تدهورت العلاقات بين مصر وإسرائيل، بشكل لافت في الفترة الأخيرة “أكثر من أي وقت مضى، منذ نحو عشرين سنة” وبدأت تنتقل من حالة التوتر إلى حالة أقرب إلى الانهيار، حسب تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”.
وساءت العلاقات بين إسرائيل ومصر منذ بدء الحرب الجديدة بين إسرائيل وحركة حماس، حيث رفضت القاهرة بشكل حاسم، مقترحا إسرائيليا بنقل الفلسطينيين مؤقتا من غزة إلى صحراء سيناء، حسب الصحيفة.
اتهامات
زادت حدة التوتر بين البلدين، عندما ذكر فريق الدفاع الإسرائيلي في محكمة العدل الدولية، الذي كان يرافع ضد دعوى رفعتها جنوب أفريقيا تتعلق بعمليات إسرائيل العسكرية في القطاع خلال حديثه عن مشكلة إيصال المساعدات إلى غزة، بأن مصر هي المسؤولة عن معبر رفح من جانبها وليس إسرائيل، وهو تصريح رأت فيه القاهرة اتهاما لها بالتسبب في عدم دخول المساعدات إلى المدنيين في غزة .
وقال عضو فريق الدفاع عن إسرائيل، كريستوفر ستاكر ، في مرافعته أمام المحكمة إن “الوصول إلى غزة من مصر هو تحت سيطرة القاهرة، وإسرائيل ليست ملزمة بموجب القانون الدولي أن تتيح الوصول إلى غزة من أراضيها”.
ونفت مصر تلك التصريحات، ووصفتها بـ “الأكاذيب” وقالت إنها “غير مسؤولة” عن منع دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
وقال رئيس الهيئة العامة لهيئة الاستعلامات المصرية، المتحدث الرسمي باسم الدولة، ضياء رشوان، في بيان، إن القاهرة “تنفي بصورة قاطعة مزاعم وأكاذيب فريق الدفاع الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية، بأن مصر هي المسؤولة عن منع دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة من الجانب المصري لمعبر رفح”.
واندلعت حرب جديدة بين إسرائيل وحماس، إثر هجوم مسلحي الحركة على إسرائيل، في السابع من أكتوبر الماضي، والذي أسفر عن مقتل نحو 1140 شخصا بينهم نساء وأطفال، ومعظمهم من المدنيين، بحسب حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس استنادا إلى أرقام رسمية.
بعدها أطلقت إسرائيل هجوما واسعا على حماس في غزة أوقع حتى الآن، 26257 قتيلا غالبيتهم من النساء والأطفال، وفق وزارة الصحة التابعة لحماس.
وخلال الحرب، تعالت أصوات إسرائيلية تطالب مصر باستقبال فلسطينيي غزة في سيناء بشكل مؤقت حتى انتهاء العمليات القتالية، لكن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عارض بشدة مثل هذا الإجراء واعتبر تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء “خطا أحمر” للأمن القومي المصري.
إسرائيل تدفع سكان غزة صوب أقصى الجنوب.. هل يبدأ “التهجير” إلى سيناء؟
دعا الجيش الإسرائيلي، الأحد، سكان عدة أحياء في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، إلى التوجه إلى مناطق أخرى أقصى جنوبي القطاع في مدينة رفح الحدودية مع مصر، ولك في ظل مخاوف وتحذيرات قائمة من محاولة تهجير الفلسطينيين في القطاع نحو مصر.
يذكر أن الولايات المتحدة أبدت عدم موافقتها وعدم دعمها لأي نقل قسري للفلسطينيين من غزة.
وفي نوفمبر الماضي، قال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل، إن الولايات المتحدة لا تؤيد أي نقل قسري للفلسطينيين خارج غزة، وهذا ليس شيئًا تسعى إليه واشنطن أو مطروحًا على الطاولة.
“تعنت” و”علاقات مهمة”
يرى الدبلوماسي المصري السابق، رفعت الأنصاري، أن السبب الأكبر وراء تدهور العلاقة بين إسرائيل ومصر، هو “تعنت الأولى لمواقفها ورؤيتها لواقع ما يجري في غزة”.
وأضاف في حديث لموقع الحرة، أن موقف فريق الدفاع الإسرائيلي الذي تحدث عن مصر لدفع تهمة منع إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين في غزة، أعطى انطباعا بأن القاهرة هي من تمنع وصول المساعدات عن الفلسطينيين.
وذكّر بأن هذا الموقف هو ما زاد من توتر العلاقات التي لم تتدهور إلى هذا الحد “منذ سنة 2003” وفق تعبيره.
من جانبه، قال المحلل السياسي الإسرائيلي، إيلي نيسان، إن العلاقات بين مصر وإسرائيل مهمة للغاية، ليس فقط لكونها الأقدم بين إسرائيل ودولة عربية بل لأنها استراتيجية للطرفين.
وفي اتصال مع موقع الحرة، رفض نيسان القول إن العلاقات بين إسرائيل ومصر تسير نحو الانهيار، مستدلا بكون القاهرة لم تسحب سفيرها.
لكن تقرير “وول ستريت جورنال” لفت إلى أن “قول مصر إن أي محاولة لنقل ملايين النازحين الفلسطينيين من شأنها أن تمزق” العلاقات بين البلدين” يعد تحذيرا غير مسبوق من القاهرة، في إشارة إلى إمكانية انهيار العلاقات.
وكشف التقرير، أن إسرائيل دفعت مصر في الأسابيع الأخيرة، لقبول عملية عسكرية لتأمين السيطرة على “محور فيلادلفيا” على الحدود مع مصر، واتهمتها بالفشل في منع حماس من تهريب الأسلحة إلى القطاع.
ردا على ذلك، قال رشوان إنه “يجب التأكيد بشكل صارم على أن أي تحرك إسرائيلي في هذا الاتجاه سيؤدي إلى تهديد خطير للعلاقات المصرية الإسرائيلية”.
وذكرت الصحيفة أن كبار مسؤولي المخابرات والأمن المصريين دعوا إلى عقد اجتماع في نفس اليوم لمناقشة سحب السفير المصري من إسرائيل ردا على تلك التعليقات.
إلى ذلك، نقلت الصحيفة عن مسؤولين مصريين قولهم إن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، ورغم موقف القاهرة الواضح، واصل الضغط على مصر خلال شهر نوفمبر الماضي، لقبول اللاجئين الفلسطينيين.
وقالوا أيضا إن الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومسؤولين مصريين شعروا بالقلق من حديث السياسيين ووسائل الإعلام الإسرائيلية، خلال تلك الفترة، عن ضرورة نقل سكان غزة قسرا إلى مصر.
رغم ذلك، تشير الصحيفة إلى أن المخابرات العسكرية المصرية لم تجد أي دليل على وجود خطة لطرد الفلسطينيين “لكن التصريحات في المقابل، جعلت الحكومة المصرية ترجح وجود مثل هذا السعي السري”، وفقا لمسؤولين مصريين تحدثوا إليها.
ولم تتمكن الصحيفة من الحصول على تعليق من طرف الحكومة الإسرائيلية.
أزمة عابرة؟
تعليقا على ذلك، شدد نيسان على أن العلاقات بين مصر وإسرائيل أكبر من هذه الأزمة العابرة، وقال إن المصالح الاستراتيجية التي تربط إسرائيل بمصر أقوى من أي خلاف.
وشدد على ذلك بالقول إن “هناك قاعدة مشتركة بين مصر وإسرائيل لمحاربة حماس وهي حركة الإخوان المسلمين” مشيرا إلى أن هذا الهدف الموحد من شأنه أن يشكل بوصلة اتجاه العلاقات بين الطرفين.
نيسان أكد في السياق محاولات نتانياهو الاتصال بالرئيس المصري عدة مرات، وقال إن هذا دليل على تمسكه بعلاقة إسرائيل بالقاهرة.
ثم أشار إلى أن مصر أيضا لا تريد توقف هذه العلاقات من منطلق استراتيجي وقال “الدليل هو أنها لم تسحب سفيرها”.
من جانبه، قال الأنصاري إن العلاقات بين مصر وإسرائيل في تردٍ، “مؤكدا” أن السيسي “رفض طلبات إجراء اتصالات هاتفية مع نتانياهو، عدة مرات” وفقه.
وجرت آخر محادثة بين نتانياهو والسيسي خلال شهر يونيو، قبل أشهر من بدء الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة دول أخرى.
وسائل إعلام إسرائيلية: السيسي يرفض تلقي مكالمة نتانياهو بسبب ” فيلادلفيا”
رفض مكتب الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، طلبا للتحدث هاتفيا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حسبما أفادت عدة وسائل إعلام إسرائيلية بينها صحيفة” تايمز أوف إسرائيل”.
لكنه أشار إلى أن هناك قنوات اتصال على مستويات أقل، وذلك حتى تتمكن القاهرة من الاضطلاع بدورها في السعي لحلحلة الأوضاع الصعبة التي تسببت فيها الحرب سواء للغزيين أو الرهائن الإسرائيليين.
وقال “الهدف من هذه الاتصالات هو السعي لإيصال المساعدات للفلسطينيين وإيجاد مخرج لمشكلة الرهائن الذين لا يزالون قيد الاحتجاز عند حماس”.
ويرى نيسان من جانبه، أن العلاقات المصرية الإسرائيلية اتسمت بالهدوء، أغلب الأوقات وأن الطرفين سينجحان في إيجاد مخرج لهذه الأزمة، مشيرا إلى دور الولايات المتحدة في هذا الصدد، والذي قد “يذيب الجليد بينهما” وفق تعبيره.
ثم أعاد التأكيد أن كلا الطرفين بحاجة إلى التوافق قصد المضي قدما. وقال “العلاقات المصرية الإسرائيلية قديمة جدا، ولا يمكن أن تنهار بهذه السهولة”.
Egypt was the first Arab country to recognize Israel, but now disputes between the two are multiplying, as a slump in Suez Canal revenue puts Cairo on edge
https://t.co/QSKeVrGLqR https://t.co/QSKeVrGLqR— The Wall Street Journal (@WSJ) January 27, 2024
يذكر أن مصر ساهمت إلى جانب الولايات المتحدة وقطر في إنجاح صفقة تبادل محتجزين لدى حماس بسجناء فلسطينيين لدى إسرائيل، ضمن هدنة بين الطرفين، لم تدم طويلا، لكنها سمحت بدخول شاحنات محملة بالمساعدات والوقود إلى قطاع غزة.
يُشار أيضا إلى أن مصر كانت أول دولة عربية تعترف بإسرائيل في عام 1979 “لكن نادرا ما كانت العلاقات ودية بينهما، إذ حرص القادة المصريون في كثير من الأحيان على إظهار دعمهم لقيام دولة فلسطينية” وفق تعبير الصحيفة.