بعد استراحة “محارب” قصيرة، عاد التصويب على مجتمع الميم عين+ في لبنان، سواء من خلال التحضير لورشة عمل برعاية وزير الثقافة، محمد وسام المرتضى، تحت عنوان “تحديات المجتمع اللبناني في حماية الأسرة”، أو من خلال تغريدة لمجموعة “جنود الرب” عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي “أكس”.
رحب المرتضى بفكرة ورشة العمل التي ينظمها المجلس النسائي اللبناني والاتحاد العمالي العام، وتم تحديد يوم الأربعاء في 31 يناير موعداً لها، واعتبر الوزير خلال لقائه وفدا من المجلس في الثالث من الشهر الحالي أن “هذا النوع من الاهتمامات الاجتماعية والقيمية في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان وفلسطين والمنطقة بأسرها هو أيضاً نوعاً من المقاومة للحفاظ على مجتمعنا وصيانة قيمنا وأخلاقنا”.
وسبق أن ثمّنت رئيسة المجلس، عدلا سبليني، خلال لقاء جمعها مع المرتضى في سبتمبر الماضي “المواقف المشرفة” التي أطلقها ضد “الشذوذ الجنسي” بحسب تعبيرها “والمروجين والداعين له، وهو الذي يعمل على تعديل قانون العقوبات اللبناني لإنزال أشد العقوبات بهم”، معلنة عن قرار “عقد مؤتمر باسم أمهات لبنان للتوعية على حماية الأسرة والمجتمع اللبناني في ظل ما يتعرض له من خطر”.
أما فيما يتعلق بتغريدة “جنود الرب”، فقد توجهت هذه المجموعة من خلالها إلى رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، بعد عرض صفحة خاصة ببرنامج تلفزيوني محلي على موقع “أكس”، على متابعيها طرح أسئلة على جعجع قبل جلسة الحوار معه، فاختارت المجموعة طرح سؤال هجومي حول المثليين.
وقبل فترة تصدرت قضية مجتمع “الميم عين +”، اهتمامات السلطة السياسية ورجال الدين والرأي العام في لبنان، متجاوزة القضايا المعيشية والسياسية والأمنية، لاسيما مع إطلاق أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، معركة اجتماعية وثقافية وفكرية ضد أفراده، في يوليو الماضي.
واعتبر نصر الله حينها أنها معركة تتخطى “حزبا أو طائفة”، إلى “معركة كل المجتمع بمسلميه ومسيحيّيه”، مشدداً على “ضرورة المواجهة بكل الوسائل، وبدون أسقف”، لكن مع اندلاع الحرب في غزة، جمّد معركته الداخلية وفتح الجبهة الحدودية.
“رايات” مشبوهة
حملة التحريض على الفئات المهمشة قديمة متجددة في لبنان، فهي تخفت وتتصاعد بين الحين والآخر، كما تقول الباحثة في مؤسسة سمير قصير والصحفية، وداد جربوع، وذلك “إما من خلال مواقف تحريضية لشخصية دينية أو سياسية، أو نشاطات وندوات تُركّز هجومها تحديداً على مجتمع الميم عين +، الذي يتعرّض العديد من أفراده للقمع والممارسات المجحفة لإسكاتهم ومنعهم من التعبير عن آرائهم كمنع نشاطاتهم الثقافية”.
في المقابل يدعم سياسيون لبنانيون وبقوة بحسب ما تقوله جربوع لموقع “الحرة” “الحملات والندوات المبنية على خطاب الكراهية، والتي تحمل عناوين تمييزية وتحقيرية ضد المثليين، ومع ذلك يرفع منظموها راية “حماية العائلة والأخلاق” ليكرّسوا نهجاً معاد للحريّات الشخصية يقوم على الترهيب والتحريض ضد مجتمع الميم عين +، ما يشكّل خطراً حقيقياً على أفراده”.
من جانبه، يستغرب مسؤول التواصل والإعلام في منظمة حلم، ضوميط قزي، استمرار تربع قضية المثليين على قائمة أولويات وزير الثقافة في ظل الوضع الذي يمر به لبنان والحرب الدائرة في غزة.
ويقول “لا يبالي الوزير بإضاعة وقته لاضطهاد فئة من المجتمع لا تمارس أي ضرر على الآخرين، وفوق هذا يدعو رئيس الاتحاد العمالي العام، بشارة الأسمر، ليس لمناقشة حقوق ووضع العمال في لبنان، بل لمناقشة الحياة الشخصية للمثليين وبث السموم ضدهم، وذلك بدلاً من أن يصب وحكومته الاهتمام على وضع خطة لإنقاذ البلد من الأزمات التي يمر بها”.
من المفترض بحسب ما يقوله قزي لموقع “الحرة” أن “يكون هدف الاتحاد العمالي العام حماية كل العمال والدفاع عن حقوقهم، لكن يبدو أن رئيسه الحالي لا يعلم أن المثليين هم جزء من العمال وأكثر فئة تتعرض للانتهاكات في أماكن العمل، فقرر تخصيص مقر الاتحاد لهذه الندوة وأن يكون جزء من عملية صناعة الكراهية، بدلاً من أن يقود النضال لتحسين ظروف العمال”.
وتعليقاً على ما يقوله قزي، يشدّد الأسمر على أنه “لا يمكن إنكار أن هذه الفئة جزء من المجتمع إلا أنها جزء لا يتلاءم مع واقعنا الشرقي، ونحن ندعو إلى حماية الأسرة التي أقرتها الشرائع السماوية كافة ومبدأها القائم على تكوينها من امرأة ورجل، وحمايتها من كل العناصر غير المنطقية المستجدة عليها بسبب عصرنة المجتمع”.
ويشدد الأسمر في حديث لموقع “الحرة” على أنه “نحن لا ندعو إلى اضطهاد أفراد هذه الفئة لكن في ذات الوقت ندعو إلى عدم شرعنة هذا الواقع والذي يؤدي مع عوامل أخرى منها المخدرات إلى تدمير المجتمعات الشرقية، وديمقراطياً يمكن لأفراد هذه الفئة العيش كما يحلو لهم لكن من دون تأثير مباشر يفتك بالأسرة والمجتمع”.
يذكر أن الأمم المتحدة سبق أن حثّت السلطات اللبنانية “على الوفاء بالتزاماتها بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي وقّع عليه لبنان، ومنع ممارسة التمييز على أساس الميل الجنسي والهوية الجنسانية والتعبير الجنساني”.
“كراهية”.. متطرفة
التصويب الثاني على المثليين، اتخذ صورة تغريدة لـ”جنود الرب” جاء فيها “العريضة التي وقع عليها نواب من القوات اللبنانية إلى جانب نواب التغييريين لإلغاء القانون 534 الذي ينص على تجريم كل مجامعة خلاف الطبيعة تمهيداً لتشريعها وإدخالها إلى بيوتنا وكنائسنا ونظامنا التعليمي كما يحصل في أوروبا والغرب”.
وردّ قزي على ذلك بالقول “تصوّب هذه المجموعة المتطرفة التي تتخذ من موضوع المثليين هاجساً وأولوية، على توقيع نائب القوات اللبنانية، جورج عقيص، على إلغاء المادة 534، فعلى الرغم من كل القضايا المعيشية والصحية والتعليمية التي كان بإمكانها طرح الأسئلة حولها، أبت إلا أن تظهر أن هدفها، وهو ليس تحصين المجتمع، بل تجريم أفراد منه واضطهادهم وعزلهم عن بيئتهم ومجتمعهم وزجهم في السجون، مثبتة أن بث الكراهية هو غايتها”.
وتستخدم المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني لتجريم المثليين، وهي تنص على أن “كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس حتى سنة واحدة” وذلك من دون تحديد مفهوم الطبيعة وما يعدّ مخالفاً لها، إلا أن سلسلة أحكام أصدرتها محاكم منذ عام 2007 خلصت إلى أن العلاقات الجنسية المثلية بالتراضي لا تشكّل جريمة.
وفي يوليو الماضي، وقّع تسعة نواب على اقتراح قانون لإلغاء هذه المادة من بينهم عضو تكتل “الجمهورية القويّة”، جورج عقيص، وقد تعرضوا لحملة تشويه وهجوم عنيف في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفع عقيص إلى التوضيح أنه “لا علاقة لاقتراح القانون الذي تقدّمنا به بتشريع المثلية” مشدداً على أنه سيقاضي “من يختلق أخباراً كاذبة”.
ورداً على هذا الاقتراح القانوني، قدم وزير الثقافة، اقتراح قانون يجرم المثلية بعقوبات مشددة، بعد أن سعى كذلك إلى منع عرض فيلم “باربي” في لبنان بحجة ترويجه “للشذوذ والتحول الجنسي، وتعارضه مع القيم الأخلاقية والإيمانية”، حسب تعبيره.
يذكر أنه “في 2021، وخلال المراجعة الدورية الشاملة لحماية حقوق الإنسان في لبنان في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، قَبِل لبنان التوصيات بإلغاء المادة 534 وضمان الحق في التجمّع السلمي والتعبير لأفراد الميم-عين” بحسب “هيومن رايتس ووتش”.
ولفتت المنظمة إلى أن “القانون الدولي يحظر التمييز في توفير الحماية من العنف والوصول إلى العدالة، ويضمن الدستور اللبناني بدوره حرية التعبير “ضمن دائرة القانون”، وينص “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، الذي صادق عليه لبنان عام 1972، على أنّ لكلّ شخص الحق في حرية التعبير والتجمّع وتكوين الجمعيات، من دون تمييز.
وهذه ليست المرة الأولى التي تهاجم بها مجموعة “جنود الرب” أفراد مجتمع “ميم عين+”، وكل ما له علاقة بهم، فمنذ عام 2019، بدأت رحلة ترهيبها لهم، من خلال معارضتها إقامة حفل موسيقي لفرقة “مشروع ليلى”، التي تضم بين أفرادها مثليين والمعروفة بمناصرتها لحقوقهم.
وفي أغسطس الماضي هاجم أفراد من المجموعة ملهى ليلي في العاصمة اللبنانية، بيروت، حيث اعتدوا بالضرب على المتواجدين قبل أن تتدخل القوى الأمنية.
انعكاسات مدمّرة
التحريض على المثليين في لبنان ينعكس عنفاً مباشراً عليهم، بحسب قزي، ويقول “يومياً هناك من يتعرض منهم للضرب والاضطهاد والتمييز وعدم التزام أصحاب العمل بالقوانين وبشرعة حقوق الإنسان، التي تؤكد على حق كل شخص في العمل دونما تمييز بين عرق ولون وجنس وجنسية ونوع اجتماعي”.
ويشرح “يعاني المثليون من المعاملة السيئة في أمكنة العمل ولا يستطيعون الوصول إلى حقوقهم التي ينص عليها قانون العمل اللبناني وقانون الضمان الاجتماعي، كما أنهم يتعرضون للتحرش والابتزاز الجنسي والمالي، ومن ممارسة العنف اللفظي والجسدي، وحتى الصرف التعسفي، أو رفض توظيفهم، كل ذلك بسبب هويتهم الجنسانية والجندرية، وخارج العمل يعاني آلاف من التشرد لعدم تقبّلهم من قبل أسرهم وحاضنتهم الاجتماعية”.
وفي سبتمبر الماضي اعتبر “تحالف الدفاع عن حرية الرأي والتعبير في لبنان”، المؤلّف من 15 منظمة لبنانية ودولية، أن السلطات اللبنانية تهاجم منهجياً حقوق الإنسان الأساسية لأفراد مجتمع الميم عين+، كما سبق أن حذرت منظمة أوكسفام من أن مجتمع المثليين في لبنان يواجه تحديات هائلة، إذ حرمتهم الأزمة الاقتصادية وجائحة كوفيد-19 وانفجار مرفأ بيروت في صيف 2020، مساحاتهم “الآمنة” ومصادر دخلهم.
وبحسب الإحصاءات التي توصلت إليها منظمة “حلم”، فإن أرقام البطالة لدى أفراد هذه الفئة هي ضعف تلك الخاصة بباقي أفراد المجتمع، كما أن رواتبهم أقل من زملائهم في العمل”.
كما سجلت “حلم” أكثر من 2000 حالة انتهاك في عام 2021 وذات العدد في العام الذي تلاه بحق المثليين في لبنان، ويقول قزي “للأسف وجع ومعاناة هؤلاء لا يصل إلى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي”.