محور الممانعة.. الفكرة وحدودها (3): كيف وصل الحوثي إلى البحر؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 21 دقيقة للقراءة

ينشر موقع الجزيرة نت ملفا متكاملا بعنوان “محور الممانعة.. الفكرة وحدودها” يتناول بشكل مفصل فكرة المحور وإرهاصات التأسيس وتاريخ التكوين وسياقاته.

كما يتناول الملف أطراف المحور التي تدور في فلكه وترتبط بنواته، والفضاءات التي تعمل فيها، ويصف حالات الاستقطاب والتنافر بين مكوناته ومحيطها.

ونبحث في الملف علاقة المحور بالمقاومة الفلسطينية التي تخوض في قطاع غزة -وفي مقدمتها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- معركة “طوفان الأقصى” ضد العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 110 أيام.

سينشر الملف كسلسلة على حلقات، نبدؤها بالحديث عن إيران كنواة لهذا المحور، ثم نتحدث عن سوريا الحلقة الذهبية فيه، ونبحث كيف وصل الحوثيون إلى البحر؟ وفي الحديث عن حزب الله سنتناول إستراتيجية الهجوم ضمن قواعد الاشتباك، وفي العراق المليشيات التابعة للمحور من التأسيس إلى حتى عملية الطوفان.

رابط الحلقة الأولى: إيران.. فكرة المحور وحدودها

رابط الحلقة الثانية: سوريا الحلقة الذهبية


القوة الضاربة.. كيف وصل الحوثي إلى البحر؟

سعد الوحيدي

شنت الولايات المتحدة وبريطانيا فجر يوم الجمعة 12 يناير/كانون الثاني غارات جوية وصاروخية على عدة مواقع عسكرية تابعة لجماعة أنصار الله “الحوثيين”، في العاصمة صنعاء ومعقلهم صعدة وعدة مدن يمنية.

وجاءت تلك الهجمات بعد أسابيع من إعلانها في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023، تأسيس تحالف عسكري لتأمين الملاحة في البحر الأحمر حمل اسم “حارس الازدهار”، بهدف التصدي لهجمات الحوثيين.

وتوالت الهجمات بوتيرة أقل، لكن شرارة المعركة التي أطلقتها أميركا، نقلت المواجهة الإقليمية التي أعقبت اندلاع معركة “طوفان الأقصى” إلى مسارات جديدة ميدانيا وعسكريا.

سبقت بدء الهجوم الجوي الصاروخي، تصدعات في جدران “حارس الازدهار” بإعلان إسبانيا وإيطاليا وفرنسا رفضها المشاركة فيه، أو التوقيع على بيان يدعم العملية.

وتواصلت الهجمات على السفن في البحر الأحمر وبحر العرب، وأصبح محيط باب المندب اليوم عقدة قتالية عالمية ورمزا للحصار اليمني لإسرائيل.

ووصلت الهجمات مديات أبعد من ذلك باستهداف سفينة حاويات إسرائيلية بطائرة مسيرة قبالة سواحل الهند في المحيط الهندي، ليكون هذا الهجوم هو الأبعد من حيث المدى، وإن لم يعلن الحوثيون مسؤوليتهم عنه.

من هم أنصار الله “الحوثيون”؟

الحوثيون حركة سياسية مسلحة، انطلقت من محافظة صعدة بشمال اليمن، تعود بدايات تأسيسها إلى رجل الدين الزيدي، بدر الدين الحوثي، الذي أسس عام 1991 منظمة “الشباب المؤمن” لتكون جناحا دعويا وفكريا لـ”حزب الحق الإسلامي” الزيدي، وقد مرت منذ تأسيسها بعدد من المحطات التاريخية المفصلية التي رسمت مسارها ومستقبلها.

دفعت الخلافات بين بدر الدين الحوثي وأبنائه من جهة، وقيادات في حزب الحق من جهة أخرى، إلى قطع العلاقات بين الشباب المؤمن والحزب، وتفرغ آل الحوثي لتوسيع نشاط منظمتهم وفرض حضورها في شمال اليمن، عبر بناء مراكز العمل الدعوي والمجتمعي والمساجد، لاستقطاب وتجنيد أبناء القبائل في صفوفها.

عام 2000، أطلق حسين الحوثي نجل بدر الدين الحوثي، تيار “أنصار الله”، الذي اتخذ عام 2002 شعار “الصرخة” شعارا سياسيا للتيار، يردده أنصاره عقب كل صلاة: “الله أكبر، الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”، ويجعله التنظيم راية وعلما له.

ورثت جماعة أنصار الله الرمزية الدينية والسياسية من الشباب المؤمن، لكنها تقدم نفسها على أنها جماعة جديدة بأفكار ومنهجيات عمل جديدة تختلف عن تلك التي شكلت معطيات تأسيس وانطلاق للشباب المؤمن، وخاضت الجماعة عدة مواجهات مسلحة مع الجيش اليمني كان أولاها مواجهة عام 2004 التي عرفت بـ”حرب صعدة” وقتل فيها حسين الحوثي قائد الجماعة.

عقب مقتل حسين الحوثي، تولى والده بدر الدين مقاليد الجماعة، ثم عهد بها لنجله الأصغر عبد الملك، الذي تولى قيادة الحركة منذ ذلك التاريخ، وصولا لعام 2015، الذي شهد سيطرة الجماعة وحلفائها على العاصمة صنعاء، وحصار القصر الجمهوري، وهروب الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى السعودية، وبدء عملية “عاصفة الحزم” العسكرية التي ضمت تحالفا عربيا من 10 دول.

انتهت عاصفة الحزم بتوقيع اتفاق هدنة مؤقتة استمر 6 أشهر فقط من 2 أبريل/نيسان حتى 2 أكتوبر/تشرين الأول 2022، وانتهى الاتفاق رسميا بعد رفض الحوثيين تجديده، لكن سياسة خفض التصعيد متواصلة حتى الآن، ويسعى الوسطاء الإقليميون للتوصل إلى اتفاق هدنة موسع.

من الزيدية إلى الاثني عشرية

تعود بدايات العلاقات الموثقة بين الحوثي وإيران إلى عام 1985، حينما وصل بدر الدين الحوثي في رحلة إلى مدينة قم الإيرانية، التي اتخذها مركزا لاستقبال الشباب القادمين من مسقط رأسه محافظة صعدة، وصولا إلى عام 1988 الذي شهد قدوم أبنائه حسين وعبد الملك، وكذلك محمد عزان أمين الشباب المؤمن، ونائبه عبد الكريم جدبان، ولقائهم بالمرشد الأعلى آية الله الخميني وعلي خامنئي وهاشمي رفسنجاني.

ورغم انتماء الحوثيين إلى المذهب الجارودي، الذي يوصف بأنه أقرب إلى الزيدية منه إلى المذهب الاثني عشري، ورغم علاقتهم الدينية والسياسية الواضحة بإيران، ظلت الخلافات قائمة بين المختصين حول حقيقة تحول الحوثيين إلى المذهب الاثني عشري أو اقترابهم منه.

ومما يزيد من صعوبة الجزم بهذه النقطة، عدم الاعتراف الواضح من قبل الحوثيين بتبني المذهب الاثني عشري، وطبيعة المذهب الشيعي عموما الذي يميل إلى الكتمان، رغم وجود شواهد يرى فيها البعض دلالات على حقيقة هذا التحول، منها دروس مصورة لحسين الحوثي يهاجم فيها الخليفة الجليل عمر بن الخطاب، الذي يؤمن الزيدية بكونه خليفة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ويخالفون عموم المذهب الشيعي في التعرض له.

وبينما يرى الباحث اليمني أحمد الدغشي في كتابه “الحوثيون.. دراسة منهجية شاملة”، أنه “خلافا للشائع من كون مؤسس الحوثية حسين الحوثي تابعا مطلقا للاثني عشرية القادمة من إيران أو لبنان، فقد تبين أن حسين الحوثي على خلاف كلي مع الفكر الاثني عشري الإمامي وأبرز شاهد على ذلك موقفه الرافض بشدة لفكرة الإمام الغائب الثاني عشر وتحذيره من إحلال المذهب الإمامي في اليمن”، اتهم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في لقاء مع وفد شعبي من مدينة شبوة عام 2015، الحوثيين بـ “نشر المذهب الاثني عشري في اليمن بقوة السلاح”.

رحلة الدعم الإيراني للحوثيين

اتخذ الدعم الإيراني للحوثيين 3 مسارات رئيسية في السنوات التي سبقت سيطرتهم على مقاليد الحكم في اليمن، وتعود بدايات هذا الدعم إلى منتصف التسعينيات وحتى عام 2004، وقد تركز أولا على الدعم الفكري والمالي، ضمن منهجية حسين الحوثي لتعزيز حضوره كقوة بارزة في المجتمع الزيدي في صعدة ومحيطها، وقدرته على تجنيد الأتباع واختراق القبائل.

ساهم الدعم المالي والفكري في تدشين وافتتاح مراكز تدريبية ومخيمات صيفية وصل عددها إلى 24 مركزا في صعدة وحدها إضافة إلى 41 مركزا في باقي المحافظات الشمالية ومنها ذمار وإب وصنعاء والمحويت.

وكما جاء في كتاب “الحوثية في اليمن: الأطماع المذهبية في ظل التحولات الدولية” (2008)، فإن وزير الداخلية اليمني تحدث عن تولي القائم بأعمال السفارة الإيرانية في حينه عملية نقل الأموال نقدا إلى الحوثيين خلال رحلاته برا إلى مكة عبر صعدة لأداء العمرة.

كما قدمت إيران في حينه ولا تزال، حصة سنوية لأتباع حسين الحوثي في الجامعات الإيرانية والحوزات العلمية في قم وغيرها، حيث عمد الحوثي إلى إيفاد المئات من الطلاب لتلقي العلوم الدينية في إيران، ثم العودة إلى اليمن للمساهمة في الترويج لجماعته في صفوف الطائفة الزيدية.

أما ثاني مسارات الدعم الإيراني للحوثي، فهو الدعم العسكري، الذي بدأ عقب انفجار المواجهة المسلحة الأولى بين الشباب المؤمن والجيش اليمني عام 2004، وما تلاها من حروب ومواجهات عرفت إعلاميا بـ”حروب صعدة الست”، التي شهدت مقتل حسين الحوثي على يد الجيش اليمني، الذي زعم في حينه العثور على أسلحة إيرانية المنشأ في صعدة، إضافة إلى اتهامات لإيران بتزويد الحوثي بالأموال لشراء الأسلحة، وإيفاد مدربين من “الحرس الثوري” لقيادة المناورات القتالية التي كان يجريها أنصار حسين الحوثي.

أما المسار الأخير، فكان الدعم الإعلامي أمام العالم لحروب الحوثي مع نظام علي عبد الله صالح، إذ سعت إيران لتصوير المواجهة على أنها أقلية شيعية تحارب لأسباب مذهبية، كما تولت مراجع شيعية إصدار بيانات تتهم الحكومة اليمنية بالإبادة الجماعية، إضافة إلى التغطية الإعلامية الواسعة لمواجهات الحوثيين عبر القنوات والإعلام الإيراني وفي مقدمته قناة “العالم”.

حتى اللحظة، فإن معالم العلاقة بين الحوثيين وإيران غير واضحة، ولا يمكن التكهن بمدى عمقها، فرغم الاعتراف الإيراني الرسمي بأن “أنصار الله” يشكلون جزءا من “محور المقاومة” الإقليمي، واعتراف الحوثيين بأن إيران تشكل قيادة هذا المحور، ورسائل الشكر التي وجهها عبد الملك الحوثيعلنا لإيران على دورها في اليمن، لا تتوانى إيران بين حين وآخر عن إنكار تبعية القرار اليمني لها، وتجدد التأكيد على حرية القرار اليمني واستقلاليته.

طوال سنوات الحرب في اليمن، التي رافقت عملية “عاصفة الحزم”، دأب التحالف العربي الذي تقوده السعودية على اتهام إيران بتسليح وتدريب الحوثيين، وهي المزاعم التي سبق أن أشار إليها محققون دوليون وآخرون تابعون للأمم المتحدة عام 2016، إضافة إلى كل من الخارجية الأمريكية والفرنسية وغيرهما من الجهات التي تحدثت عن رصد مسارات الدعم والتسليح الإيراني المباشر للحوثيين عبر الصومال.

يذكر أنه عقب سيطرة قوات “أنصار الله” على صنعاء، سحبت الدول الكبرى والعواصم الخليجية سفراءها من العاصمة اليمنية، وواجه الحوثيون عزلة دولية ردوا عليها بتدشين جسر جوي مباشر مع إيران، التي تعهدت بتأمين الوقود وبناء محطات لتوليد الكهرباء في مناطق سيطرتهم، ودأبت على تصوير سيطرتهم على مقاليد الحكم بأنها “ثورة شعبية يمنية”.

كيف وصل الحوثي إلى البحر؟

عام 2015، سيطرت قوات الحوثي على ميناء الحديدة الاستراتيجي بغرب اليمن، الذي تمر عبره 80٪ من الواردات والمساعدات الخارجية للبلاد.

أعقبت هذه السيطرة، غارات مكثفة شنها التحالف العربي على الميناء تسببت في دمار واسع في مرافقه، إضافة إلى حصاره عسكريا ردا على قصف حوثي للسعودية بصاروخ “بالستي” عام 2017، ثم رُفع الحصار جزئيا بعد أسابيع.

وفي عام 2017، هدد الحوثيون بـ”مهاجمة البوارج وناقلات النفط”، ردا على إغلاق التحالف الذي تقوده السعودية للموانئ اليمنية، وهو ما سبق أن هدد به عبد الملك الحوثي، بقوله إن جماعته “قد تستهدف ناقلات النفط السعودية إذا هاجم التحالف ميناء الحديدة الرئيسي في اليمن”. وقد سبق للحوثيين عام 2016، استهداف سفينة “سويفت” التي وصفها التحالف بأنها “مدنية” مشيرا إلى أنها كانت في رحلة إلى مدينة عدن، في حين قال الحوثيون إنها “سفينة عسكرية كانت تتقدم نحو ميناء المخا”.

وفي عام 2018، علقت السعودية لأسابيع صادرات النفط عبر باب المندب، بعد استهداف الحوثيين سفينتين محملتين بالنفط في البحر الأحمر، وقال الحوثيون آنذاك إنهم استهدفوا سفينة “الدمام” الحربية السعودية، لتعود الجماعة عام 2019 وتعلن ضبط 3 سفن إحداها سعودية في البحر الأحمر “بعد دخولها إلى المياه الإقليمية دون إشعار مسبق، ودون الاستجابة لنداءات القوات البحرية”.

لكن المرحلة الفاصلة كانت باندلاع معركة الحديدة عام 2018 التي أطلقها التحالف العربي للسيطرة على الميناء. ففي 13 يونيو/حزيران، شاركت قوات الحكومة اليمنية وقوات مدعومة من التحالف في معركة استعادة السيطرة على الحديدة، التي استمرت عدة أيام، وتمكنت خلالها قوات الحوثي من استهداف سفينة حربية إماراتية.

انتهت المعركة بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار في ستوكهولم بين الحكومة اليمنية والحوثيين بعد ضغوط دولية وبقي الميناء الإستراتيجي في قبضة الحوثيين، إلى أن أعادوا تشغيله بعد وصول أول سفينة حاويات إليه من ميناء جدة في سبتمبر/أيلول عام 2021.

إلى جانب ميناء الحديدة، يسيطر الحوثيون على موانئ رأس عيسى والصليف، ويمتلكون قوات بحرية مزودة بعتاد يشمل الزوارق السريعة والصواريخ والألغام البحرية التي جرى استخدامها بكثافة في البحر الأحمر، وتسببت حتى عام 2022 في إصابة 22 سفينة تتبع خمس جنسيات: سعودية، وإماراتية، وتركية، ويونانية، ومن جزر مارشال.

صواريخ ومسيرات.. ماذا يمتلك الحوثي اليوم؟

عقب سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، تمكنت الجماعة من الاستيلاء على مخازن أسلحة وعتاد الجيش اليمني السابق، ومعامل وورشات التصنيع العسكري، إضافة إلى ترسانة صاروخية تضم صواريخ “سكود” السوفيتية وأطنان من الأسلحة والذخائر من مقرات ألوية الجيش.

وخلال سنوات من المواجهة مع التحالف العربي في “عاصفة الحزم”، ظهرت الترسانة العسكرية التي يمتلكها الحوثيون (اللجان الشعبية)، بأنواع الصواريخ المختلفة: البالستية؛ ومنها “طوفان” (بمدى 2000 كم) و”حاطم” (بمدى 1400 كم)، وهي مستنسخة من نماذج صواريخ إيرانية، إضافة إلى عائلة “قدس” من الصواريخ المجنحة “كروز”.

إضافة إلى سلسلة طويلة من الطائرات المسيرة الانتحارية، منها “صماد” و”شهاب” و”قاصف” المزودة برأس توجيه كهروبصري، والقادرة على ضرب أهداف بمدى يصل إلى 1200 كيلومتر، وسبق أن استخدمت في ضرب أهداف داخل المملكة العربية السعودية، كما أعلن الحوثيون استخدامها في توجيه ضربات لمدينة إيلات.

ومن الجدير بالذكر هنا أن تقارير خبراء الأمم المتحدة أشارت إلى تزايد نشاط تهريب الأسلحة من إيران إلى الحوثيين.

على الصعيد البحري، يمتلك الحوثيين “سلاح البحرية اليمني”، الذي يضم زوارق قتالية سريعة، وزوارق مسيرة مفخخة، وقوات من الضفادع البشرية، إضافة إلى منظومات صواريخ أرض بحر، و12 نوعا من الألغام البحرية ظهرت في عروض عسكرية نظمها الحوثيون، ومنها عائلات “كرار” و”عاصف” و”ثاقب”، التي تنوعت بين ألغام اعتراضية موجهة، وألغام طافية، وألغام مغناطيسية يتم إلصاقها مباشرة بالسفن المستهدفة عبر الوحدات العسكرية البحرية الخاصة.

كما تشير مواقع عسكرية إلى امتلاك الحوثيين صواريخ كروز مضادة للسفن، يتراوح مداها بين 80 و300 كيلومتر، ومنها صواريخ “صياد” و”سجيل”، إضافة إلى صواريخ بالستية مضادة للسفن يزيد مداها على 300 كيلومتر، ومنها صاروخ “تنكيل” المضاد للسفن، الذي يصل مداه إلى 500 كيلومتر، وهو نسخة من صاروخ “رعد 500” الإيراني.

وكشف عنه لأول مرة خلال عرض عسكري نظمه الحوثيون في سبتمبر/أيلول 2023 في صنعاء، لكن خبراء عسكريين شككوا في حقيقة النموذج المعروض، مشيرين إلى أنه مجسم بالحجم الطبيعي للصاروخ.

توضح بعض المصادر العسكرية أن استخدام الصواريخ البالستية المضادة للسفن في الهجمات، يتطلب معلومات استخبارية مسبقة حول الأهداف المطلوبة، توفرها طائرات مسيرة أو سفن وقوات بحرية موجودة في المنطقة.

وهذا ما يحيلنا إلى الوجود العسكري الإيراني البحري في باب المندب وبحر العرب والمحيط الهندي، متمثلا بسفينة الأسلحة والتجسس “سافيز” الموجودة شمال مضيق باب المندب، التي عززتها القوات البحرية الإيرانية بفرقاطة “البرز” في البحر الأحمر وفرقاطة “جمران” في خليج عدن، بعد ضربة صاروخية لـ”سافيز” في أبريل/ نيسان 2021 سببت لها أضرارا بالغة.

جبهة البحر الأحمر.. الحوثي في “طوفان الأقصى”

في اليوم الخامس والعشرين من معركة “طوفان الأقصى”، الموافق لـ31 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن الناطق باسم القوات المسلحة التابعة للحوثيين يحيى سريع قيامها بإطلاق دفعة كبيرة من الصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيرة على أهداف مختلفة للعدو الإسرائيلي في الأراضي المحتلة”.

وأشار في مؤتمره الصحفي الأول من نوعه إلى كون هذه العملية هي الثالثة التي تنفذ “نصرة لإخواننا المظلومين في فلسطين، وتؤكد استمرارها في تنفيذ المزيد من الضربات النوعية بالصواريخ والطائرات المسيرة حتى يتوقف العدوان الإسرائيلي”.

كان هذا الإعلان هو أول محطات التدخل اليمني الميداني في معركة طوفان الأقصى، وتلاه إعلان الحوثيين على لسان الناطق العسكري، بتاريخ 14 نوفمبر/تشرين الثاني، البدء في اتخاذ “كافة الإجراءات العملية لتنفيذ التوجيهات الصادرة بشأن التعامل المناسب مع أي سفينة إسرائيلية في البحر الأحمر”.

تضمن بيان الحوثيين، تهديدا باستهداف كل السفن التي تحمل علم “إسرائيل”، أو التي تقوم بتشغيلها شركات إسرائيلية أو تعود ملكيتها لها، وجاء التطبيق العملي للتهديد بعد 4 أيام بإعلان السيطرة على سفينة “جالكسي ليدر” واقتيادها إلى السواحل اليمنية، بعد عملية إنزال مروحي على سطحها.

ثالثة محطات التدخل اليمني، كانت إعلانهم بتاريخ 9 ديسمبر/كانون الأول في بيان عسكري جديد، منع مرور كافة السفن المتجهة إلى “إسرائيل” من أي جنسية كانت، وأن هذه السفن ستصبح “هدفا مشروعا للقوات المسلحة”، وقد رافق هذا البيان تصعيد ميداني في عمليات استهداف السفن في المنطقة الممتدة من باب المندب حتى المحيط الهندي بصواريخ وطائرات مسيرة، وإعلان الولايات المتحدة تشكيل تحالف عسكري حمل اسم “حارس الازدهار” للتصدي لتهديدات الحوثي للملاحة البحرية في باب المندب.

أثارت الخطوة اليمنية في البحر الأحمر الكثير من التحليلات والتوقعات، رأى جلها أنها مبادرة ميدانية وانخراط مباشر ضمن المعركة إلى جانب الميليشيات الشيعية في العراق وحزب الله في لبنان، في حين ذهبت الاتهامات الأمريكية مباشرة إلى القول بأن إيران متورطة بشكل مباشر في دعم الخطوة الحوثية.

معلومات استخبارية

وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، أدريان واتسون، في بيان لها بتاريخ 23 ديسمبر/كانون الأول، إن المعلومات الاستخبارية الإيرانية تساعد الحوثيين على شن هجمات على السفن في البحر الأحمر، مؤكدة في مقابلة مع شبكة سي إن إن (CNN) الأمريكية أن “إيران لديها خيار وقف دعمها أو الاستمرار فيه، وبدون دعم طهران، سيواجه الحوثيون صعوبة في تعقب السفن بالبحر الأحمر وبحر عمان”.

وأضافت واتسون في حديثها أن “الدعم الإيراني طوال أزمة غزة مكن الحوثيين من شن هجمات ضد إسرائيل وأهداف بحرية، على الرغم من أن إيران كثيرا ما أرجعت سلطة اتخاذ القرار العملياتي للحوثيين”، مضيفة أن “الطائرات بدون طيار والصواريخ التي استخدمها الحوثيون في الهجمات قدمتها إيران أيضا، كجزء من تسليحها للجماعة المتمردة منذ عام 2015”.

رد على هذه الاتهامات الأمريكية نائب وزير الخارجية الإيراني، علي باقري، في تصريحات لوكالة “مهر” الإيرانية، بنفي أي ارتباط لخطوة الحوثيين بقرار إيراني، مشيرا إلى أن الجماعة “تتصرف من تلقاء نفسها”، مضيفا أن “المقاومة تمتلك أدوات قوتها وتتصرف بناء على قراراتها وإمكانياتها”.

وقال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في تصريحات متزامنة إن واشنطن طلبت سابقا من إيران أن تنصح الحوثيين بعدم استهداف المصالح الأمريكية والإسرائيلية، مشيرا إلى أن بلاده أوضحت للجانب الأمريكي أن “هذه المجموعات تقرر بناء على مصالحها كيفية دعم غزة”، مضيفا “لم ولن نأمرهم بوقف هذه الهجمات”.

لكن التنصل السياسي الإيراني من هجمات الحوثيين البحرية، وازته تهديدات عسكرية على لسان الجنرال محمد رضا نقدي، مساعد قائد الحرس الثوري للشؤون التنسيقية، بنقل المعركة إلى ممرات ملاحية أخرى إذا لم توقف “إسرائيل” حربها على قطاع غزة، وقال نقدي في تصريحات لوكالة “تسنيم” الرسمية: “سيتعين عليهم قريبا انتظار إغلاق البحر المتوسط ​​ومضيق جبل طارق وممرات مائية أخرى”.

ويتكهن فابيان هينز، وهو زميل باحث في “المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية”، بأن إيران ربما تحاول “نقل إستراتيجيتها الخاصة بمضيق هرمز، المتمثلة في امتلاك القدرة على احتجاز سفن الشحن عبر الممر المائي كرهينة عندما تستدعي الظروف السياسية ذلك، إلى مضيق باب المندب. وهذا يستلزم أن يقول الإيرانيون في الأساس إنهم قادرون على تهديد الشحن في الخليج الفارسي ومضيق هرمز، الذي يمر عبره قسم كبير من صادرات النفط في المنطقة كل يوم، والآن يفعلون الشيء نفسه عبر وكلائهم في اليمن”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *