايا الأخرى رسميا خلال الزيارة المقررة لوزير الخارجية، ولكن لن يكون هناك شيء خاص خارج الوضع الأخير، في إشارة إلى التوتر الأخير بين البلدين.
وأضاف مهدي أن الزيارة ستخفف توتر العلاقات بين البلدين، لكن يبقى أن نرى ما إذا كان وزير الخارجية الإيراني سيواجه وسائل الإعلام الباكستانية أم لا، وإذا فعل فماذا سيقول بشأن بلوشستان الإيرانية؟
وكانت إيران قد وجهت ضربة صاروخية واستخدمت الطائرات المسيرة في وقت متأخر من يوم 16 يناير/كانون الثاني ضد جماعة “جيش العدل” المناهضة لها، والتي تقول طهران إنها تتخذ من الأراضي الباكستانية في إقليم بلوشستان مقرا.
وأدانت باكستان بشدة الهجوم، وأكد وزير الخارجية الباكستاني لنظيره الإيراني في مكالمة هاتفية يوم 17 يناير/كانون الثاني أن الحادث تسبب في أضرار جسيمة للعلاقات الثنائية بين باكستان وإيران، وأن بلاده تحتفظ بحق الرد على هذا العمل “الاستفزازي”.
كما ردت باكستان على الضربة الإيرانية بتوجيه ضربات في 3 مناطق مختلفة بإقليم سيستان وبلوشستان الإيراني ضد “جيش تحرير بلوشستان” و”جبهة تحرير بلوشستان”، وهي تنظيمات مسلحة مناهضة لباكستان تقول إسلام آباد إنها تتخذ من إيران مقرا.