كان الفلسطيني أيمن لبّد شبه عار في طقس بارد يحيط به جنود إسرائيليون يحملون بنادق هجومية من طراز “إم 16″، وجثا على ركبتيه بين عشرات الرجال والفتيان الفلسطينيين الذين أجبروا على ترك منازلهم في شمالي قطاع غزة.
تعود الواقعة إلى مطلع ديسمبر الماضي، حينما انتشرت مقاطع فيديو وصور تظهره مع معتقلين آخرين اصطفوا في أحد الشوارع يرتدون ملابس داخلية فقط، وتحاصرهم القوات الإسرائيلية.
في أحد المقاطع، صرخ جندي إسرائيلي عبر مكبرات الصوت: “نحتل كامل غزة. هل هذا ما تريدونه؟ هل تريدون حماس؟ لا تقولوا إنكم لستم داعمين لحماس”، بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
هتف أحد المعتقلين الذين كان بعضهم حفاة الأقدام واضعين أيديهم على رؤوسهم: “أنا عامل يومي”، ليصرخ الجندي: “اخرس”.
“اعتداء وإذلال”
وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بالأراضي الفلسطينية (أوتشا)، الأحد، قال إن الجيش الإسرائيلي أطلق سراح نحو مئة شخص وأعادهم إلى غزة عبر معبر كرم أبو سالم، ووصف الرجال ما واجهوه خلال احتجازهم في مواقع مجهولة لمدة تراوحت ما بين 30 إلى 50 يوما.
وتطرقوا، وفق التقرير الأممي، إلى “تعرُّضهم للضرب والإذلال وسوء المعاملة، وإلى ما قد يرقى إلى التعذيب”.
كما أشار التقرير إلى “اعتقال فلسطينيين على نطاق واسع، بمن فيهم الكثير من المدنيين، بشكل سرّي، وغالبًا ما يتعرضون لسوء المعاملة، دون السماح لهم بالاتصال بعائلاتهم أو محاميهم ودون الحصول على حماية قضائية فعّالة”.
ودعا التقرير الأممي إسرائيل إلى اتخاذ “خطوات عاجلة لضمان معاملة جميع الموقوفين والمعتقلين وفقًا لمعايير القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، والاحترام الكامل لحقوقهم في الإجراءات القانونية الواجبة”.
الجيش الإسرائيلي يعلق على لقطات “الرجال العراة” في غزة.. ويتعهد بعدم تكرارها
أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، الأحد، أن قتالا ضاريا يدور مع مسلحين في جباليا والشجاعية في شمال قطاع غزة.
وأجرت صحيفة نيويورك تايمز حوارات مع ما يقرب من عشرة من المعتقلين أو أقاربهم، وأوضحوا أنه تم “تجريدهم من ملابسهم وضربهم واستجوابهم واحتجازهم على مدى الأشهر الثلاث الماضي”.
كما كشفت منظمات تمثل السجناء والمعتقلين الفلسطينيين روايات مماثلة، وذلك كما ورد في تقرير لمؤسسة الضمير لرعاية الأسر وحقوق الإنسان، الصادر في 18 ديسمبر، الذي اتهم إسرائيل بـ”الإخفاء القسري” لمعتقلي غزة.
كانت من بين المعتقلات لدى الجيش الإسرائيلي شابة تدعى هديل الدحدوح (22 عاما)، وبحسب نيويورك تايمز، فإنها ظهرت في جزء خلفي من شاحنة مليئة برجال شبه عراة، وذلك في مقطع فيديو انتشر الشهر الماضي، وكانت عيناها مغطاة بعصابة بيضاء ودون غطاء رأسها.
اعتقلت الدحدوح وزوجها رشدي الظاظا (31 عاما)، وكلاهما من مدينة غزة، في 5 ديسمبر، وقال الظاظا لنيويورك تايمز إنه تعرض للضرب على يد الجنود الإسرائيليين.
وأوضح: “ضربونا على رؤوسنا بأسلحتهم. كانوا يضربون زوجتي، ويصيحون في وجهها ويوجهون الإهانات إليها”.
وقال الظاظا إنه أطلق سراحه بعد 25 يوما من الاعتقال، فيما لا تزال زوجته مفقودة.
من جانبه، قال لبّد إنه في يوم اعتقاله في السابع من ديسمبر، كان في منزل والديه مع زوجته، وكانت قد أنجبت طفلها الثالث قبل أسابيع.
وأشار إلى أنه كان بإمكانهم سماع إطلاق النار وأصوات الدبابات في الشوارع، ومطالبة جندي إسرائيلي عبر مكبر الصوت لجميع الرجال بالخروج والاستسلام.
محام: تصوير المعتقلين الفلسطينيين عراة انتهاك للقانون الإنساني
Teaser Description
تضارب بعد لقطات الرجال “العراة” بأيدي الجيش الإسرائيلي في غزة
خرج لبّد رافعا ذراعيه، وقال إن جنديا أمره بالركوع وخلع ملابسه، فجلس في برد ديسمبر على ركبتيه وسط مجموعة من الرجال والصبية الفلسطينيين بملابسهم الداخلية وبعضهم حفاة.
أطلقت القوات الإسرائيلية سراح لبّد بعد أسبوع من اعتقاله، وأوضح أن المعتقلين أجبروا على ركوب شاحنات معصوبي الأعين ومقيدي الأيدي وبملابسهم الداخلية، وكان الجنود يضربونهم، واقتيدوا لساعات داخل إسرائيل.
وحينما وصلوا إلى سجن بمدينة بئر السبع جنوبي إسرائيل، حصلوا على ملابس رياضية رمادية، وحصل كل منهم على رقم، كان الحراس ينادونهم به وليس بأسمائهم.
وأوضح لنيويورك تايمز أنه لم يتم استجوابه إلا بعد أيام عقب نقله لمركز احتجاز في القدس.
أين كنت يوم 7 أكتوبر؟
وأوضح لبّد أن المحقق كان يسأله عما كان يفعله يوم السابع من أكتوبر، وحينما كان يجيب بأنه لا يتذكر تفاصيل بعينها، كان يتعرض للاعتداء، كما وجهت إليه أسئلة حول حماس والأنفاق.
وأضاف أنه في وقت مبكر من يوم 14 ديسمبر، كانت هناك حافلات مليئة بالمعتقلين، وهو معهم، الذين تم نقلهم إلى الحدود الجنوبية لغزة وطُلب منهم البدء في المشي.
وأوضحت نيويورك تايمز أن عدة معتقلين أشاروا إلى روايات مماثلة.
تضارب بعد لقطات الرجال “العراة” بأيدي الجيش الإسرائيلي في غزة
أثارت صورة لعشرات الرجال في غزة، وهم شبه مجردين من ملابسهم بين أيدي الجيش الإسرائيلي، تضاربا على مواقع الأخبار.
ونقلت عن معتقل آخر، مجدي الدريني، وهو أب لأربعة أطفال يبلغ من العمر 50 عاما وموظف حكومي متقاعد، إنه احتجز لمدة 40 يوما ويداه مقيدتان طوال الوقت تقريبا.
وقال إنه اعتقل في منتصف نوفمبر حينما كان وعائلته يتحركون نحو الجنوب، بعد مغادرة منازلهم شمالي القطاع، وأوضح: “عاملونا مثل الحيوانات، كانوا يضربوننا بالعصي ويوجهون لنا السباب”.
“نتعامل وفق القانون الدولي”
وتقول الصحيفة الأميركية إن بعض سكان غزة صدرت أوامر بخروجهم من منازلهم وتم الاستيلاء عليها، فيما تم اصطحاب آخرين أثناء فرارهم من أحيائهم سيرا على الأقدام مع عائلاتهم للوصول إلى مناطق أكثر أمنا، بعدما طالبهم الجيش الإسرائيلي بذلك.
ورد الجيش الإسرائيلي على تلك الاتهامات، وقال لصحيفة نيويورك تايمز، إنه يحتجز المشتبه في تورطهم في أنشطة إرهابية ويفرج عمن يتم اكتشاف عدم تورطهم.
وأضاف في بيان للصحيفة: “السلطات الإسرائيلية كانت تتعامل مع المحتجزين وفق القانون الدولي”.
ودافع الجيش عن إجبار الرجال والفتيان على خلع ملابسهم بالقول إن الإجراء كان “لضمان أنهم لا يحملون أي مواد متفجرة أو أسلحة”.
وواصل الجيش: “أعدنا للمحتجزين ملابسهم حينما كان ذلك ممكنا”.
انتهاك لقوانين الحرب؟
ونقلت نيويورك تايمز عن حقوقيين أن اعتقال إسرائيل للفلسطينيين ومعاملتهم “المهينة” لهم في غزة، يمكن أن يمثل “انتهاكا” لقوانين الحرب الدولية.
وأوضح تقرير مؤسسة الضمير الذي صدر بمشاركة من منظمات حقوقية فلسطينية أخرى، أنه منذ بدءالعمليات البرية في قطاع غزة بدأ الجيش الإسرائيلي “تنفيذ حملات اعتقال جماعية بحق المدنيين في مراكز الإيواء والمدارس والمنازل والممرات الآمنة”.
وأضاف التقرير أنه الجيش الإسرائيلي اعتقل “المئات من الفلسطينيين بشكل همجي وغير مسبوق، ويقوم باستمرار بنشر صور ومقاطع فيديو تظهر المعاملة غير الإنسانية بحق المعتقلين، ولغاية الآن منذ أسابيع يتكتم عن مصير المعتقلين من القطاع أو حتى الإفصاح عن أعدادهم، ويمنع المحامين والصليب الأحمر من زيارة المعتقلين، وهو ما يعتبر ضمن جريمة الاخفاء القسري بحسب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية”.
واشنطن تعلق على صور المعتقلين “العراة” في غزة
أكدت وزارة الخارجية الأميركية، الاثنين، أن واشنطن ترى أن الصور التي عرضت لسكان من غزاة وهم عراة “تبعث على الانزعاج بشكل بالغ”.
وقال المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، هشام مهنا، لصحيفة نيويورك تايمز، إن منظمته تتلقى بشكل يومي تقارير من عائلات في قطاع غزة عن اعتقال أفراد من أسرهم، مضيفًا أن المنظمة تتعامل مع اختفاء نحو 4 آلاف حالة لفلسطينيين من غزة، ويعتقد أن نصهم تقريبا محتجزون لدى الجيش الإسرائيلي.
وتحاول المنظمة الحصول على معلومات حول ظروف ومكان وجود المعتقلين وتطالب بزيارتهم، لكن مهنا أكد أنهم حصلوا في حالات قليلة فقط على دليل يثبت أنهم على قيد الحياة.
وكانت العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة بدأت بعدما شنت حركة حماس هجوما غير مسبوق على البلدات الجنوبية الإسرائيلية في السابع من أكتوبر، ما أسفر عن مقتل 1140 شخصا، معظمهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، حسب تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى أرقام رسمية.
واختطف خلال الهجوم نحو 250 شخصا، بينهم نساء وأطفال، نُقلوا إلى قطاع غزة، حيث لا يزال 132 منهم محتجزين كرهائن، بحسب السلطات الإسرائيلية. ويرجح أن 28 على الأقل لقوا حتفهم.
وردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل بـ”القضاء” على حماس، وتنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف أُتبعت بعمليات برية منذ 27 أكتوبر، مما أسفر عن سقوط أكثر من 25 ألف قتيل، معظمهم من النساء والأطفال، بحسب وزارة الصحة في القطاع.
وأوضحت صحيفة نيويورك تايمز، أن الظاظا قال إن أحد حراس السجن جاء إليه وسأله ذات يوم: “هل يمكنك الركض؟”، وفي الساعة الثانية صباحا تم وضعه على متن حافلة اتجهت إلى معبر كرم أبو سالم الحدودي بين إسرائيل وغزة.
وأشار إلى أن أحد الجنود أبلغه أن هناك قناص يراقبهم وأمرهم بالركض لمدى عشر دقائق، وقال الشاب الفلسطيني: “ركضنا لعشر دقائق دون أن ندير رؤوسنا”.